“عبادة الشخصية وتأثيرها على المشروع الوطني”

0
"عبادة الشخصية وتأثيرها على المشروع الوطني"

سلامة حبوب

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. في قلب المعركة من أجل تحرير ارضنا، حيث تناضل الجماهير من أجل الحرية والكرامة، يبرز خطر داخلي قد يكون أشد فتكاً من العدو المغربي نفسه – خطر تحويل النضال الوطني من مشروع جماعي إلى عبادة فردية مفرطة للاخ إبراهيم غالي.

لقد تجاوز الأمر مجرد احترام القائد الطبيعي ليصل إلى حالة مرضية تهدد جوهر القضية برمتها، حيث يتحول الزعيم من رمز للنضال إلى شبه إله معصوم، في عملية تشبه تلك التي عانت منها العديد من الحركات التحررية عبر التاريخ.

هذا التقديس المفرط ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو تحول خطير يتجلى عبر مظاهر متعددة تبدأ بالخطاب الذي يخلع على الزعيم صفات تفوق الطبيعة البشرية،،(فهذا شاعر يؤكد ان الزعيم هو الجبهة،وهذه سيدة ذات لسان سليق تحلف باليمين انه لابديل عن الزعيم،وشاب يسبح في الاطراء والنفاق،واخر ينتظر تعيينه مقابل تخوين الاخرين والطعن في اعراضهم. وهلم جرا. من اوصاف يستحي المقام عن ذكرها ) وتمر بالممارسات الطقسية التي تحيط باسمه، ولا تنتهي عند قمع أي صوت يجرؤ على طرح رؤى بديلة أو نقد سياسات القيادة.

والأخطر من ذلك كله هو كيف يؤدي هذا التقديس إلى تهميش الإنجازات الجماعية والتضحيات الجمعية لصالح تمجيد فرد واحد، وكيف يحول القضية الوطنية من مشروع تحرري إلى مزرعة شخصية.

إن الآثار المدمرة لهذه الظاهرة لا تقتصر على الجانب الرمزي، بل تمتد لتشل القدرة على التطوير والنقد البناء، وتهدر طاقات المجتمع في التطبيل بدل التفكير الإبداعي، وتقدم صورة مشوهة للعالم الخارجي تقوض التعاطف الدولي مع القضية.

فبدل أن يكون النضال قصة شعب بكامله يناضل من أجل حقه في تقرير المصير، يتحول إلى قصة زعيم واحد يتصرف وكأنه المخلص الوحيد.

في مواجهة هذا الداء، تبرز أدوار حيوية لمختلف شرائح المجتمع.

فالمثقفون والكتاب مدعوون لكسر تابوهات التقديس عبر الكتابات الجريئة التي تعيد الاعتبار للتاريخ الحقيقي للحركة كإنجاز جماعي، وتسليط الضوء على التجارب التاريخية التي دمرها تقديس الزعماء.

أما الشباب، فبإمكانهم قيادة ثورة ثقافية عبر إنتاج محتوى بديل يعيد تعريف مفهوم البطولة، وينتشل قصص الشهداء البسطاء من غياهب النسيان.

ولا يمكن إغفال دور النساء في هذه المعركة الثقافية، حيث يمكنهن تسليط الضوء على الأدوار التاريخية للمرأة في النضال، ومواجهة ثقافة التمييز التي تتخفى أحياناً خلف عبادة الزعيم.

كما يقع على عاتق المجتمع المدني مهمة تصميم برامج توعوية تميز بين الولاء الصحي والعبادة العمياء، وإحياء الذاكرة الجماعية.

إن العلاج الناجع لهذه الظاهرة يتطلب جراحة إعلامية جذرية تستبدل خطاب التمجيد الفارغ بخطاب الإنجاز المؤسسي، وتعطي مساحة أكبر للكوادر المتوسطة والمبادرات المحلية.

كما يحتاج إلى مناعة دستورية تضمن تداولاً سلمياً للسلطة، وفصلاً واضحاً بين منصب القيادة وهالة القداسة.

ولكن الأهم من ذلك كله هو اللقاح الثقافي الذي يعيد تعريف البطولة ليس كصفة لفرد خارق، بل كقدرة على تنسيق طاقات الجماعة.

ففي النهاية، الوطن لا يُباع بتمثال، والتحرير الحقيقي يبدأ بتحرير العقول من عقدة الزعيم المعصوم.

القداسة لله وحده، أما البشر فكلهم سواسية أمام الوطن.

القضية أكبر من أشخاص، والكرامة لا تُسترد بتمجيد الأفراد، بل بتضامن الجماعة وتضحياتها المشتركة.

التاريخ لن يسألنا عن عدد المرات التي هتفنا فيها لاسم زعيم، بل سيسألنا: ماذا قدمنا لشهدائنا؟ وكيف حافظنا على نقاء القضية؟ وهل استحق نضالنا أن يتحول إلى أسطورة فردية أم ظل إنجازاً جماعياً خالداً؟والله من وراء القصد.

المصدر: المستقلة للأنباء

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية عبر موقع أفريقيا برس