ماءالعينين لكحل
أفريقيا برس – الصحراء الغربية. تُعيد الذكرى الـ 49 للوحدة الوطنية إلى الأذهان لحظة من أعمق اللحظات التاريخية في المخيال الجمعي للشعب الصحراوي، اجتمع فيها أبناء هذا الشعب من شتى الخلفيات والربوع في 12 أكتوبر 1975 تحت راية واحدة، تقودها طليعة الشعب الصحراوي المقاومة، جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو)، منتصرين على كل محاولات الفتنة والتقسيم التي سعى تحالف القوى الاستعماري الاسباني الفرنسي المغربي زرعها وتغذيتها بين أبناء الشعب الصحراوي دون فائدة. فكان ذلك اليوم بالفعل حدثًا مفصليًا، جاء ليعلن للعالم أن الشعب الصحراوي قد اختار طريقه بوضوح، متسلحا بالوحدة والنضال، في مواجهة مخططات الطمس والاستعمار التي كانت تحيط به من كل جانب.
إعلان الوحدة الوطنية لم يكن مجرد قرار سياسي، ولا مجرد انتصار تنظيمي لجبهة البوليساريو، بل كان استجابة إنسانية عميقة لألم مشترك، ولتطلع جماعي لأبناء وبنات الشعب الصحراوي نحو الحرية والاستقلال، وجاء ليبعث روح المقاومة والنهوض من تحت رماد القهر والفقر والتشتيت، وليوجه رسالة صريحة للجميع، أصدقاء وأعداء، بأن الصحراويين لن يقبلوا الخنوع عبيدا لأحد، ولا أن يخضعوا لقوى القهر والظلم والاحتلال، وأنهم قد اتخذوا القرار التاريخي بامتلاك إرادتهم ومستقبلهم وبنزع قيود الاستعمار عن يد الفعل الوطني.
وبالتالي فإن الاحتفال بهذه الذكرى هو استحضار لروح المقاومة المستمرة، وتجديد لعهد شهداء هذا المسار الوطني، وتذكير بأن جبهة البوليساريو لا تزال، وستظل، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الصحراوي، وأن الوحدة الوطنية كانت وما زالت الدرع الذي يحمي الشعب الصحراوي من محاولات التقسيم والاستغلال، وأن إشراقات التضحيات التي بذلها أجدادنا، والقرارات الجريئة التي اتخذوها في بناء الدولة، وتأسيس المؤسسات، ورسم جبهات النضال السياسية والدبلوماسية والعسكرية والاعلامية وغيرها، ما تزال جميعها المنارة التي نهتدي بها إلى الهدف الجلي الواضح: التحرير وبناء الدولة الصحراوية حقيقة لا رجعة فيها، وواقعا لا مناص من أن يتحق رغم كل الإكراهات.
وها نحن نرى على مدى السنوات الأخيرة، منذ استئناف الكفاح المسلح ضد جيش المحتل الغاصب في نوفمبر – تشرين الثاني 2020، كيف تعاظمت الانتصارات، وازدادت مكانة وحضور القضية الصحراوية على الساحة الدولية. فممثلو الجمهورية الصحراوية، حاضرون وبقوة في القمم القارية والدولية مثل شراكات الاتحاد الإفريقي مع الاتحاد الأوروبي، ومع اليابان، وحتى مع الجامعة العربية. كما فرضت القضية الصحراوية حضورها في اجتماعات دولية كبرى مثل قمة بريكس في جنوب أفريقيا، وقمم المناخ في كينيا، وهو ما عكس بوضوح أن محاولات المغرب لاستبعاد الجمهورية الصحراوية والقضية بعمومها لم تفلح بل كلما حاول ذلك، إلا ووقع في فضائح وهزائم تزيد من عزلته، ومن تعميق الرفض لأساليبه قاريا ودوليا، وجميعنا يتذكر ما حصل من فضائح للمخزن في قمة تيكاد الأخيرة باليابان.
وعلى الصعيد القانوني، حققت البوليساريو انتصارات قانونية هائلة في مواجهة نهب الثروات الطبيعية للصحراء الغربية من قبل الاتحاد الاوروبي، وأحرجت دولا فيه تدعي احترام القانون ومبادئ الديمقراطية نهارا، لتنهب وتسرق ثرواتنا ليلا وحتى جهارا. وهنا يحضرنا الحكم الذي صدر عن محكمة العدل الأوروبية في أكتوبر 2023، والذي جاء ليؤكد أن المغرب لا يملك السيادة على الصحراء الغربية، وأن الاتفاقيات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لا يمكن أن تشمل البلد المحتل دون موافقة الشعب الصحراوي وممثله الشرعي والوحيد جبهة البوليساريو، وأن كل دولة أو شركة اوروبية تنتهك هذا الحكم هي هدف مشروع للمقاضاة أمام المحكمة. هذه الأحكام ليست مجرد انتصار قانوني، بل هي اعتراف دولي جديد بحق الشعب الصحراوي في موارده وأرضه، ورفض واضح للاحتلال المغربي، وإحراج كبير لكل الدول الأوروبية التي ماتزال تصر على انتهاك القانون الدولي بدعمها نظام المخزن التوسعي الاستعماري العميل.
وليس هذا فقط، فالمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب أصدرت بدورها حكماً فواضحا ي 2022 يؤكد على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره والسيطرة على موارده. وبالتالي فهذه الانتصارات القانونية المتراكمة هي ثمرة مزهرة لصمود الشعب الصحراوي وإرادته التي لا تلين، في مواجهة محاولات الاحتلال لفرض واقع استعماري مرفوض بكل المقاييس.
وبالمقابل، تظل محاولات النظام المغربي الترويج لانتصارات وهمية، مثل افتتاح قنصليات لدول تبيع مواقفها لأي كان مقابل المال، ومثل تنظيم اجتماعات وندوات مسرحية بالمناطق المحتلة من الصحراء الغربية لإظهار نوع من السيطرة على الأرض، مجرد استعراضات فارغة، لا تغير في شيء من حقيقة أن النزاع هو قضية تصفية استعمار كما تؤكد كل الاحكام التي ذكرناها، وكما يؤكد على ذلك حضور هذه القضية هذه الأيام بالذات في نقاشات اللجنة الرابعة للجمعية العامة المعنية بقضايا تصفية الاستعمار وفي مجلس الأمن الأممي.
وفي الأخير، إذا كانت هناك رسالة من هذه الذكرى، فهي أن الشعب الصحراوي سيواصل نضاله حتى النصر، وأن الجمهورية الصحراوية قائمة بقوة ولا رجعة فها، وأنها تمثل إرادة شعب لا يمكن كسره، شعب قرر منذ عام 1976 أن يقيم دولته المستقلة، ولم يتراجع يوماً عن هذا القرار، وما على الاحتلال المغربي إلا أن يبحث عن إقامة سلام عادل ونهائي مع هذا الشعب بالطريقة الوحيدة التي تضمن للرباط مخرجا مشرفا، وهي القبول باستقلال الصحراء الغربية، والجلاء التام والكامل عن ترابها، ورفع اليد عن مقدراتها من أجل الشروع في إعادة بناء روابط الجوار على أسس الاحترام المتبادل، والمصالح المتبادلة، والقانون الدولي.
المصدر: sh24h
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية عبر موقع أفريقيا برس