بقلم: يوسف محمد عبد القادر
أفريقيا برس – الصحراء الغربية. في التاسع من يونيو من كل عام، تتوقف الذاكرة الصحراوية عند لحظة خالدة في مسيرة شعب لا يزال يسير على درب الكفاح.
إنها ذكرى إستشهاد مفجّر الثورة الصحراوية، وعريس الشهداء، وأيقونة التحرّر الوطني، الشهيد “الولي مصطفى السيد”.
يومٌ لا يُستحضر فيه فقط رحيل رجل، بل تُبعث فيه روح أمة بأكملها، ويُجَدد فيه العهد لأولئك الذين روَوا بدمائهم الزكية رمال الساقية الحمراء ووادي الذهب، حاملين في قلوبهم حلم وطن حرّ مستقل.
في مثل هذا اليوم من عام 1976، وبينما كان يقود هجومًا على قاعدة عسكرية بضواحي العاصمة الموريتانية نواكشوط، خلال ما عُرف حينها بـ”حرب الأشقاء” وقبل توقيع إتفاق الإعتراف بالدولة الصحراوية سنة 1979، ارتقى الولي مصطفى السيد شهيدًا.
رحل جسده، لكن بقي فكره ومشروعه الثوري المتكامل أمانة ثقيلة في أعناق هذا الشعب الذي اختار عن وعي أن يرفض الإستعمار بكل أشكاله، وأن يكتب تاريخه بمداد من تضحيات وإرادة لا تلين.
لم يكن الولي قائداً عاديًا، بل كان مثقفًا ثوريًا حمل في فكره أبعاد التحرر، وفي وجدانه إيمان راسخ بعدالة القضية، وفي الميدان تجسّد فيه القائد المقاتل الذي لا يساوم على كرامته، لقد آمن بأن الحرية لا تُمنَح في دهاليز السياسة ولا تُمنح من القوى الكبرى، بل تُنتزع من بين أنياب الظلم والخذلان بالتضحية والصبر والثبات والنضال المستمر.
يأتي اليوم الوطني للشهيد، كل عام، ليعيد إلى الأذهان صورًا خالدة لشهداء العشرين من مايو/أيار، وما تلاها من محطات نضالية، ويذكّرنا بأن الإستقلال الذي ننشده لم يكن يومًا وعدًا معلقًا في سماء الأمنيات، بل هدف يُصاغ بالدماء والوفاء للعهد.
فدماء الشهداء، وفي مقدمتهم الولي، لم تكن حبرًا على ورق التاريخ، بل هي الخيط المتين الذي يشدّ حاضرنا بمستقبلنا، وهي الزاد الذي يمنحنا العزم لنواصل المسير مهما طال الطريق وصعب، ومهما تكالبت قوى الإحتلال والخيانة.
إنّ إحياءنا لهذا اليوم ليس مجرد حدث سنوي عابر، بل هو فعل مقاومة في حد ذاته.
إنه تأكيد على الاستمرارية، وإعلان واضح بأن جيل العشرين من مايو لم يكن مجرد لحظة، بل بداية لمشروع تحرري متكامل تتوارثه الأجيال.
وبينما تتبدل أساليب المواجهة وتتغير التوازنات الإقليمية والدولية، يبقى دم الشهيد هو الحجة التي لا تبلى، والدليل الذي لا يزول على شرعية نضالنا وعدالة قضيتنا.
وفي هذا اليوم، ونحن نترحم على أرواح شهدائنا، ونتأمل مآثر الولي مصطفى السيد، نُجدد العهد على مواصلة السير في نفس الدرب، أوفياء للوصية، مخلصين للتاريخ، متمسكين بحقنا الثابت وغير القابل للتصرف في تقرير المصير، وفي نيل الإستقلال التام على كامل تراب وطننا، الساقية الحمراء و وادي الذهب.
هو عهد لا يسقط بالتقادم، ولا تهزه المناورات، ولا ترهبه التحديات.
سلام على الولي في ذكرى إستشهاده، وسلام على روحه الزكية التي سمت في سبيل الحرية، وسلام على كل من سار على نهجه، وسلام على هذا الشعب الصامد، الذي ينهل من تضحيات شهدائه قوة الصبر، وعزيمة الإستمرار، وحكمة الصمود.
وإنه لعهدٌ منا، أن تبقى ذكراهم مشاعل تنير لنا درب التحرير، حتى تتحقق الأماني، ويُرفع العلم الوطني الصحراوي خفاقًا على كامل تراب الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، حرّة مستقلّة، بإذن الله، وبعزيمة الأوفياء والمناضلين المخلصين من أبناء وبنات الشعب الصحراوي.
“إذا أردت حقك، يجب أن تسخى بدمائك.
المصدر: المستقلة للأنباء
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية عبر موقع أفريقيا برس