أمحمد/ البخاري
أفريقيا برس – الصحراء الغربية. بعد إنتهاء لجنة تحديد هوية المصوتين الصحراويين في إستفتاء تقرير المصير من عملها عام 1999 و ذلك بعد سنوات من العمل الشاق و من المفاوضات الصعبة و بعد ان تم تسليم اللأئحة النهائية للمصوتين إلى الطرفين و إلى الامانة العامة للأمم المتحدة، غير بعض الكبار في مجلس الأمن سكة و مسار قطار الحل السلمى في الصحراء الغربية.
اللائحة النهاية للمصوتين الصحراويين و التى سلمت لجبهة البوليساريو و المملكة المغربية حسمت معركة الإستفتاء الذى يعد تنظيمه هو “الحل الوسط العملي و المعقول” كما صنفته منظمتي الأمم المتحدة و الوحدة الأفريقية و قبله الطرفان و الذى انشئت بعثة المينورسو بهدف تنظيمه.
لا بد أن نسجل للتاريخ أن المجهودات التى بذلتها المينورسو و لجنتها لتحديد الهوية خاصة، كللت بنجاح باهر، بالرغم من ضغوط حكومة الإحتلال و ادواتها المختلفة. كما أن قدرة و حنكة الطرف الصحراوي جعلته قادرا على إفشال الطرق و الاساليب المخزنية المغربية الرامية إلي تنظيم إستفتاء مزور أو ما كانت تسميه الرباط آنذاك بالإستفتاء التأكيدي.
و هكذا، فعندما تأكد المغرب بأنه لن يربح الإستفتاء، بعد رفض بعثة الأمم المتحدة تسجيل عشرات الآلاف من المواطنين المغاربة الذين تم ترحيلهم من المدن المغربية إلى ألأراضي الصحراوية المحتلة لدسهم في لوائح الناخبين بغية تزوير الإستفتاء، تغير مسار عملية تصفية الإستعمار من الصحراء الغربية، بفعل فاعل، و بدات الرباط تتراجع تحت ذرائع و حجج واهية.
الحقيقة هي أنه، منذ عام 1999 تم إسقاط القضية من بين ايادي البعثة الأممية و الأمانة العامة للأمم المتحدة و اصبح الملف يدار حصريا من واشنطن و باريس.
يمكن بالفعل، أن نتحدث هنا، و بكل وضوح، عن عملية إختطاف لقضية شعب و محاولة لمصادرة حقوقه الثابتة و غير القابلة للتصرف أو التقادم و ذلك في تناقض تام مع احكام الشرعية الدولية و مع أبسط مبادئ الديمقراطية و الحق و العدالة.
تحكم واشنطن في الملف عبر المجموعة التى اعلنت عن نفسها تحت اسم متهكم ب ” مجموعة اصدقاء الصحراء الغربية” و التى لم يتم تشكيلها أصلا من قبل مجلس الأمن، قوض دور المجلس و شل عمل بعثة المينورسو و سحب البساط من تحت اقدام الأمانة العامة و كل المبعوثين الأمميين المتعاقبين على هذا الملف.
يظهر أن الولايات المتحدة الامريكية تريد إستمرار النزاع الصحراوي المغربى منذ سنة 1975، تاريخ الإجتياح العسكري المغربي للصحراء الغربية، بعد حصول الحسن الثاني على الضوء الأخضر من واشنطن، و بعد الخيانة العظمى التى إرتكبتها إسبانيا، الدولة المديرة للإقليم نيابة عن الأمم المتحدة.
رغبة الولايات المتحدة الامريكية في إستمرار النزاع في إطار استراتيجيتها الكونية جعلتها تسلح المغرب بكل أنواع الأسلحة من طائرات و دبابات و ردارات و مدفعية ميدانية و حتى بالقنابل الإنشطارية و العنقودية المحرمة دوليا و هذا في خرق سافر لمقتضيات ميثاق الأمم المتحدة و قرارات جميع المنظمات و المحاكم الدولية و الاقليمية ذات الصلة.
لقد بات واضحا أن الولايات المتحدة تطبق في قضية الصحراء الغربية المنهج الذى اقترحه هنرى كيسينجر، كاتب الدولة الأمريكي السابق و الذى يقول فيه، بكل صراحة، أنه: ” ليس من مصلحة الولايات المتحدة الامريكية أن تحل أي مشكلة في العالم ، و لكن من مصلحتها أن تمسك بخيوط المشكلة، و تحرك هذه الخيوط حسب المصلحة القومية الامريكية”.
و تريد فرنسا، هي الأخرى، إستمرار النزاع في منطقة تعتبرها باريس ضمن دائرة نفوذها في أفريقيا و ذلك بإستعمال ورقة الصحراء الغربية، في إطار نظرة استعمارية قديمة، تستعمل في نفس الوقت، الضغط و الإبتزاز لضبط علاقاتها مع دول شمال أفريقيا في إطار اسلوبها المعروف للحفاظ على مصالحها النيوكولونيالية.
أما إسبانيا، من مجموعة ما يسمى استهزاء بأصدقاء الصحراء الغربية، و التى تلعب و تتدحرج دائما بين المظلتين الفرنسية و الأمريكية فإن حكوماتها المتعاقبة تعمل كل ما في وسعها على أن يبقى المغرب منشغلا عن قضية سبتة و امليلية و أن يستمر في النظر نحو الجنوب هذا بالإضافة إلى اعتمادها لسياسة مهينة مبنية على اللهث وراء ربح ود المغرب الذي يبتزها، في واضحة النهار، بأسلحة الهجرة السرية و المخدرات و شبكات الجريمة المنظمة بما في ذلك التهديد المبطن بإستعمال ورقة الإهاب.
من كل الحقائق السالفة الذكر يفهم من تعيين 6 مبعوثين شخصيين للأمين العام إلى الصحراء الغربية، بدءا من تعيين جيمس بيكر بتاريخ 17 مارس – آذار 1997 إلى غاية تعيين ستافان ديمستورا يوم 6 اكتوبر 2021 بالإضافة إلى تعيين 16 ممثلا خاصا للأمين العام منذ 20 شتنبر 1988، مع اولهم، هيكتور گروس ايسبييل إلى الحالى اليكسندر ايفانكو الذى عين يوم 27 اوت 2021، يفهم، إذن ، بأن إرادة الممسكين من ملف النزاع الصحراوي المغربي داخل مجلس الأمن يعملون كل ما في وسعهم على تعطيل حله و خاصة استبعاد تجسيد أي حل له على أساس الإتفاق المبرم بين الطرفين سنة 1991، تحت إشراف الأمم المتحدة و الوحدة الأفريقية، و هو الحل الذى يتطابق مع طبيعة القضية الصحراوية كمسألة تصفية استعمار و الذى ما زالت تتواجد بعثة المينورسو في الصحراء الغربية على اساسه بإعتبار أنه هو الوحيد الذي يمثل الشرعية الدولية في الصحراء الغربية.
منذ أن تم تعطيل تطبيق إتفاق السلام/مخطط التسوية و تقاعس مجلس الأمن عن تحمل مسؤولياته من خلال إتخاذ القرارات و الاجراءات الضرورية لفرض على المغرب الوفاء بالتزاماته عملت كل من الولايات المتحدة و فرنسا خاصة على تغيير القاعدة القانونية للنزاع في الصحراء الغربية في تواطؤ خطير مع المحتل المغربي عبر ادخال صياغة بمفردات جديدة لا علاقة لها بلغة الملف و الإطار الذي تتم فيه معالجته منذ ستينيات القرن الماضي بإعتباره قضية تصفية استعمار.
حان الوقت للتأكيد بأن تواطؤ تلك الدول مع المغالطات التى بنى المغرب عليها دعايته هو السبب في عرقلة ممارسة الشعب الصحراوي لحقوقه و في عدم الإستقرار في المنطقة.
التواطؤ المفضوح من لدن تلك البلدان مع دعاية المحتل المغربي مثل ضرورة التوصل إلى حل سياسي و كان الإستفتاء حلا عسكريا ثم الإكثار من الحديث عن ضرورة التحلي بالواقعية التى يرونها تتماشى مع ضم الأراضى بالقوة و تغيير الحدود الدولية المعترف بها بل و زادوا على ذلك بأن البحث عن الحل يجب أن يكون على أساس التوافق في وقت قاموا بتعطيل الحل الذى تم التوصل إليه عبر توافق إرادة الطرفين بعد 16 سنة من الحرب، كل ذلك يبرهن على أن دور مجلس الأمن تم تحييده من الداخل.
و عندما يكتبون و يكررون، منذ سنة 2007، باسم مجلس الأمن أن المفاوضات بين الطرفين تهدف للتوصل إلى حل سياسي متفق عليه يفى بحق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير و أن تلك المفاوضات يجب أن تكون بدون شروط مسبقة و بحسن نية فانهم لا يريدون بل يرفضون إصدار أي حكم ضد عرقلة المغرب لتلك المفاوضات، منذ الوهلة الأولى، عبر اشتراطه للإعتراف له مسبقا بالسيادة على الصحراء الغربية من خلال ما يسميه بمشروعه للحكم الذاتي الذى يعتبره الحل الوحيد.
إدخال مفردات و عبارات يراد منها تحاشى التأكيد على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير و الإستقلال و امتلاكه للسيادة على وطنه لا يشكل السياسة الملائمة لإحلال السلام في شمال غرب أفريقيا لأنها لن تضمن لا أمن و لا استقرار و لا تنمية شعوب المنطقة و لن توفر السلم و الأمن الدوليين بالإضافة إلى خرقها لمقتضيات ميثاق الأمم المتحدة و قرارات الشرعية الدولية فيما يتعلق بقضية الصحراء الغربية.
إن كرامة الشعوب مرتبطة بحريتها و استقلالها و الحل الكريم بالنسبة للنزاعات المتعلقة بقضايا تصفية الإستعمار لا بد أن يكون على أساس الحرية و الإستقلال و السيادة أو لن يكون لا كريما و لا عادلا.
و للتذكير فإن إستفتاء تقرير المصير اعتبرته كل من منظمتي الأمم المتحدة و الوحدة الأفريقية/ الإتحاد الأفريقي ” الحل الوسط العملي و المعقول ” كما ورد في الفقرة الخامسة من إتفاق السلام/مخطط التسوية لسنة 1991.
كما ان الإتحاد الأفريقي في قمته الاستثنائية حول إسكات البنادق بتاريخ 6 دجنبر 2020 طالب الدولتين العضوين، الجمهورية الصحراوية و المملكة المغربية بإجراء مفاوضات للتوصل إلى حل سلمي على أساس مبادئ و أهداف القانون الأساسي التى تمنع العدوان على الدول الأعضاء و تؤكد على قدسية مبدإ إحترام الحدود الدولية المعترف بها.
ما دام الأمر هو كما اسلفنا عبر هذا المقال فإن تعيين مبعوثين شخصيين للأمين العام إلى الصحراء الغربية لن يمثل أكثر من هدر لإمكانيات الامم المتحدة و تمديد زمن النزاع و الحرب بين الطرفين و تعميق معاناة الشعب الصحراوي.
عرقلة تصفية الإستعمار من الصحراء الغربية سببه هو التواطؤ مع المحتل المغربي من لدن دول لا تكترث لمجهودات المبعوثين الأمميين المتعاقبين على الوساطة الذين يجب ان ينحصر دورهم، بالنسبة لبعض الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، في ادارة الملف، بتدخل من أولئك الأعضاء، بعيدا عن نية الوصول إلي حل للنزاع طبقا لطبعته القانونية و على أساس قرارات الشرعية الدولية.
هذه الوضعية تفرض على الشعب الصحراوي مواصلة تجسيد شعار المؤتمر السادس عشر المتمثل في تصعيد القتال لطرد الإحتلال و إستكمال السيادة معتمدا على تصميمه المنقطع النظير و قدراته الابداعية المعهودة و على تضامن حلفائه و اصدقائه و احرار العالم مع كفاحه المشروع.
إن للجمهورية الصحراوية الحق في الدفاع عن النفس ما دام المغرب يعرقل تطبيق إتفاق السلام/مخطط التسوية الذي كان قد وقع عليه بأنه هو الحل الوسط العملي و المعقول.
و يأتى من اولويات المسؤوليات القانونية المترتبة على الأمم المتحدة و الإتحاد الأفريقي تمكين الجمهورية الصحراوية من مكانتها الطبيعية و المستحقة بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
تعاون الطرف الصحراوي، بالجدية المشهودة و بالحكمة و الصبر، مع مجهودات المجتمع الدولي لمدة عقود و الرامية إلي تطبيق إتفاق السلام/مخطط التسوية طبقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة و مقتضيات القانون الدولي مقابل الخروقات و العرقلة المغربية تفرض قانونيا و اخلاقيا على منظومة الأمم المتحدة و هيئات المجتمع الدولي تحمل مسؤولياتهم في إنصاف الشعب الصحراوي و انهاء معاناته الطويلة و تمكينه من ممارسة حقوقه الثابتة في الحرية و السيادة على ارضه و فرض على المغرب انهاء احتلاله اللاشرعي و إحترام الحدود الدولية المعترف بها.
إن ذلك هو طريق السلام العادل و النهائي.
المصدر: sh24h
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس