الحكم الذاتي ليس تقرير المصير: عندما يتحدث الجهل باسم الدبلوماسية

1
الحكم الذاتي ليس تقرير المصير: عندما يتحدث الجهل باسم الدبلوماسية
الحكم الذاتي ليس تقرير المصير: عندما يتحدث الجهل باسم الدبلوماسية

الكاتب والإعلامي الرقيبي عبد الله

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. نشرت جريدة الخبر الجزائرية مقالات للكاتب والاعلامي الرقيبي عبد الله ردا على وزير خارجية دولة الاحتلال المغربتحت عنوان “الحكم الذاتي ليس تقرير المصير: عندما يتحدث الجهل باسم الدبلوماسية”وفيما يلي نص المقال:

من تابع تصريح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في اللقاء التلفزيوني الأخير، حين قال إن الحكم الذاتي هو نفسه تقرير المصير كما ورد في قرار مجلس الأمن، لا بد أن يتوقف أمام حجم المغالطة القانونية والسياسية التي حملها هذا القول.

فالمسألة هنا لا تتعلق باجتهاد سياسي أو اختلاف في التفسير، بل بخلطٍ فادح بين مبدأين جوهريين في القانون الدولي العام، يعكس جهلاً حقيقياً بالمنظومة القانونية التي تنظم علاقة الشعوب بحقها في تقرير مصيرها، وبالطبيعة القانونية لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

إن مبدأ حق تقرير المصير لا يترك مجالاً للبس.

فهو مبدأ راسخ في ميثاق الأمم المتحدة والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان، ينص على أن لكل شعب الحق في أن يقرر بحرية وضعه السياسي، وأن يسعى لتحقيق تنميته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من دون أي تدخل خارجي.

هذا الحق يعبّر عن إرادة الشعوب، لا إرادة الحكومات، وهو من المبادئ ذات الطابع الإلزامي التي لا يمكن لأي دولة أن تعيد تفسيرها وفق مصالحها.

أما الحكم الذاتي، في المقابل، فهو مجرد ترتيب داخلي تمنحه الدولة المركزية لإقليم ضمن حدودها، مع احتفاظها بالسيادة الكاملة عليه.

أي أنه ليس حقًا دوليًا للشعوب، وإنما خيار إداري ودستوري تضعه الدولة متى شاءت وتسحبه متى شاءت.

ومن ثم فإن المساواة بين “الحكم الذاتي” و”تقرير المصير” ليست سوى محاولة سياسية بائسة لتزييف المفاهيم القانونية وتحويل الحق الشعبي إلى منحة من السلطة.

حين يقول الوزير إن الحكم الذاتي يمثل تجسيدًا لتقرير المصير، فإنه يتجاهل عن عمد أن قرارات مجلس الأمن لم تعترف مطلقًا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وأنها تكرر في كل مرة أن الحل يجب أن يكون في إطار مبدأ تقرير المصير.

كما أن هذه القرارات ليست ملزمة قانونياً لأنها لم تصدر تحت الفصل السابع من الميثاق، بل هي توصيات سياسية هدفها تيسير المفاوضات بين الطرفين، المغرب وجبهة البوليساريو.

وبالتالي، لا يمكن استخدامها كدليل قانوني على أن المجتمع الدولي قد حسم الموقف لصالح الرباط.

القول بعكس ذلك يعكس تجاهلاً متعمداً لطبيعة النظام القانوني الدولي وجهلاً بحدود سلطات مجلس الأمن.

ما يسعى إليه الوزير من خلال هذا التلاعب بالمفاهيم هو تحويل الرأي العام المغربي عن الحقيقة الجوهرية: أن قضية الصحراء الغربية ما تزال قضية تصفية استعمار لم تُحل بعد، وأن الشعب الصحراوي هو وحده صاحب الحق في أن يقرر مصيره بحرية.

محاولة تصوير مشروع الحكم الذاتي كـ”انتصار دبلوماسي” لا تتجاوز كونها أداة دعائية لتهدئة الداخل المغربي وتغطية الإخفاقات المتراكمة في السياسة والاقتصاد والمجتمع.

فبينما تُرفع الشعارات الوطنية في الشاشات، يواجه المواطن المغربي واقعًا قاسيًا من فقرٍ متزايد، وبطالة، وتدهور في الخدمات العمومية، وفسادٍ ينهش مؤسسات الدولة.

إن الدبلوماسية الرصينة لا تُقاس بالشعارات، بل بفهم دقيق للقانون الدولي وموازين القوى.

لكن الخطاب الرسمي المغربي، ممثلاً في تصريحات بوريطة، يكشف عن عجز فكري ومهني في التعاطي مع هذا الملف المعقّد، وعن محاولة بائسة لتضليل المغاربة بإيهامهم أن الأمم المتحدة تبنت المشروع المغربي كحل نهائي.

الحقيقة أن أي حلّ خارج إطار الاختيار الحر للشعب الصحراوي سيظل فاقدًا للشرعية ومخالفًا للقانون الدولي.

وفي النهاية، سيكتشف المغاربة، بعد أن تخفت ضوضاء الاحتفالات بالانتصارات الوهمية، أن واقعهم لم يتغير: مدارسهم ما تزال في الحضيض، ومستشفياتهم متهالكة، وفرص العمل نادرة، والفساد مستمر.

أما الصحراء، فستبقى معلقة إلى أن يُمارس شعبها حقه الطبيعي في تقرير مصيره بحرية، بعيدًا عن وصاية الخطاب الرسمي أو مغالطات وزراء فقدوا الرصانة والمعرفة، وجعلوا من الدبلوماسية وسيلة للتضليل بدل أن تكون أداة للحقيقة.

المصدر: المستقلة للأنباء

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية عبر موقع أفريقيا برس