بقلم: محمد مولود مولاي لحسن
أفريقيا برس – الصحراء الغربية. ليس التاريخ سردًا لما مضى فحسب، بل هو الوعاء الذي تحفظ فيه الشعوب ملامحها، وتستعيد عبره صوتها حين يخفت، وحقها حين يُنكر. وحين يتأخر تدوين تاريخ شعب ما، لا يتأخر الماضي وحده، بل يتأخر الحاضر ويتعثر المستقبل، لأن التاريخ غير المكتوب يظل أرضًا سائبة، يعاد تشكيلها بأقلام من لا ينتمون إليها.
وفي السياق الصحراوي، تبرز الكتابة التاريخية بوصفها فعلًا شجاعًا لا يخلو من المخاطرة، لكنها تظل فعلًا إيجابيًا مهما شابته بعض الأخطاء. فالأخطاء قابلة للتصحيح بالمراجعة والنقد العلمي والتراكم المعرفي، بينما يظل الصمت خطيئة لا تُغتفر في حق الذاكرة.
إن العزوف عن التدوين هو الخطأ الحقيقي الذي لا علاج له، لأنه يترك التاريخ عرضة للنسيان والتزييف، ويُفرغ الذاكرة الجماعية من مضمونها. وتزداد خطورة هذا التأجيل مع تقدّم الشهود في السن، أو مع تآكل الذاكرة بفعل الشيخوخة وأمراض النسيان، حيث تضيع شهادات لا يمكن تعويضها بالوثائق وحدها.
فالتاريخ الذي لا يُدوَّن في زمن الشهادة الحية، قد لا يُكتب أبدًا، وتتحول المعاناة إلى حكايات شفوية متفرقة بدل أن تكون سجلًا موثقًا للحقائق. لذلك، فإن المبادرة إلى كتابة التاريخ الصحراوي اليوم ليست ترفًا فكريًا ولا مغامرة معزولة، بل واجب وطني وأخلاقي، يهدف إلى حماية الذاكرة من الضياع، وبناء سردية ذاتية تفتح باب التصويب والنقاش بدل ترك الفراغ يملؤه الآخرون.
فالتأجيل أخطر من الخطأ، والخطأ يمكن تصحيحه، أما الصمت إذا طال، فيصبح شاهدًا ضد أصحابه. الصورة جائزة الفقيد محمد سيدابراهيم بصيري 2019 في الثقافة العامة.
المصدر: المستقلة للأنباء
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية عبر موقع أفريقيا برس





