الصحراء الغربية – افريقيا برس. خلال 7 سنوات من العمل، حصد طبيب الأسنان الفرنسي ليونيل غيدج ثروة تقدر بنحو 13 مليون يورو (حوالي 15.4 مليون دولار) من عمله في مدينة مرسيليا جنوب فرنسا، قبل أن يتم اعتقاله في نوفمبر/تشرين الثاني 2012.
وفي تقرير نشرته صحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية، يستعرض الكاتب لوك لورو شهادات عدد من المرضى السابقين لطبيب الأسنان الذي شغلت قضيته الرأي العام منذ عدة سنوات، والذي سيمر عقد كامل على انطلاق محاكمته عندما تُعقد الجلسة القادمة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
تقول إحدى مريضاته إنها تنفجر بالبكاء كلما سألها أبناء أخيها الصغار “عمتي لماذا فمك أسود؟”، وتقول أخرى إنها لا تستطيع مضغ الطعام إلا بأنيابها مثل الأرانب.
وحسب الكاتب، تعكس قصص مرضى طبيب أسنان مرسيليا لوعة الانتظار الطويل، أملا في خضوعه للمحاكمة والاعتراف بهم بوصفهم ضحايا والحصول على تعويضات. ويستعد حوالي 450 شخصا من مرضى غيدج السابقين لإحالة القضية إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بسبب طول إجراءات المحاكمة في فرنسا.
ويقول ليونيل فيبرارو -صاحب مبادرة إحالة القضية إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان- إن “9 سنوات -بالنسبة لأشخاص يعانون من آلام حادة في الأسنان، وبعضهم لا يستطيع مضغ الطعام- هي فترة طويلة جدا. لم يصدر أي حكم إلى الآن، ولم نحصل على أي تعويض”.
في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019 بعد تحقيق مطول، أحيل ليونيل غيدج -مع والده الذي كان يعمل مساعدا له في العيادة- إلى المحكمة الإصلاحية في باريس، بسبب “العنف المتعمد الذي ارتكبه في الفترة الممتدة بين عامي 2006 و2012، وهو ما أدى إلى عمليات تشويه شملت قلع الأسنان دون مبرر طبي” لمئات المرضى.
وما يزال مكتب المدعي العام في مرسيليا يستقبل شكاوى المرضى السابقين الذين يعانون إلى اليوم من التهابات مزمنة في الفم.
الوعد بـ”ابتسامة جميلة”
بعد 6 سنوات من العمل في حي سان أنطوان (شمال) -أحد أفقر الأحياء في مدينة مرسيليا- أصبح ليونيل غيدج -الذي كان يبلغ من العمر 30 عاما آنذاك- جرّاح الأسنان رقم واحد في فرنسا عام 2010.
سجل الطبيب الشاب 4 أضعاف معدل عدد الزيارات اليومية في فرنسا، ووفقا لحسابات الضمان الاجتماعي فإن تحقيق أرقام مماثلة كان يتطلب العمل لمدة 52 ساعة في اليوم.
وأفادت مساعدة سابقة للطبيب الفرنسي أنه ركّب 4133 تاج أسنان لـ927 مريضا في الفترة الممتدة بين أبريل/نيسان 2008 ومارس/آذار 2010، ليتحوّل الأمر إلى نشاط تجاري في المقام الأول.
وقد أظهرت التحقيقات أن ليونيل كان يضع عددا كبيرا من التركيبات على الأسنان التي لا تتطلب أي علاج، دون أي مبرر طبي، وكان يقول لمرضاه -الذين يعانون فقط من بعد الألم في الأسنان- إنني “سأمنحك ابتسامة النجمة سيلين ديون”، ولتحقيق ذلك، كان لا بد من تركيب أسنان صناعية بأي ثمن بعد قلع الأسنان الأصلية.
وللحصول على “ابتسامة جميلة” خضعت فتاة لـ23 عملية عندما كانت تبلغ من العمر 18 عاما. وفي شكواها المقدمة في شهر مارس/آذار 2013، تقول الفتاة لقد “كان ليونيل يعطيك شعورا بالراحة، وقد منحته ثقتي. أخبرني أنني مثل أخته الصغيرة”، وتضيف باكية “لم يتجاوز عمري 20 عاما عندما فقدت جميع أسناني”.
70 مريضا يوميا
عارض ليونيل الخبراء القضائيين الذين اتهموه بممارسة علاج لب الأسنان على مئات المرضي لأغراض تجارية، قائلا “لم أخصصها أبدا للأغراض الجمالية، فعلت ذلك بمقتضى الضرورة”، غير أن قاضي التحقيق يرى أن الأضرار التي لحقت بالمرضى، وشكل الأسنان، وتكرر هذه الممارسة، لا يترك مجالا للشك في أن الطبيب كان يفعل ذلك بشكل متعمد.
وفي تصريح لـ”لوموند”، يقول ليونيل غيدج “هذا جحيم بالنسبة لي ولعائلتي، حُرمت من العمل ومُنعت من السفر طيلة 9 أعوام، وهذا الوضع أسوأ من صدور بطاقة تفتيش في حقي”. ويؤكد الطبيب الفرنسي أنه كان مدمنا على العمل، حيث يباشر عمله في الساعة الخامسة والنصف صباحا، ويستقبل ما يصل إلى 70 مريضا يوميا.
وحسب الكاتب، عرف ليونيل كيف يُقنع كثيرا من المرضى بجدوى تلك العمليات، ومن بين أكثر ضحاياه العاملات المنزليات وعمال البناء وحراس الأمن.
تتحدث سونيا بكل حسرة قائلة إنها زارت عيادة ليونيل لعلاج تسوس الأسنان، غير أنه عرض عليها إعادة ترصيف أسنانها والحصول على مظهر جميل، لكنها لم تحقق شيئا من ذلك، بل أصبحت لثتها سوداء.
عرف ليونيل كيف يُقنع كثيرا من المرضى بجدوى تلك العمليات، ومن بين أكثر ضحاياه المعينات المنزليات وعمال البناء وحراس الأمن
وتقول سونيا البالغة من العمر 53 عاما إنني “سئمت من تناول اللحم المفروم، وإن قضم قطعة من الخبز يعني المخاطرة بسقوط أحد الجسور”.
وأكدت مريضة أخرى أنها تضع يدها أمام فمها أثناء الحديث حتى لا تظهر أسنانها، وقد خضعت لـ3 عمليات جراحية على الوجه والفكين. وبسبب مشاكل في القلب، اضطرت ليديا البالغة من العمر 54 عاما لقلع 10 أسنان.
وقالت ليديا إن شركات التأمين أصبحت تتنصل من المسؤولية، أما لجنة التعويضات عن ضحايا الجرائم المماثلة، فقد اختارت انتظار صدور قرار المحكمة.
وحسب الكاتب، تواجه محكمة مرسيليا مشاكل تنظيمية لإتمام المحاكمة في ظل كثرة الشكاوى. وفي الوقت الحالي يتم تجهيز مبنى جديد للمحكمة، ومن المنتظر أن تكون القاعة جاهزة للعمل بداية من عام 2022، وقد وعد رئيس المحكمة بأن قضية ليونيل ستكون أول محاكمة تُعقد في القاعة الجديدة.
