السيد حمدي يحظيه
أفريقيا برس – الصحراء الغربية. منذ مدة، والمخزن يخطب ودّ المملكة المتحدة، الدولة الكبيرة، العضو في مجلس الأمن، كي يطلب منها أن تدعم الحكم الذاتي في الصحراء الغربية، وتصطف مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا واسبانيا، وحين لم يحصل على ذلك -في البداية- لجأ إلى الخداع وتوريط بعض الشخصيات والشركات في مشروعات وهمية في الصحراء الغربية مقابل أن تضغط على حكومتها كي تؤيد الحكم الذاتي في الصحراء الغربية.
حتى نقف على حقيقة الموقف الجديد للمملكة المتحدة، لا بد من أخذ المعلومات من المصدر، وبالضبط من الموقع الرسمي لحكومة الدولة المذكورة.
بتاريخ 2 يونيو 2025م، نشر الموقع الرسمي للحكومة البريطانية -الرابط موجود في الأسفل- ما يلي عن الموقف الجديد للمملكة المتحدة من قضية الصحراء الغربية بعد زيارة وزير خارجيتها للمغرب.
يقول الموقع إن الوزير، ديفيد لامي، صرح قائلا لقد اختارت المملكة المتحدة تأييد الحكم الذاتي داخل الدولة المغربية باعتباره الأساس الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق وعملية للتوصل إلى حل متفق عليه بشكل متبادل ودائم للنزاع حول الصحراء الغربية، وهو الحل الذي يمكن أن يفي بالتزاماتنا بحل الصراع في المنطقة وتقرير المصير لشعب الصحراء الغربية”.
مثل هذا التصريح يُظهر أنه تلاعبٌ بالمفردات، وإغراق للمتابعين لقضية الصحراء الغربية في جملة من العبارات غير الواضحة والمتناقضة.
الجميع يعرف أن الحكم الذاتي لا يمكن أن يكون شكلا من أشكال تقرير المصير ما لم يُخضَع لاستفتاء شعبي يفضي إلى قبوله أو رفضه، والمخزن، مثلما تعرف المملكة المتحدة ويعرف العالم، يرفض أن يُخضع الحكم الذاتي أو أي عملية ديمقراطية أخرى للتصويت الشعبي والاستفتاء.
بالإضافة إلى تصريح وزير الخارجية البريطاني، توضح الحكومة البريطانية، حول الموضوع ذاته، في الموقع نفسه قائلة “بصفتها عضوًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وصديقًا لدول المنطقة، يسعى الموقف الجديد للمملكة المتحدة إلى دعم حلٍّ متفق عليه للنزاع، يدعمالعملية التي تقودها الأمم المتحدة، ويحترم مبدأ تقرير المصير.
ومع اقتراب الذكرى الخمسين للنزاع، من الضروري أن نستغل هذه الفرصة السانحة للتوصل إلى حلٍّ دائم للنزاع، حلٍّ يضمن مستقبلًا أفضل لشعب الصحراء الغربية”.
هذا التوضيح، بما أنه جاء بعد تصريح وزير الخارجية، تحاشى ذِكر الحكم الذاتي، وقام بخطوة إلى الوراء أو عاد إلى الموقف البريطاني التقليدي وهو “دعم حلٍّ متفق عليه للنزاع، يدعم العملية التي تقودها الأمم المتحدة ويحترم مبدأ تقرير المصير”.
هذا الموقف الذي تحدّثت عنه الحكومة البريطانية، يتناقض مع تصريح وزير الخارجية السابق، وهذا يؤكد أن هناك أزمة، ولا يمكن استبعاد أن يحدث نقاش ساخن في البرلمان حول هذا الموضوع.
الآن، لنتتبّع حزمة الخِدع التي لجأ إليها المخزن للإيقاع بالمملكة المتحدة ونحللها واحدة، واحدة.
الخدعة الأولى الكبيرة هي استمالة شركتين مختصتين في مجال الطاقة النظيفة واستغلال الطاقة الشمسية، وهما شركتا فورتسكيو الاسترالية وشركة ايكس لينكس البريطانية.
حتى تساعد الشركتان في الضغط على الحكومة البريطانية لتغير من موقفها من قضية الصحراء الغربية، وضع المغرب تحت تصرفهما، مجانا، كل مساحة الصحراء الغربية المحتلة، وأوهمهما إنها أرض صحراوية قاحلة ومشمسة على مدار السنة، ويمكن استخراج الطاقة النظيفة منها، ومنها يمكن تزويد بريطانيا، كلها، بالكهرباء بواسطة كابل كهربائي تحت الماء يمتد على مسافة 4000
كلم.
وبما أن الشركتين لا تعرفان أي شيء عن الصحراء الغربية وعن مناخها، فقد وقعتا في الفخ، وبدأتا، فعلا، منذ ابريل سنة 2022م، تدرسان إمكانية مد الناقل الكهربائي تحت مياه البحر نحو المملكة المتحدة.
هذا المشروع هو مجرد خدعة أو طُعم ابتلعته الحكومة البريطانية لأنه، ببساطة، مستحيل التطبيق على أرض الواقع؛ فالمشروع هو كابل بحري سيمتد تحت الماء على مسافة 4000م كلم، وهذا شبه مستحيل أو يمكن تصوره على الورق فقط أما الواقع فشيء آخر.
الأمر الثاني المهم جدا، هو أن المنطقة المَصْدَرْ التي ستستخرج منها الطاقة الشمسية في الصحراء الغربية المحتلة وفي منطقة وادي درعة المحتلة أيضا، ليست مكانا ملائما لمثل هذا المشروع بسبب ضعف الشمس في هذه المناطق المحددة لقربها من المحيط -المناطق القريبة من البحر ليست صالحة لتجميع الطاقة من الشمس- وبسبب تقلب الجو وعدم توفر الشمس على مدار السنة.
إن طاقة الشمس التي يمكن تجميعها في المناطق المذكورة لن تكون كافية لشحن طاقة كبيرة مثلما تأمل الشركة المهتمة بالمشروع.
حسب المختصين فإن الكابل المذكور، بسبب المسافة البحرية الطويلة، لن ينجح، وإذا نجح بعد عقود لن يزود بريطانيا إلا بـ5 بالمائة من احتياجها من الكهرباء، وستكون كلفته أكثر من نتيجته.
المفاجأة، أنه يوما قبل إشادة وزير خارجية المملكة المتحدة بالحكم الذاتي المغربي، حدث شيء غير متوقع، وهو أن الشركة المكلفة بالمشروع، قررت التراجع عن انجازه.
حسب موقع walaw press، بتاريخ 30 مايو 2025م، فقد “أوقفت شركة إكس- لينكس البريطانية مؤقتًا
مشروعها الطموح لكابل الكهرباء البحري، الذي يبلغ طوله 3900 كيلومتر، ويربط المغرب بالمملكة المتحدة.
أوقفت الشركة عملية مراجعة أمر الموافقة على التطوير في انتظار قرار حاسم بشأن عقد الفروقات من وزارة أمن الطاقة البريطانية وسياسة الانبعاثات الصفرية.
في رسالة
موجهة إلى مفتشية التخطيط البريطانية في 14 مايو، طلبت شركة إكس لينكس هذا الإيقاف لضمان الاستقرار المالي من خلال عقد الفروقات الذي يضمن أسعارًا ثابتة للكهرباء لمدة 25 عامًا.
وأكدت مصادر الشركة أن هذا يمثل “إيقافًا مؤقتًا لعملية أمر الموافقة على التطوير، وليس
تعليقًا”، بهدف منع “الاختلالات في مختلف مراحل تطوير المشروع” المتوقع أن الإيقاف هو نهائي، وأن المشروع فاشل مثله مثل مشروع أنبوب الغاز الوهمي الذي يقول المخزن إنه سيمده من نيجيريا عبر البحر حتى يصل إلى أوروبا.
هذا المُعطى الجديد، جعل المخزن يستدعي وزير
خارجية بريطانيا، ويطلب منه، على عجل، الاعتراف بالحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية قبل أن تعلن الشركة التوقف عن مواصلة تنفيذ المشروع.
ثانيا، الاستثمارات التي فتح المخزن في الصحراء الغربية مستحيلة
واصطفاف المملكة المتحدة مع المغرب -إذا كان سيحدث مثلما يأمل المخزن- في قضية الصحراء الغربية، التي تعدّ قضية تصفية استعمار تتم مناقشتها ومعالجتها سنويا في مجلس الأمن، وفي الجمعية العامة، سيكشف هشاشة المملكة المتحدة، وضعف مؤسساتها القانونية والتشريعية.
كيف لدولة، مثل المملكة المتحدة، عضو في مجلس الأمن، ينظر إليها العالم إنها من الدول الكبرى، التي يجب أن تحافظ على السلم والأمن في العالم، أن تدوس على القانون ذاته الذي يجب أن تحميه؟
إن سقطة المملكة المتحدة في قضية الصحراء الغربية أكبر بكثير من سقطة فرنسا واسبانيا والولايات المتحدة، خاصة إذا انجرّت وراء تنفيذ بعض الاستثمارات في الصحراء الغربية المحتلة.
فمثلا، من الاستثمارات الأخرى التي منح المخزن، سريا، للمملكة المتحدة في الصحراء
الغربية المحتلة، هناك فتح باب الاستثمار في التنقيب عن البترول والغاز، لكن المخزن يعرف أن تلك الشركات لن تعثر على أي شيء مثلما لم تعثر عليه شركات من جنسيات أخرى سابقا، وستعود في يوم من الأيام إلى قواعدها بعد أن خسرت ملايين الدولارات بحثا عن السراب.
في كل الحالات، لا يمكن استبعاد أن يحدث نقاش ساخن في البرلمان حول الموقف البريطاني الذي “نفخت فيه الريح”، كما لا يمكن استبعاد أن تتم مساءلة وزير الخارجية بجدية.
المصدر: الشروق أونلاين
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية عبر موقع أفريقيا برس