الدولة الصحراوية بين الخلود في التاريخ والخروج من الجغرافية

8
الدولة الصحراوية بين الخلود في التاريخ والخروج من الجغرافية
الدولة الصحراوية بين الخلود في التاريخ والخروج من الجغرافية

محمد فاضل محمد سالم الهيط

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. لا يخامر أي وطني صحراوي أدنى شك، بأن الجمهورية الصحراوية أعلنت لتبقى وتَغرس جدورها في عمق تربة الوطن: الصحراء الغربية بحدودها المعترف بها دوليا، ولا يعتقد أي كان من الوطنيين بأن تخرج ذات يوم هذه الدولة الفتية من خريطة الجغرافية السياسية للمنطقة كما خرجت من قبل جمهورية اليمن الاشتراكية عندما تقاتل “الرفاق” بالرصاص الحي و وَأدُو حلم شعب اليمن الجنوبي، بعدها الجمهورية الفدرالية اليوغسلافية التي كانت من زعامات عدم الانحياز قسمت الى خمس “كنتوهات” كل واحدة لها علم و نشيد دون ذكر جمهورية الريف التي أعلنت بداية القرن الماضي ولم تُعمر سوى سنوات قليلة.

حقا إن تبخر هذه الدول جميعها، لها مُسببات وظروف ذاتية وموضوعية تختلف وتتميز من واحدة الى أخرى لكن الجامع المشترك هو ضعف تقييم المخاطر وتقدير العامل الزمني واستشراف المستقبل من بين عوامل أخرى، فضلا عن تهميش القوى الوطنية الصادقة والإتكالية والأنانية المفرطة التي جعلت قادة الحزب الاشتراكي اليمني الحاكم ينقلبون على مبادئهم الثورية ويختارون سلاح القبلية لتصفية حساباتهم وينهون بذلك تاريخ ثورة كانت مثالا واقتلاع دولة كانت سندا للجمهورية الصحراوية حتى حدود مطلع التسعينات . يوغسلافيا فخر القوى التقدمية وعَضضها ينقلب السياسيون على إرثها التقدمي الذي اعتبروه بائدا، ليتقاتلوا فيما بينهم ويقسموا الجيش والأمن والأرض والماء والسماء الى خمس دويلات بوزن الريشة كانت في السابق مجرد أقاليم من الدولة الأم. جمهورية الريف بإعلانها على جزء صغير من المغرب و تحدد كهدف لها استقلال الريف فقط ، حرمها من دعم الشعب المغربي، لينفرد بها الإسبان و الفرنسيون بمساندة سلطان فاس و يضعوها بين فكي الكماشة ليُقضى على رجال الريف وهم واقفين لم يخونوا و لم يستسلموا -رجالٌ أبطالٌ لكن بلا مجد على رأي الكاتب محمد بنونة- ومعهم تخرج دولتهم من الجغرافية لتبقى ذكرى لدى الريفين يعانقون علمها الى اليوم

العبرة هي أن الدولة الصحراوية ليست دولة وظيفية أو هكذا يلزم وهي غير مُستكملة السيادة مقارنة مع ماسبق باستثناء الحالة الريفية، لكن تقتسم معهاعامل البقاء أو الإندثار، عامل الوجود أو اللاوجود- البقاء في التاريخ وفي الجغرافية أو الوجود في التاريخ والخروج من الجغرافية أو تركهما معا- ففي حالة عدم إدراك دقة المرحلة الحالية و خطورتها والإستعداد لأسوأ الإحتمالات، فإن جبهة البوليساريو مؤسسة هذه الدولة والمسؤولة عن إستكمال مشروع التحرير وفرض السيادة ستجد نفسها تجاوزتها الأحداث و إن كانت تُعوّل على أن يشفع لها القانون الدولي أو قرارات الأمم المتحدة فالعبرة مايجري اليوم في فلسطين.

فبعد خمسة و سبعين عاما وفلسطين تنتظر الإنصاف من المجتمع الدولي رغم أن كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية و الجن والإنس يعترف بالحق الفلسطيني بدون لبس ولاغموض، تتعرض اليوم الى النكران وتحويل الشعب الفلسطيني نفسه الى مجموعة ارهابية متعصبة تريد محو “دولة اسرائيل الديمقراطية المتحضرة” بمعنى أن لاحق للمقاومة من اجل التحرير ولو من أجل ال22 % فقط من مجموع التراب الفلسطيني الذي يرجوه شعب فلسطين ليقيم عليه الدولة المستقلة ، 78% المتبقية للكيان الإسرائيلي أو مايعرف بحل الدولتين الذي استسلم له العربي و الفلسطيني على حد السواء

إن الإجترار الذي نشاهده منذ 13 نوفمبر2020 وتطويل فترة “التسخين” -مصطلح نطق بها البعض- والإنهماك في التسيير الوظيفي اليومي الذي مع الأسف لم يرقى الى المطلوب، يُبعدنا عن ترتيب الأولويات و يُغرق الحركة في دوامة الدوران المُمل تتحرك ولاتتقدم قيد انملة، تلك مغالطة للذات و الكذب على النفس وزرع اليأس و القنوط، في وقت يتقدم العدو ليل نهار بسرعة الألف في المئة، يُوسع من تحالفاته ويطور من علاقاته مع الفاعلين الدوليين و يُشبكها مع اللوبيات المؤثرة والشركات الكبرى فضلا عن إعداده العدة بجلبه الأسلحة الأكثر حداثة من كل مكان ليس من امريكا و اسرائيل فحسب في خطة واضحة وعلنية تهدف الى التموقع القوي أمام أي ترتيبات جيوسياسية قادمة في المنطقة وتسجيل نقاط قوة أمام أي مفاوضات محتملة، إذا لم يتم سحق البوليساريو بالضربة القاضية بضم ما تبقى من الأراضي المحررة بعد ضمه حوالي 375 كلمتر مربع المساحة الفاصلة بين الكركرات الى المحيط الأطلسي الى حدود لكويرة. إن من ينتظر الحل من امريكا ويتفائل بالجولة الثانية لمسؤول إدارة بايدن في المنطقة في أقل من ثلاثة اشهر فهو واهم ولم يتجاوز بعد الحكم العاطفي للبدوي على الأشياء و من يعتقد أن الأمم المتحدة و المجتمع الدولي سينصفه يوما ما، فبعد “غزة – العبرة” فهوإما مصاب بخلل فكري أوعميت بصيرته فلا يهتدي

فالمبعوث الأمريكي خلال تصريحه في الجزائر أكد ماكنا قد كتبنا عنه في وقته هو طلبه وقف إطلاق النار صراحة و إن لم يتم فممارسة الضغط على البوليساريو بعدم التصعيد بعد واقعة السمارة والجديد بعد أن لاك وعلك سيناريو الحكم الذاتي هوما بدء تفوح رائحته كحل ال20% ،أي الاراضي المحررة لتقام و تبنى عليها الدولة الصحراوية – وكفى شرالمؤمنين القتال- وهذا أمر خطير رغم أنه ليس بالجديد لكن في هذا الظرف بالذات حيث تتجه الثيران الهائجة المتصارعة ( امريكا،الصين و روسيا) نحو الغرب الإفريقي من الصحراء الغربية الى حدود غانا أو ماتسميه حاليا مراكز الدراسة ب”الشرق الأوسط البديل” حيث دوله 15 الواقعة جميعها على الساحل تمتلك إضافة الى الجزائر مايفوق ثلث إحتياط العالم من الغاز فضلا عن البترول والذهب و الأورانيوم، لهذا قدِمت اسرائيل الى المنطقة من بوابة “المروك” و لهذا تستثمر الإمارات في ميناء الداخلة المحتلة ولهذا يغازل الحلف الأطلسي موريتانيا وقوات “أفريكوم” الأمريكية تستعرض عضلاتها سنويا قرب حدودنا الشمالية.

إن تصعيد القتال في الصحراء الغربية و القفز به الى مرحلة متقدمة لاينسف فقط خطط الأخطبوط الإماراتي-الإسرائلي-المروكي في المنطقة بل يُشتت إنتباه إدارة بايدن ويشغلها عن حروبها “المقدسة” في أكرانيا و فلسطين فضلا عن إبعاد تركيزها على ما تعتبره الصراع الإستراتجي في شرق آسيا، حيث ينتقل رأس المال العالمي اليوم من “وول استريت” بنيويورك الى “شنغاي” بالصين بعدما كان من قبل في لندن وهنا مكمن الخطر بالنسبة للولايات المتحدة حيث يفقد الدولار هيبته التي هي هيبة امريكا. إن الصين الغريم الفعلي لواشنطن مرتاحة للشراك التي وقعت فيها هذه الأخيرة وتتقدم بخطى مدروسة لريادة العالم خاصة بعد أن عرت محرقة غزة زيف الديمقراطية الغربية و حقوق الإنسان بل أكذوبة الحضارة الغربية “الإنسانية” من هنا يمكن فهم الجولة المكوكية التي يقوم بها الآن نائب مساعد و زير الخارجية الأمريكي هاريس الى كل من الجزائر و المغرب بعد أن زار الدولة الصحراوية شهر سبتمبر- أيلول الماضي و عادت سفيرته الأسبوع الماضي من مخيمات اللاجئين التي نوجزها مرة أخرى في السعي الأمريكي الجاد في الإلتفاف على مبداء تقرير المصير بمنع تنظيم استفتاء في الصحراء الغربية وببيع الوهم للصحراويين كما جعلهم يلهثون 30 سنة وراء سراب المفاوضات الهزلية، مستغلا سذاجة و طيبة الإنسان الصحراوي والأخطر هو القضاء على حلم الشعب الصحراوي في دولة كامل السيادة على ترابه الوطني و التي ضحى من أجلها آلاف الشهداء.

يبقى السؤال المطروح هو هل نحن في مستوى إدراك المخاطر المحدقة بالوجود؟ و هل سنعمل على تفعيل مبداء العامل الزمني واستغلاله بالطريقة الأفضل – الشهيد الولي رحمه الله لم يكن مخطئا بإضافته هذا المبداء لمبادئء الجبهة الشعبية- وفي الأخيرهل لنا الإرادة الفعلية في خلق القوة الذاتية لحسم الشوط الأخير من حرب التحرير الوطنية؟

فإما أن نخلد في التاريخ و نثبت في الجغرافيا أو نخرج منهما معا….

المصدر: sh24h

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس