جون بولتون يغرد وحيداً خارج البيت الأبيض بشأن الصحراء الغربية

2
جون بولتون يغرد وحيداً خارج البيت الأبيض بشأن الصحراء الغربية
جون بولتون يغرد وحيداً خارج البيت الأبيض بشأن الصحراء الغربية

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. يتبنى الدبلوماسي الأمريكي السابق جون بولتون موقفاً مخالفاً لتوجه الإدارة الأمريكية تجاه قضية الصحراء الغربية، ففيما يدفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اتجاه تغليب الطرح المغربي لفرض مقاربته على الصحراويين، أعرب بولتون، في أكثر من تصريح، عن رفضه لما أسماه بـ”نوايا التوسع المغربي في المنطقة”، ورافع لصالح مبدأ تقرير المصير. فإلى أي مدى يشكل الموقف بؤرة ضغط على القرار الداخلي، أم يبقى مجرد استعراض لإرضاء الخارج.

أمام النقاط الإيجابية المتتالية التي حققها المغرب في إقناع عدة قوى دولية وإقليمية كفرنسا وإسبانيا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية بدعم مقاربته في حل صراع الصحراء الغربية، التي يتنازع السيادة عليها مع جبهة البوليساريو المدعومة من طرف الجزائر، يبرز الدبلوماسي الأمريكي والمستشار السابق للأمن القومي جون بولتون متمسكاً بتنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية، ومحذراً من تداعيات استمرار النزاع على استقرار إفريقيا وحتى على أوروبا.

ورغم أن الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب تؤيد الطرح المغربي، إلا أن موقف الدبلوماسي المذكور لا يمكن أن يكون صوتاً معزولاً ينطق تحت الطلب الجزائري، كما تروج له دوائر سياسية وإعلامية في المغرب. ومهما كانت محدوديته، فهو يمثل تياراً داخل النخب الأمريكية التي تملك تصوراً استثنائياً تجاه بؤر التوتر المختلفة.

جون بولتون، الذي يرفض وصف إدراجه في خانة المحافظين الجدد، فاعل وحاضر بارز في مختلف الدوائر الأمريكية، وهو من دعاة الحروب وتغيير الأنظمة المعادية بالقوة، وتم وصف آرائه السياسية على أنها قومية أمريكية محافظة. ويعرف عنه المشاركة في عدة لوبيات وجماعات على غرار مشروع القرن الأمريكي الجديد، والمعهد الأمريكي – اليهودي للأمن القومي الأمريكي، ولجنة السلام والأمن في الخليج، ومعهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة، فضلاً عن كونه محامياً ومستشاراً لمؤسسة “فريدوم كابيتال” لإدارة الاستثمارات، وناشطاً في عدة مراكز فكرية ومعاهد سياسة محافظة، بما في ذلك معهد “إيست ويست ديناميكس”، والاتحاد القومي للأسلحة، واللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية، ومجلس السياسة الوطنية، ومعهد “غيتستون”.

صوت جمهوري يجهر بأخطاء البيت الأبيض

وأكد جون بولتون، في مقابلة أجراها مع الصحفي الإسباني هيكتور سانتوروم من إذاعة “ثورة الصحراء الغربية”، أن “الاستفتاء كان أساس خطة 1991، ويجب أن ينفذ لمنح الشعب الصحراوي حقه في تقرير مستقبله، وأن المغرب والصحراء الغربية لم يكونا يوماً بلداً واحداً”. واعتبر أن عدم تنظيم الاستفتاء “أمر غير عادل”، وأن الإبقاء على الصحراويين في مخيمات اللاجئين “ليس حلاً مقبولاً”، مشيراً إلى أن “المغرب يرفض تنظيم الاستفتاء رغم موافقته عليه ضمن اتفاق وقف إطلاق النار عام 1991. ورغم أن قرارات مجلس الأمن واضحة في هذا الشأن، إلا أنه يعتمد سياسة فرض الأمر الواقع وعرقلة العملية لأكثر من ثلاثين سنة”.

ولفت جون بولتون إلى أن أزمة الصحراء الغربية تؤثر على استقرار منطقة الساحل، وهو ما قد يمتد إلى أوروبا بحكم الجوار والمسافة القصيرة الفاصلة بين إفريقيا وأوروبا. ويذهب إلى أن “الأطماع التوسعية للمغرب تظهر في بعض الخرائط الرسمية، وأن استمرار الفوضى في هذه المنطقة الحيوية يهدد بانتشار عدم الاستقرار في القارة الإفريقية ووصوله إلى أوروبا، وهذا ما يتطلب اهتماماً أكبر من الدول الأوروبية لقربها الجغرافي من الصحراء الغربية”.

وانتقد الموقف الفرنسي المنحاز منذ جويلية 2024 إلى الطرح المغربي، واعتبره منافياً لشعارات الديمقراطية التي ترفعها باريس بينما يتم حرمان الصحراويين من حق التصويت على تقرير المصير.

وأكد أن بعثة “المينورسو” التابعة للأمم المتحدة دورها الأصلي كان محدداً بمهام قصيرة الأجل تشمل التحقق من الإحصاء الإسباني، وتنظيم الاستفتاء في بيئة آمنة، وأن جبهة البوليساريو نجحت في الحفاظ على موقفها وإبقاء الاتحاد الإفريقي والحكومات الغربية على اطلاع دائم برؤيتها، وهي لا تطالب المغرب بتقديم تنازلات، بل فقط بتنفيذ الاتفاقات السابقة.

ويرى المحلل السياسي رضوان مدرار أن “رغم انتماء جون بولتون إلى الحزب الجمهوري الذي يقود البلاد، إلا أنه يختلف عن رموز الحزب بالجهر بموقفه، عكس وجوه أخرى تفضل الانصياع لرغبة الإدارة. وأن مرافعته لصالح تقرير المصير والتحذير من الأطماع التوسعية للنظام المغربي، نابع من رغبته في أن تكون مصالح بلاده في إفريقيا مدعومة بالقانون الدولي”.

مصالح أمريكا في تنفيذ الشرعية الدولية

وصرح لـ”أفريقيا برس” أن “الدبلوماسي والخبير الأمريكي المذكور، ينوي من حملته الداعمة لحق الصحراويين في تقرير المصير، تحركها رغبة في إضفاء الشرعية الدولية على المصالح الأمريكية. فما تحققه الولايات المتحدة من فرض الشرعية الدولية في النزاع، يكون ذا قيمة ورمزية أكبر مما تحققه في حالة المرور بالقوة على حساب إرادة شعب يئن تحت الاحتلال ومصنف في لجنة تصفية الاستعمار في إفريقيا”.

وتابع: “من البديهي أن شخصية سياسية كبيرة من وزن جون بولتون لا تخوض في القضايا الدولية إلا إذا كانت مدفوعة من طرف تيار أمريكي كبير وواسع يقف وراءها ويتقاسم معها وجهة النظر. فإذا كنا نرى أن بولتون كان يتحرك ويصرح فقط حين يحس أن إدارة بلاده ارتكبت خطأ في قضية الصحراء الغربية، فإنه مؤخراً ضاعف من تصريحاته الداعية إلى تنظيم الاستفتاء، وضاعف من تحذيره من أي محاولة لربط البوليساريو بالإرهاب أو بالتطرف”.

واللافت أنه في كل الكوارث التي تسببت فيها السياسة الخارجية الأمريكية في العالم، بداية من فيتنام مروراً بالعراق وأفغانستان، كانت هناك أصوات أمريكية معارضة لتلك السياسات، بعضها كان مثالياً وبعضها براغماتياً. ومن المفارقات أن وجهة نظر الذين كانوا يرفعون أصواتهم ويعارضون سياسة الإدارة الأمريكية أنصفهم الزمن في الأخير، بينما فشلت سياسة واشنطن. وهذا ما يحدث مع بولتون في معارضته لسياسة الإدارة الأمريكية في دعمها للطرح المغربي.

ويذكر الكاتب والناشط الصحراوي حمدي يحظيه أن “بولتون يبني وجهة نظره على عدة مرتكزات: أولاً، يطالب الولايات المتحدة أن تضغط على المغرب الذي يعرقل قرار مجلس الأمن 690 لسنة 1991 كي يقبل بتنظيم الاستفتاء. ثانياً، يرى أن ضم المغرب للصحراء الغربية مستحيل. ثالثاً، يعتقد أن الولايات المتحدة إذا فرضت تنظيم الاستفتاء ستستفيد من قيام دولة مستقلة أكثر مما ستستفيد من مغرب غير قادر على الحسم. رابعاً، يرى أن استقلال الصحراء يوفق بين القانون الدولي والمصالح الأمريكية في إفريقيا، بحكم أن علاقة أمريكية جيدة مع دولة صحراوية ستهيئ أرضية لعلاقة جيدة مع الجزائر وموريتانيا. خامساً، يعارض بولتون أي ربط للبوليساريو بالشيوعية أو الإرهاب”.

تقرير المصير يسد التسلل الروسي والصيني

ويخلص إلى أن كل هذه الأسباب تفرض على الولايات المتحدة، من وجهة نظر بولتون، أن تتحرك بسرعة تحت مظلة القانون الدولي، وتفرض على حليفها المغرب قبول تنظيم الاستفتاء لخلق ديناميكية جديدة في إفريقيا تستفيد منها أمريكا قبل أن تصبح المنطقة تحت مظلة الصين وروسيا.

ويعود إعلان واشنطن دعم الطرح المغربي في قضية الصحراء الغربية إلى نهاية الولاية الرئاسية الأولى لترامب عام 2020، والتي كان مقابلها تطبيع المغرب مع إسرائيل. ورغم أن عودة الديمقراطيين للبيت الأبيض عطلت المشروع، إلا أنها لم تراجع القرار وفق ما كان يتمناه أنصار البوليساريو وعلى رأسهم الجزائر.

وفوق ذلك أخذ الموقف في بعض الدوائر الأمريكية طابعاً متشدداً تجاه جبهة البوليساريو، حيث حض نواب في الكونغرس وبعض اللوبيات، بقيادة وزير الخارجية الحالي ماركو روبيو، على تصنيف الجبهة كتنظيم إرهابي. وبالموازاة مع ذلك، حشد المغرب أذرعه الإعلامية والسياسية لتسويق صورة إرهابية عن البوليساريو، بالحديث عن “روابط بينها وبين إيران أو أحزاب كردية انفصالية، وتسليح وتدريب على يد خبراء، وحتى طائرات مسيرة في تندوف، وعلاقات مع تنظيمات جهادية في الساحل”.

البوليساريو ليست إرهابية ولا شيوعية

وفي هذا الشأن صرح بولتون أن “محاولات المغرب لوصف جبهة البوليساريو بالإرهاب مجرد دعاية لا تستند إلى أي دليل، وأنه زار مخيمات اللاجئين في تندوف قبل ثلاثين عاماً، ولم يلاحظ مظاهر تطرف أو ارتباط بإيران أو غيرها من الجماعات المصنفة إرهابية”. وأضاف: “لقد تحدثت إلى مسؤولين إسبان وأمريكيين وعمال إغاثة، ولم أسمع يوماً عن صلة بمجموعات إرهابية. إنها دعاية مغربية تعكس قلقهم من إجراء استفتاء حقيقي، وأن منظمات أمريكية غير حكومية عملت لسنوات في المخيمات وقدمت التعليم والرعاية الصحية، ما يفنّد المزاعم”.

وكشف لمحاوره الإسباني كلود سالازار أنه خلال زيارة للمغرب عام 1997 رفقة المبعوث الأممي الأسبق جيمس بيكر فوجئ بوجود لوحة كبيرة في أحد القصور الملكية تُظهر ما وصفه بـ”خريطة المغرب الكبير”، لا تقتصر على الصحراء الغربية بل تشمل أجزاء من الجزائر وموريتانيا. وقال: “كنت مع جيمس بيكر عام 1997 خلال التحضير لاتفاقيات هيوستن، وزرنا المغرب، وكانت هناك خريطة في غرفة الملك تُظهر المغرب كما يراه هو، بما يشمل نصف الجزائر والصحراء الغربية وجزءاً من شمال موريتانيا”. وأضاف: “هذا المشهد مقلق للغاية لأنه يعكس طموحاً جيوسياسياً يتجاوز النزاع مع البوليساريو”.

دعم واشنطن للمغرب لا يكون بإغضاب الجزائر

وكان مسعد بولص، كبير مستشاري الرئيس ترامب، قد تطرق إلى الملف الصحراوي في أكثر من تصريح، أوحى فيها إلى رغبة الإدارة الأمريكية في حل توافقي وفق الرؤية المغربية، التي وصفها بـ”الواقعية والعقلانية”. لكنه لم يبدِ حماساً لتسريع الملف، حيث أعطى الانطباع أن واشنطن تريد انخراطاً إقليمياً يشمل الجزائر وموريتانيا لإيجاد مخرج يرضي جميع الأطراف.

وصرح الناشط الصحراوي حمدي يحظيه لـ”أفريقيا برس” أن “دخول عدة أطراف إقليمية ودولية على خط الملف الصحراوي رجّح الكفة لصالح الاحتلال، رغم شعارات الديمقراطية. لكن قوة داعمي المغرب لا تعني نهاية القضية، وأي مخرج يستوجب وضع مطالبنا النضالية بعين الاعتبار، وإلا فإن تجارب فيتنام وأفغانستان تبقى دروساً بالغة الأهمية، حيث رجحت كفة الإرادة على القوة”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية عبر موقع أفريقيا برس