ماءالعينين لكحل
أفريقيا برس – الصحراء الغربية. (المقال منشور بجريدة الخبر الجزائرية لعدد اليوم 19 أغسطس 2022)
لم أستغرب كثيرا عند سماعي تصريح المغربي المدعو الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي أكد فيه دون حياء، أنه على ديدن ملوكه العملاء، وعلى منهج شيخه علال الفاسي وتوجهه التوسعي، وهو النهج الذي جسده المخزن بعدوانه الدموي والغادر المسلط على جميع شعوب المنطقة منذ الخمسينات وإلى اليوم.
وبطبيعة الحال لا يمكن بأي شكل من الأشكال اعتبار هذا التصريح مجرد سفاهة شيخ، ولو “أن سفاه الشيخ لا حلم بعده”، ولا مجرد زلة لسان، لأن المعني استملح واسترسل في شرح فكرته التوسعية ليتطاول، ليس فقط على الصحراويين ضحايا الاحتلال المغربي فعلا، بل تجاوزهم للتطاول على الجزائر وموريتانيا، وفي قناعته، ووفاء لنهج شيخه الفاسي وحزبه، أنه لا ينبغي لسيطرة المغرب أن تتوقف عند حدوده المعترف بها دوليا، بل عليه أن يمتد حتى يجسد حلم محور باريس-الرباط في التوغل أفريقيا.
تصريح الريسوني، هو أيضا مؤشر جلي على مباركته التطبيع المغربي مع الكيان الصهيوني، حيث لا أستبعد بتاتا أن يكون مجرد بالون اختبار، ومقدمة للتسويق لحرب جديدة ضد جيران المملكة جميعا، لاسيما الجزائر، وغالبا بإيعاز من أسياد النظام المغربي بالكيان الصهيوني. ونحن نتذكر بالتأكيد التجارب والمؤشرات المماثلة التي حصلت أياما أو أسابيع قليلة قبل اندلاع الأحداث التي نفهم دوافعها أكثر الآن، والتي سعت لإسقاط الأنظمة بالعراق، وليبيا، ومصر وسوريا سابقا.
وقد يتساءل سائل عما يبرر مثل هذا الاتهام، لأبدأ بإحالته إلى تصريحات مشابهة، وإن بمعان ومقاصد أخرى أطلقها مؤسس هذا الاتحاد الذي يدعي عالمية لا نرى لها دليلا منطقيا، وأقصد الشيخ القرضاوي، ومن سار على نهجه، الذين حرضوا شباب الأمة الإسلامية والعربية “للجهاد” و”التطوع” في الحركات الإرهابية الكثيرة التي زلزلت دولا كانت إلى ذلك الحين بين الأقوى والأعرق عربيا، بغض النظر عن تقييمنا للأنظمة السياسية التي كانت تحكمها. وهاهي تلك الدول ماتزال تعاني تبعات ونتائج هذه الدعوات الجهادية التخريبية المشبوهة إلى اليوم، مقسمة واهنة.
ولن أقع في فخ مناقشة الحجج الواهية التي ساقها الريسوني، ويسوقها نظام الاحتلال المغربي كل مرة لتبرير احتلاله الهمجي وغير الشرعي للصحراء الغربية، كما يحاول هذا “الشيخ” التسويق لها لتبرير محاولته تأليب الرأي العام المغربي ضد بقية جيرانه، وعلى رأس هذه الحجج أسطورة “خلافة” ملك المغرب (التي لا نفهم بأي حق تكون له وهو من هو، حاشى الخلفاء ولا أزيد، ونظامه بيدق ليس فقط لفرنسا والغرب، بل وللكيان الصهيوني ولكل أجندات الإرهاب وتجارة المخدرات المعروفة والمجهولة). بل سأمضي لتذكير الجميع ممن فاته الانتباه أن مساعي هذا النظام ليست جديدة، ولن تزول بتاتا إلا بزواله، لأنها تقع في صلب طبيعته التوسعية، وتمثل جوهر المهمة التي أوكلت له من أسياده منذ قيام الجنرال ليوطي بتصميمه، وتشكيله، وتوجيهه ليكون خنجر الغدر الاستعماري في خاصرة الشعوب المغاربية الرخوة المتاخمة لأوروبا.
ولربما أن الكثيرين أيضا لا يدركون أنه لولا وقوف الشعب الصحراوي، عن وعي أو لحكمة إلاهية، منذ الستينات في وجه المساعي التوسعية الفرنسية، ثم المغربية بالوراثة، لكانت جيوش مملكة الحشيش تصول وتجول لتقض الآن مضاجع إخوتنا بموريتانيا، (التي يرى الريسوني أن استقلالها مجرد خطأ لا بد أن يتم تصحيحه، بما معناه يجب على المغرب الزحف لاحتلالها كاحتلاله الصحراء الغربية)، ولكانت جيوش الرباط تحاول مواصلة ما بدأته ضد الجزائر في حرب الرمال، ولو من باب تحقيق غاية فرنسا في إزعاج الجزائر وعدم منحها فرصة للتنفس والمضي في أجندتها التنموية والتقدمية.
لذلك يجب أن تكون الأمور جلية واضحة، وأن يفتح الجميع أعينه على حقيقة هذا النظام، ولا حاجة حتى للاستماع إلى كلام الصحراويين، تكفي عودة بسيطة وحتى سطحية لتاريخ المواقف والعلاقات المغربية مع كل من الجزائر وموريتانيا، وأصناف الخيانات، والغدر، والضربات تحت الحزام التي تعرض لها البلدان من الرباط لفهم خطورة استمرارهما في التعاطي، بتسامح وتجاهل، مع مساعي نظام التطبيع المغربي. فاليوم قد جلبت الرباط لمنطقتنا سرطان الصهاينة، وغدا ستلقي بكل المنطقة إلى جحيم القلاقل واللاإستقرار والجريمة المنظمة والإرهاب والمخدرات، التي تستعملها أوراقا وتهديدات لوقف أي تقدم في العلاقات بين الجزائر، وموريتانيا والجمهورية الصحراوية، بل ولمنع أية وحدة مغاربية حقيقية مبنية على الاحترام المتبادل، والتعاون، والأخوة الصادقة واحترام القانون.
والمغزى مما سبق، أن من ينتظر خيرا من نظام التطبيع، أويشكك في ضرورة التكتل مغاربيا وأفريقيا لمحاربة هذا السرطان، لا يدرك أن نظاما توسعيا، فاشيا، ظالما حتى لشعبه، لا يؤمن جانبه ولو دافع عنه جميع شيوخ الضلال، وأسلحة التضليل الدينية وغير الدينية التي رأينا جميعا كيف دمرت دولا شقيقة، وتسببت في تقتيل مئات آلاف الأبرياء، وألقت بعشرات آلاف الجهلة في براثن الإرهاب والتطبيع لخدمة أجندة أسياد المال، وأنصار الشيطان، الواقفين خلف كل مآسي ومصائب العالم الآن. فمن يرتكب ذلك الخطأ ما يزال يجهل أن ليس في القنافذ أملس.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس