النخب الوظيفية: عائق أمام التغيير والنهضة

1
النخب الوظيفية: عائق أمام التغيير والنهضة
النخب الوظيفية: عائق أمام التغيير والنهضة

بقلم: عبد الله ولد بونا – خبير استراتيجي

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. في لحظات التحول الكبرى، وأمام التحديات البنيوية التي تواجه الدول والمجتمعات، تبرز الحاجة لنخب ذات رؤية، تملك الشجاعة والمبادرة، وتتحمّل مسؤولية الاجتهاد في المواقف والمصير وتكون خير فريق عمل رئاسي حول صانع القرار

لكننا – في العالم العربي عمومًا، وفي موريتانيا بشكل خاص – نجد أنفسنا أمام طغيان نمط من النخب لا يُعوّل عليه في التغيير، ولا يُنتظر منه غير الدور الوظيفي الباهت الذي يعيد إنتاج أسباب جمود الدولة إنها النخب الوظيفية، تلك التي لا تتقدّم إلا في ظل السلطة، ولا تعيش إلا في هوامشها.

ما هي النخبة الوظيفية؟هي فئة من “النخب” التي تحتل مواقع رسمية أو شبه رسمية في الدولة أو الإدارة أو المؤسسات العمومية، عبر الولاء لمن يحتل كرسي القيادة بغض النظر عمن يكون، أو بالتدرج البيروقراطي، دون أن تحمل مشروعًا وطنيًا، أو رؤية تغييرية.

تحسن تنفيذ التعليمات، وتتفنّن في التكيّف مع الواقع، لكنها تفتقر إلى الروح القيادية والإرادة الإصلاحية.

تتشكل هذه النخبة غالبًا من موظفين كبار، مستشارين، تكنوقراط، وبعض الشخصيات العامة التي تعتاش على النظام ولا تفكر خارج صندوقه خصائصها الجوهريةتنفيذية لا قيادية: لا تُبادر، ولا تضع استراتيجيات، بل تنتظر التوجيهات وتكرر نفسها في كل ظرف.

نفعية الهوى، انتهازية الفعل: لا تتحرك إلا حيث المصلحة، ولا تقترب من قضايا الوطن إلا بقدر ما يخدم مكانتها.

عديمة الجرأة الفكرية: تُجامل السلطة، وتتحاشى أي طرح قد يُصنّف كمخالف أو معارض.

معادية للنخب التغييرية المستقلة، خشية أن تسحب البساط من تحتها.

لماذا لا يُعوّل عليها في التغيير؟لأن التغيير يتطلب:كسرًا للجمود، والنخبة الوظيفية هي حارسة الجمودبلا شجاعة للمواجهة، فهي معتادة على الاختباء خلف الكلمات المواربة، تخشى أن تخسر الامتيازات المؤقتة التي منحها إياها النظام القائم.

هي أشبه بماكينة إدارية، تضخ الهواء في الفراغ، دون أن تصنع أي قوة دافعة له وحين تعصف الأزمات، تختفي خلف صمت ثقيل أو تكرّر نفس الخطاب دون وعي ولا قناعة.

مفارقة الصعود والتأثيرما يثير الانتباه، بل القلق هو أن النخبة الوظيفية هي غالبا الأكثر قربًا من دوائر صنع القرار، لكنها الأقل تأثيرًا في صناعة القرار.

وهي الأكثر ظهورًا في الواجهة، لكنها الأقل قدرة على الإقناع أو التعبئة أو القيادة.

وجودها يشبه “الزينة البروتوكولية” أكثر منه ركنًا حيويًا من أركان النهوض الوطني.

النتيجة: تعطيل الإصلاح وقتل الأملحين تُترك هذه النخب لتقود أو تمثل البلاد، فإن النتيجة غالبًا ما تكون:إصلاحًا شكليًا لا يمس جوهر المشكلات.

تمديدًا لأمد الفساد بدل مواجهته.

خداعا للرأي العام بخطابات هادئة، لا تغيّر شيئًا في العمق.

وفي النهاية، يتحوّل الحاضر إلى تكرار ممل للماضي، ويُختطف المستقبل على يد نخب لا ترى فيه إلا فرصة للاستمرار في مواقعها، لا مناسبة لبناء وطن أفضل.

من يحمل مشعل التغيير؟التغيير لا يصنعه المكيّفون مع الوضع، بل الذين يملكون شجاعة مواجهته.

الرهان يجب أن يكون على:النخب الفكرية المستقلة.

القوى الشبابية الواعية.

الكوادر الوطنية التي لم تتورّط في الفساد ولم تهادنه.

إن بناء دولة حديثة عادلة وقوية يتطلب تجاوز النخب الوظيفية، لا ترقيتها.

ويتطلب تحرير المؤسسات من قبضة “موظفي الصدفة”، ومنح الفرصة لأصحاب الكفاءة، والفكرة، والموقف.

المصدر: المستقلة للأنباء

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية عبر موقع أفريقيا برس