أفريقيا برس – الصحراء الغربية. السؤال الأول: قرار محكمة العدل الأوروبية نهائي وقاطع وقابل للتنفيذ: الصحراء الغربية لا تنتمي إلى المغرب، ولا يمكن توقيع أي اتفاق دون موافقة الشعب الصحراوي.
ومع ذلك، فإن بروكسل، بالتواطؤ مع المغرب، تمارس ضغوطاً قوية.
ما هو الرد الفعال الذي تتصوره إذا ما بدأت الاتحاد الأوروبي يتجاهل قوانينه وقضاته؟ابي بشرايا البشير: في الحقيقة، للأسف الشديد، مسار التفاوض الذي قادته مفوضية لاتحاد الأوروبي مع المغرب والذي قاد إلى توقيع اتفاق جديد، دخل حيز التنفيذ يوم 03 أكتوبر 2025، أظهر بما لا يدع مجالا للشك أن المفوضية تهتم “بالحسابات السياسية وخدمة أجندة المغرب والعلاقات معه” أكثر من القانون الأوروبي وقرارات محكمة العدل الأوروبية وكلمة قضاتها.
وبالرغم من إعطاء المحكمة فترة سنة كاملة للمفوضية من أجل “تنظيم الانسحاب من الإقليم” أو الشروع في “مسار شفاف” للتوصل إلى اتفاق جديد يحترم قرارات المحكمة الصادرة بتاريخ 04 أكتوبر 2025، فقد اختارت المفوضية خيار “الصمت المطبق” إلى غاية نهاية يوليوز، أسابيع قبل عطلة الصيف للبدء في الاتصال بالدول الأعضاء، والضغط باستخدام “سيف” 04 أكتوبر 2025، كتاريخ ضاغط لوضع الدول الأعضاء أمام الأمر الواقع والاختيار ما بين “تطبيق قرارات المحكمة، وبالتالي احتمال خسارة الشراكة الاستراتيجية مع المغرب” أو “ABUSER نافذة الموافقة الضمنية، للالتفاف على قرارات المحكمة والقانون الدولي.
في النهاية تم الرهان على الاختيار الثاني، وفرضه على الجميع من خلال “إجراء المراسلات الكتابية لتجنب النقاش” و “التطبيق المؤقت” لتجنب إشراك البرلمان الأوروبي.
يحدث كل هذا في ظل إصرار واضح من المفوضية “التفاوض السري والحصري مع المغرب من وراء ظهر الشعب الصحراوي وممثله الشرعي الوحيد، جبهة البوليساريو”.
الآن، وأمام المكسب الكبير الآخر المحقق من وراء قرار المحكمة الأخير، المتعلق بتكريس “مقبولية جبهة البوليساريو بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي للترافع أمام المحكمة الأوروبية للدفاع عن مصالح وحقوق الشعب الصحراوي، فإن الطريق واضحة وسالكة أمام جبهة البوليساريو للتقدم مجددا بشكوى لدى المحكمة الأوروبية، من أجل إسقاط هذا الاتفاق.
كلنا ثقة أن القضاء الأوروبي الذي أسس لمرجعية قانونية واضحة ومحصنة منذ ديسمبر 2016، سيسقط الاتفاق الجديد، كما أسقط الاتفاقات السابقة بسبب خرقها الواضح لقراراتها.
السؤال الثاني: تم تعيينك مؤخراً مستشاراً للرئيس إبراهيم غالي لشؤون الموارد الطبيعية للشعب الصحراوي.
وهذا يدل على الاهتمام الذي توليه جبهة البوليساريو الآن لهذه المسألة الاستراتيجية.
فالمال هو في الواقع عصب الحرب.
عملياً، ما الذي تغير على أرض الواقع منذ هذا التعيين؟ابي بشرايا البشير: في الحقيقة قرار الرئيس الصحراوي بتشكيل لجنة وطنية خاصة بالثروات الطبيعية والقضايا القانونية يأتي انطلاقا من إحساسه شخصيا والقيادة الصحراوية عموما بأهمية هذا الملف في سياق تسييج وتحصين حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال.
فنحن نعرف أن سيادة الشعب الصحراوي على ثرواته الطبيعية تشكل إحدى المكونات الأربعة الرئيسية للحق في تقرير المصير.
من الناحية العملية، وكما أشرتم “المال هو عصب الحرب”، والمغرب لم يكن ليستمر في مواصلة احتلاله العسكري للصحراء الغربية لولا تمكنه من مواصلة تمويل الاحتلال عن طريق ثروات الإقليم.
في هذا الإطار يأتي تأسيس اللجنة وأيضا خارطة الطريق التي يتم تبنيها من أجل الانخراط في مسار أكثر ديناميكية في الدفاع عن سيادة الشعب الصحراوي على ثرواته وقطع الطريق أمام المغرب في الاستمرار في استغلالها وتوريط الشركات والمتعاملين الاقتصاديين الدوليين لتشريع الاحتلال والأمر الاستعماري الواقع.
ومنذ التعيين، عكفت اللجنة بالاشتراك مع متعاونين ومتضامنين دوليين في تحديد أولويات العمل.
الموضوع المسيطر الآن هو “الاتفاق التجاري” الجديد الموقع ما بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية وكيفية اسقاطه قانونيا عن طريق المحكمة وسياسيا عن طريق حشد وتعبئة الرأي العام الأوروبي في مختلف المستويات.
لكن بالموازاة مع ذلك، هناك شركات طيران مثل “رايان إير” و “ترانسافيا” التي تسير رحلات جوية إلى مدينة الداخلة المحتلة في خرق واضح لقرارات المحكمة كما هو وارد في رد المفوض الأوروبي يناير 2025، حيث أكد أن “الاتفاق الجوي الأورومتوسطي بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لا يشمل الأجواء الصحراوية، وأن أي شركة طيران أوروبية تسير رحلات إنطلاقا من مدن أوروبية إلى الصحراء الغربية ستكون في خرق لقرارات محكمة العدل الأوروبية”.
نفس الموضوع ينطبق على شركات أوروبية متواجدة بشكل مادي داخل المدن الصحراوية وتساعد الاحتلال في احتلاله الاقتصادي للصحراء الغربية، وبالتالي فهي موجودة على رأس أولويات المقاضاة وتعمل فرق قانونية على الموضوع الآن.
نحن بصدد تفعيل قرارات المحكمة على الأرض.
بالمقابل، نثمن قرارات العديد من الشركات الدولية التي قررت الانسحاب من الصحراء الغربية أو التي قررت وقف استيراد ثروات الصحراء الغربية المحتلة، كما هو الحال مع أستراليا يوليوز 2025.
نحن، وإن كنا لا نبدأ من الصفر، لأن ثمة تراكما كبيرا من العمل والمكاسب، إلا أننا كلجنة في بداية الطريق، وهو طريق واعد، فالهدف هو “تدمير اقتصاد الاحتلال”، وإجهاض مسار المرحلة الثالثة من الاحتلال الاستراتيجي المغربي للصحراء الغربية والمتمثلة في الاحتلال الاقتصادي والذي تعكسه حجم الاستثمارات وحجم تورط دول نافذة كفرنسا من أجل مساعدة المغرب لربح هذا الرهان.
أجهاض هذه المرحلة سيكون له تأثير مباشر على المرحلتين السابقتين من الاحتلال الاستراتيجي للإقليم ألا وهما “الاحتلال العسكري” و “الاحتلال الديمغرافي”.
فحين تنضب منابع المال والاستثمارات لن يجد المغرب سياقات لاستقدام المستوطنين للاستقرار والعمل في الصحراء الغربية، كما لن تكون له يد طولى لمواصلة شراء المعدات والتجهيزات العسكرية.
السؤال الثالث: ما هي القيمة التقديرية لنهب الموارد السمكية والمعدنية الصحراوية، وهل سيتم استرداد هذه المبالغ يوماً ما؟ هل تمت تسوية قضايا النهب لصالح الصحراويين وممثليهم؟ابي بشرايا البشير: المغرب من خلال احتلاله العسكري للصحراء الغربية، إنما يعيد انتاج نفس التجارب الاستعمارية السابقة؛ الرغبة في الاستمرار في استغلال ثروات الاقليم.
ومعروف أن الصحراء الغربية بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي همزة وصل بين أوروبا وشمال إفريقيا من جهة وإفريقيا جنوب الصحراء من جهة، فالإقليم غني بثرواته الطبيعية من معادن متنوعة أبرزها الفوسفات وشواطئ غنية بالأسماك،بالإضافة إلى أراضي بالغة الخصوبة للزراعة.
هذه الثروات يستغلها المغرب لتمويل الاحتلال وأيضا لتوريط شركاء أجانب لتشريع الاحتلال.
لنأخذ فكرة عن حجم الاستغلال المحموم للثروات الصحراوية، يكفي أن نعرف أن الاتحاد الأوروبي يستورد سنويا، من الصحراء الغربية ضمن الاتفاقين اللاشرعيين اللذين أسقطتهما محكمة العدل الأوروبية في مناسبات عديدة آخرها 04 أكتوبر 2024، ما قيمته حوالي 800 مليون يورو.
تصور، 800 مليون يورو سنويا ضمن هاذين الاتفاقين فقط، ناهيك عن الأرقام المترتبة عن تورط الشركات الأوروبية سواء كانت طيران، أم طاقة بديلة أم خدمات.
هذا فقط ما يتعلق بأوروبا دون الحديث عن الدول الأخرى النشطة، وآخر الملتحقين بالركب هي إسرائيل، والتي تربطها مع المغرب اتفاقيات غير شرعية في مجال الصيد البحري (السواحل الصحراوية من بين الأغنى في العالم)، والفوسفات والتنقيب عن البترول والغاز.
كل تلك العائدات يتم استخدامها في تمويل الاحتلال العسكري والاقتصادي للإقليم ولتحويل البنية الديمغرافية من خلال تشجيع المستوطنين المغاربة على الاستقرار وتملك الأراضي على طريقة إسرائيل في فلسطين.
الصحراويون تحت الاحتلال يعانون من التفقير والتهميش والتمييز بشكل ممنهج، وهو ما يزكيه الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره اكتوبر 2025 المقدم إلى مجلس الأمن الدولي، والذي يقول فيه في الفقرة.
وحتى الآن، وبناء على محتوى الاتفاق الجديد الموقع بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، والذي تم التوقيع عليه بموجب مسار غير شفاف، فإن المفوضية وبدلا من القيام بالقراءة السليمة للنافذة الاستثنائية التي تركتها المحكمة والمشروطة ب 5 شروط للحصول على “الموافقة الضمنية”، قامت بالقراءة التعسفية لها.
وبدلا من إخضاع الاتفاق للقانون الأوروبي والدولي قامت بتكييف قرارات المحكمة مع رغبة المغرب وسياساته الاستعمارية.
هذا نتج عنه تعميق للخل القائم الآن، أي المزيد من تمكين الاحتلال وبناه التحتية الاقتصادية في الصحراء الغربية دون فائدة على الشعب الصحراوي المعني بالحق في تقرير المصير، والذي أكدت المحكمة أن لا علاقة له بساكنة الاقليم من المستوطنين وأن نصفه موجود في مخيمات اللاجئين والبقية مناصفة بين المدن المحتلة والمهجر.
وفيما يتعلق بحصول الشعب الصحراوي بالتعويض عن شراكة الاتحاد الأوروبي مع المغرب في نهب ثروات الاقليم خلال العقود الماضية، فإن جبهة البوليساريو لن تدخر جهدا من أجل الحصول على ذلك التعويض.
لقد حان وقت تدمير اقتصاد الاحتلال، وأيضا إنهاء حالة التواطؤ الأوروبي في احتلاله العسكري للصحراء الغربية.
الاتحاد الأوروبي من خلال تحايله الدائم على قراراته لخدمة أجندة المغرب، هو المسؤول الأول والأخير ليس عن تمويل اقتصاد الاحتلال فحسب، وإنما في تعطيل مسار التسوية من خلال بعثه بإشارات إلى المغرب تشجعه على المزيد من التعنت وعدم الاستعداد للتقدم نحو التسوية السلمية الأممية العادلة.
ومن خلال تشجيع بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لشركاتها للاستثمار في الصحراء الغربية المحتلة كما هو الحال مع فرنسا، فإن الأمر لم يعد يتعلق بعرقلة مسار التسوية بل بتأبيد النزاع وفرض الأمر الاستعماري الواقع.
ناهيك عن واقع أن هذه الاتفاقيات الاقتصادية الموقع مع المغرب دون الحصول على موافقة الشعب الصحراوي، تجري ضمن سياق انتهاكات ممنهجة وبشعة لحقوق الانسان في الصحراء الغربية وعملية تهميش وتمييز عنصري، وهو ما يشكل وصمة عار حقيقية على جبين الاتحاد الأوروبي.
السؤال الرابع: سيعقد مجلس الأمن قريباً اجتماعاً حاسماً بشأن مستقبل بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية ومهامها.
ماذا تتوقعون منه بشكل ملموس، مع العلم أن الأمم المتحدة “تتردد منذ نصف قرن، وتؤجل ملفاً تم تحديد شروطه القانونية والسياسية بوضوح؟ابي بشرايا: بالفعل، اجتماع مجلس الأمن الدولي نهاية الشهر الجاري حول تمديد ولاية بعثة المينورسو، يعتبر موعدا مهما بل وقد يكون خطيرا.
لكن السؤال المطروح الآن، وبعد سلسلة الانزياحات التدريجية في صياغة قرارات مجلس الأمن الدولي منذ أبريل 2007، أكثر ما نخشى الآن هو السقوط في المنزلق والذي تدفع بعض القوى الدولية النافذة تجاهه ألا وهو: “الاستقالة من مهمة تصفية الاستعمار من الاقليم وفق مبادئ وميثاق الأمم المتحدة إلى تشريع وتكريس الاستعمار وفق قراءة ضيقة، مجتزأة وظرفية حول موازين القوة”.
تحول مجلس الأمن الدولي من “السلبية” و”اللافعل” تجاه عرقلة المغرب للاستفتاء (1991 – 2007) إلى محاباته وتبني جزء من سرديته فيما يتعلق ب “الحكم الذاتي”، جعله، مع مرور الوقت يتحول من جزء من الحل إلى جزء من المشكل، إن لم يكن المشكل كله.
أمام المنعطف الحالي، هناك فرصة تاريخيّة أمام المجلس لكي يصبح الجزء الأهم من الحل السياسي، الواقعي، القابل للتطبيق والمتوافق عيه والذي لا يمكن أن يكون إلا عن طريق تمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير.
في هذا الإطار تأتي مبادرة البوليساريو في تفصيل مقترحها المقدم أبريل 2007 والذي يتضمن ضمانات كبيرة وكريمة تجاه المغرب في حالة ما يؤدي استفتاء تقرير المصير إلى الاستقلال.
التقدم خطوة أخرى باتجاه تبني المقاربة المغربية كقاعدة وحيدة سيكون إعلانا لإنهيار المسار والعودة إلى المربع الصفر وتعريض أمن واستقرار منطقة حساسة بالنسبة للسلام والأمن الدوليين لخطر حقيقي.
وفي ما يبدو من تسريبات المسودة التي تقدمت بها الولايات المتحدة، فإن واشنطن تنوي فرض رؤيتها والمتمثلة في الاعتراف للمغرب بالسيادة على الصحراء الغربية وهو ما لا تقره الأمم المتحدة ولا القانون الدولي.
هذا فيما يتعلق بمقاربة الحل، أمام مأمورية المينورسو ووجودها فهو عامل مهم يعكس استمرار التزام المجتمع الدولي ويجنب الاقليم والمنطقة أخطارا لا تحمد عقباها.
جوهر النزاع في الصحراء الغربية، الذي يرتبط الحل العادل والنهائي به، هو “حق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف في تقرير المصير وتحديد الوضع النهائي للإقليم فيما يتعلق بالسيادة عليه”، وهو جوهر يتعارض بشكل مباشر مع المقترح المغربي الذي “يحسم موضوع السيادة لصالح الاحتلال بشكل مسبق لرأي الشعب الصحراوي” ومسبق لكل عملية تفاوضية.
وما دام الجوهر محسوم لصالح المغرب، فالمقترح مقاربة “رابح مطلق و خاسر مطلق”.
في هذه الحالة المغرب ربح كل شيئ والصحراويون خسروا كل شيء.
نحن موقفنا واضح؛ مستعدون لدخول العملية التفاوضية بدون شروط مسبقة لكن ليس ضمن إطار محسوم مسبقا هدفه الالتفاف على الحق في تقرير المصير وتكريس الأمر الواقع.
فما معنى التفاوض، إذا كان الإطار والنتيجة محسومين مسبقا؟.
وبعد هذا وذاك، فالمقترح موجود على الطاولة منذ 2007، وبسبب كونه خارج كل سياق CONTRE NATURE فيما يتعلق بالنزاع في الصحراء الغربية، لم يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، وفي النهاية لا يعدو أن يكون سوى مناورة مغربية جديدة لربح الوقت لاستكمال توطيد الاحتلال، تماما كما كان الأمر بالنسبة للاستفتاء بحد ذاته.
والغريب ليس في أن يقوم المغرب بتلك المناورة، فهو منطق جميع الدول الاستعمارية، لكن الأغرب هو أن نفس تلك الدول الاستعمارية التقليدية تعطي الانطباع اليوم، ومنها بريطانيا التي ما زالت تحافظ على موقف متوازن نسبيا، تبدي بعض الحماس أو الاعتقاد في أن المغرب جادٌّ في البحث عن حل.
القوى الغربية الداعمة للمقترح المغربي، باعتباره “القاعدة الأكثر مصداقية” أو “القاعدة الوحيدة للحل”، كان عليها أن تجيب أولا على سؤال: كيف لقوة احتلال تعترض بشكل هستيري منذ عقود على توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان، تطرد الوفود الأجنبية وتمنع بعثات الأمم المتحدة منذ 10 سنوات، أن تكون جادة في منح الاقليم “حكما ذاتيا موسعا وحقيقيا”؟.
هي فقط دعوة مفتوحة لباقي الشعب الصحراوي، وهي الغالبية، إلى “السجن المفتوح” الحالي الذي يسمى المدن المحتلة من الصحراء الغربية.
وكيف لنظام مركزي صارم مبني على تراتبية قاسية على مر القرون، وهو السبب الوحيد لتمكنه من البقاء بالرغم من العواصف التي ضربت المنطقة والعالم، أن يفرط في ذلك من خلال الانفتاح على حل، قد يقود إلى فتح علبة الباندورا لتعصف بالمخزن وبنائه المركزي السلطوي.
المغرب غير جدي، وغير مستعد للتقدم نحو الحل العادل والنهائي بمحض إرادته، ولن يقوم بذلك إلا بعد تحقق أحد عاملين أو الاثنين معا: إما الضغط الدولي الخارجي أو الضغط الوطني الصحراوي الداخلي.
فيما عدا ذلك، سيبقى يسير رهانه الاستراتيجي بربح المزيد من الوقت لا أكثر ولا أقل.
المؤسف أن تعاطي مجلس الأمن الدولي طيلة العقود الماضية هو ما ساعد المغرب في ربح هذا الرهان.
نتمنى أن يعي مجلس الأمن والوسيط ديميستورا أن طريق القانون الدولي بعلامات المرور والوجهة الواضحة أكثر أمانا من الدروب الملتوية بمنحدرات مظلمة ووجهة ضبابية.
الطريق الأخيرة لن تؤدي إلا الى المزيد من المعاناة وإطالة أمد النزاع وفتحه على سيناريوهات أكثر خطورة.
أنظر فقط اليوم إلى نتيجة مقاربة أوسلو في فلسطين 32 سنة بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ.
السؤال الخامس: المغرب، المعروف بمناوراته خلف الكواليس، حيث يتنافس الفساد مع الابتزاز، يعمل على تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية.
التاريخ يعيد نفسه.
فقد جرت محاولات مماثلة في أنحاء العالم لتشويه سمعة حركات التحرر الشعبية، مثل جبهة التحرير الوطني في الجزائر، والمؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا.
ما هو الرد الذي يعتزم الجهاز الدبلوماسي الصحراوي اتخاذه لمواجهة هذه المناورات الدنيئة للمخزن؟
ابي بشرايا البشير: الخطوة غير مفاجئة بالنسبة لجبهة البوليساريو، واتهام الجبهة بكونها “مجموعة مرتزقة” و “إرهابيين” و”عصابات”.
.
.
إلخ، ظل جزءا من السردية المغربية منذ بداية النزاع إلى اليوم.
وهي، في النهاية، سردية جميع الدول الاستعمارية في تعاملها مع حركات التحرير الوطني.
ما يحدث الآن، كما حدث مع العديد من الحركات، ومنها المؤتمر الوطني الأفريقي، وجبهة التحرير الوطني ومنظمة التحرير الفلسطينية وغيرها، هو أن الدول الاستعمارية تحاول استغلال بعض السياقات الدولية لتوجيه ضربة معنوية لحركات التحرر، والمغرب يعيد انتاج نفس الأسلوب الآن.
وهو آيل إلى الفشل حتما، رغم اندفاع نائب أو أثنين من الكونغرس الأمريكي بأجندات شرق أوسطية لمحاولة استصدار لائحة من الكونغرس في هذا الصدد.
أكثر المرافعات قوة ووضوحا وصلابة في الدفاع عن جبهة البوليساريو هو تاريخها الناصع في هذا الجانب.
لقد أدرنا حربنا التحريرية قبل 1991 وبعد 2020 بناء على عقيدتنا العسكرية الصارمة في محاربة الجيش المغربي، والجيش المغربي فقط.
وحين تنظر في الفقرة الأخيرة لمشروع القرار المقدم إلى الكونغرس الأمريكي، تفهم أن الخطوة “إبتزاز” واضح ومحاولة استعمال ورقة “التصنيف الارهابي للي ذراع الشعب الصحراوي وتكريس الاحتلال المغربي وتشريعه على الصحراء الغربية”.
الفقرة الأخيرة، بكل وضوح تقول أن “هذا المشروع سيسقط أوتوماتيكيا إذا ما قبلت جبهة البوليساريو مقترح المغرب المتعلق بالحكم الذاتي”.
وبالتالي فهو المخطط “ب” إذا ما فشل المخطط “أ” الذي يتضمنه مشروع القرار الذي تقدمته به الولايات المتحدة إلى المجلس والمتعلق بتحديد الوضع النهائي للإقليم، بمنح السيادة على الأقليم للمغرب دون استشارة شعبه وفرض مسار تفاوضي حسمت نتيجته وإطاره بشكل مسبق.
نحن أمام أكثر السيناريوهات التي تظهر كيف أن القانون الدولي والدبلوماسية المتعددة الأطراف تفقد قيمتها بشكل نهائي في ظل عالم اليوم.
السؤال السادس: ما هو تفسيركم للاضطرابات الشعبية في المغرب؟ هل هناك فرصة لنجاحها، طالما أن المطلب الوحيد هو إقالة رئيس الحكومة؟ هل هناك إعادة إحياء للإصلاحات الشكلية التي تمت في أعقاب الربيع العربي عام 2011، وما هو تأثير ذلك على تطور القضية الصحراوية، وكذلك على تعامل القوة المحتلة المغربية معها؟ ابي بشرايا البشير: في الحقيقة، تلك الأحداث لم تكن مفاجئة، فإرهاصاتها واضحة في الشارع والرأي العام المغربي خلال الفترة الأخيرة، وتطورت على وقع الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يشهدها المغرب، وجنوحه إلى الانخراط في اختيارات إشكالية بالنسبة للمواطن المغربي البسيط، خاصة فئة الشباب التي ترتوي من مصادر معلومات التواصل الاجتماعي بعيدا عن الخطاب الرسمي الذي تردده وسائل الإعلام الرسمي.
أعتقد أن أبرز تلك الاختيارات غير الموفقة، والتي كانت لها آثار سلبية مباشرة على المواطن المغربي هما إثنان، واحد سياسي وآخر اقتصادي.
الاختيار السياسي القاتل هو التطبيع مع إسرائيل والتوقيع على اتفاقات آبراهام، حيث شكلت الحرب في غزة لدى المغاربة شعورا بالعار والخجل من الانتماء لبلد أو نظام يتبنى موقفا كهذا.
الاختيار الاقتصادي السيئ هو إدارة عجلة اقتصاد البلد على وقع مشاريع تنظيم كأس العالم لكرة القدم سنة 2030 في عملية ماركيتينغ شكلية ستجني أرباحها الشركات الكبرى ورؤوس الأموال على حساب السياسات الاجتماعية وواجب الحكومة التكفل بصحة وتعليم وإسكان وتشغيل المواطن المغربي.
ننظر ونرى.
.
لكن في النهاية هذا شأن داخلي للشعب المغربي الذي نتمنى له التطور والازدهار.
وكملاحظ خارجي، أعتقد أن النظام لديه تقليد قوي وطويل في احتواء الاحتجاجات وتصريفها بعيدا عن الأزمة البنيوية المزمنة الحقيقية، كما ألاحظ أن وسائل الإعلام الدولية، خاصة العربية المعروفة بحضورها، وأحيانا تأجيجها للاحتجاجات في مناطق أخرى قد التزمت الصمت.
صمت مطبق، أقرب ما يكون إلى المؤامرة منه إلى التواطؤ.
فيما يتعلق بانعكاسات هذه الاحتجاجات على القضية الصحراوية، لا أعتقد، من حيث المبدأ، أن ثمة علاقة مباشرة.
وإن كان ثمة من علاقة فهي، قناعتي بأن كل تطور حقيقي للممارسة الديمقراطية والحريات، بما فيها حرية التعبير، داخل المغرب سيكون لها أثر إيجابي على كفاح الشعب الصحراوي وحقه في تقرير المصير.
والعكس صحيح، فكلما اقترب الشعب الصحراوي من حصوله على حقه غير القابل للتصرف في الحرية وتقرير المصير سيساهم ذلك في الدفع بدمقرطة المغرب.
فالنظام يتغذى من احتلال الصحراء الغربية وإيديولوجية “الوحدة الترابية” لمواصلة احكام قبضته وخنقه للحريات داخل المغرب.
السؤال السابع: كشفت التسريبات المتعلقة بـ ”ماروكغيت“ وبرنامج التجسس ”بيغاسوس“ والتسريبات المنسوبة إلى المخترق كريس كولمان عن ممارسات مؤثرة ومثيرة للقلق في مجال التأثير والمراقبة.
هل كان لهذه الفضائح تأثير على الطريقة التي يُنظر بها إلى الدبلوماسية الصحراوية أو على عرقلة هذه الدبلوماسية؟ابي بشرايا البشير: محاولة التأثير بجميع الوسائل، على الأطراف الدولية الفاعلة سواء كانت دولا أو منظمات أو أشخاص، تعتبر الثابت الأبرز في السياسة الخارجية المغربية.
فضيحة “موروكو غيت” التي تفجرت في البرلمان الأوروبي ديسمبر 2022 كانت آخر الإدانات الواضحة للمغرب في هذا الصدد.
التجسس باستخدام تطبيق “بيغاسوس” الذي كنت شخصيا أحد ضحاياه ضمن لائحة طويلة من الشخصيات من مختلف الدول والمستويات بما فيها رؤساء بعض الدول الحليفة التقليدية للمغرب كفرنسا.
تلك الأساليب وغيرها أكثر ونلاحظها يوميا في العواصم التي نعمل فيها، تشكل نهج عمل بالنسبة للدبلوماسية المغربية.
وعموما، من تعوزه الحجة والقانون والحق، لا يبقى له من وسيلة سوى “شراء الذمم” أو الضغط بكل الوسائل غير المشروعة.
في هذه المعركة، وفي صراعها مع الدبلوماسية الصحراوية بوسائل محدودة، فالدبلوماسية المغربية قد تحقق بعض المكاسب التكتيكية، لكن العبرة في الصراع الاستراتيجي من أجل الوجود والحق في تقرير المصير، حيث عجزت الرباط عن إسكات صوت الشعب الصحراوي وعن إخراج القضية من سياقها وطبيعتها القانونية ولا من فضائها الطبيعي ألا وهو الاتحاد الأفريقي حيث يجلس المغرب إلى جانب الجمهورية الصحراوية على قدم المساواة بعد طول ممانعة ورهان 30 سنة على شراء الذمم من أجل تجنب تلك النهاية.
المصدر: المقابلة منشورة في موقعي: la Patrie new و le courtier d’Algérie
المصدر: المستقلة للأنباء
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية عبر موقع أفريقيا برس





