بقلم: ابن البوليساريو
أفريقيا برس – الصحراء الغربية. اطلعت على مقال توفيق بوعشرين بعنوان “أين أوجلان الصحراوي؟” الذي قارن فيه بشكل مباشر بين التجربة الكردية في تركيا وبين كفاح الشعب الصحراوي ضد الاحتلال المغربي، ودعا بشكل ضمني إلى التخلي عن المقاومة مقابل ما يسمى “الحكم الذاتي”.
أجد من واجبي، كلاجئ صحراوي ولد وتربى في المنفى، من أسرة قدمت العديد من الشهداء، على غرار آلاف العائلات الصحراوية، أن أُدلي بهذا الرد:عندما قرأت اسم توفيق بوعشرين في عنوان مقاله، عادت بيا الذاكرة إلى زمن الطفولة، حين كنا نفزع في الخيام بقصص عن رجل غريب يدعى “بوعشرين اظفر”، يقال إن له عشرين ظفرا، يخرج ليلا ليلتهم من لا ينام أو من يقترب من النار أو من لا يذهب إلى المدرسة.
واليوم، وبعد أن كبرنا، تبين لنا أن بوعشرين لا يملك سوى قلم مدبب مثل أظافره القديمة، يتفرج من بعيد على شعب يخوض معركته من أجل الحرية، ثم يكتب له وصايا مزيفة من داخل مملكة لم يظفر هو فيها حتى بحرية التعبير.
ويبدو أن “عشرين ظفراً” قد تحولت إلى عشرين تبريرا للتطبيع مع الظلم، وعشرين وصفة لتجميل الاحتلال والاستسلام والانبطاح.
إن ما يسميه الكاتب “تشابها” بين التجربتين هو تبسيط مخل ومضلل.
الأكراد يعيشون داخل دولة معترف بها، أما نحن فنتعامل مع احتلال عسكري لأرض معترف بها دوليا كإقليم لم يستكمل فيه تصفية الاستعمار.
قضيتنا ليست صراعا داخليا، بل نضال ضد قوة توسعية خرقت قرارات الأمم المتحدة ومزقت اتفاقيات دولية.
فنحن لسنا طلاب مناصب ولا حصة في برلمان الاحتلال، نحن نطالب باستقلال وطننا كاملا، لا فتاتا من السيادة تحت راية من اغتصب أرضنا وقمع وشرد شعبنا.
الحكم الذاتي لا يقدم كـ”تنازل شجاع”، بل يفرض كبديل زائف لحق تقرير المصير الذي يكفله لنا القانون الدولي.
والقيادة ليست ما ينقصنا، شعبنا أنجب آلاف المناضلين، من الفقيد الشهيد بصيري، إلى الشهيد الوالي مصطفى السيد، إلى الشهيد محمد عبد العزيز، إلى آلاف المقاتلين والقادة في الميدان، من الرجال والنساء، ممن تربوا على الثورة وقيم الشهادة، والصحراوي لا ينتظر “الزعيم الملهم” لأن القضية تسكن كل فرد من هذا الشعب الأبي، لا شخصا واحدا.
وعلى عكس ما يوحي به المقال، جبهة البوليساريو لم تتراجع، بل أعلنت بوضوح استئناف الكفاح المسلح منذ خرق المغرب لوقف إطلاق النار في الكركرات في نوفمبر – تشرين الثاني 2020، وأبناؤنا اليوم في خنادق العزة، لا في مقاعد “الانتظار السياسي”.
بنادقنا لم تخمد، بل أُشعلت من جديد وستظل من أجل الحرية والكرامة.
إن الادعاء بأن الشعب الصحراوي “رهينة” لجهة داعمة هو استخفاف بوعي وإرادة شعب حر، اختار طريقه منذ أول رصاصة، والجزائر الشامخة، جزائر الأحرار وبلد الشهداء، مثل غيرها من الدول الحرة، تدعم الشرعية الدولية، ولا تملي علينا قراراتنا، كما تفعل بعض العواصم مع قضايا داخلية في دول أخرى.
ومن السخرية أن يأتي هذا السؤال من داخل بلد لم يظفر بعد حتى بحقه في التعبير الحر، أو في تقرير مصيره السياسي والاقتصادي.
فمن يسأل أين المناضل الذي “ينقذ الصحراويين”، ليتساءل أولا عن المنقذ الذي سيحرر المغاربة من مملكة الاستبداد، ومن نظام الريع، ومن سطوة عصابة الملكية التي تسلب المواطن حريته وكرامته وثروته.
مملكة الشقاء التي كرست الظلم وامتهنت الكرامة، وحولت ثروات الشعب إلى امتيازات لعائلة واحدة، وساهمت في قمع الأصوات، وتجويع الريف، وتهجير الأحرار، من الأولى أن يوجه هذا السؤال لمن يريد تحرير وطنه من الداخل، وقبل أن توزعوا علينا الدروس، حرروا أنفسكم أولا.
في الختام، نقولها بوضوح، وباسم كل صحراوي ولد تحت الخيام، وحرم من وطنه، وكبر على النشيد والبندقية:لسنا في حاجة إلى “صفحة جديدة” تكتب لنا خارج إرادتنا، بل نتمسك بالصفحة التي كتبها شهداؤنا بدمائهم الطاهرة: صفحة الاستقلال الكامل غير المنقوص.
قضيتنا بوعشرين ليست “مشكلة معقدة”، بل حق واضح ومشروع تحرري، ولن يخيفنا تشويه النوايا، ولا إغراءات المشاريع الخادعة، ولا ضغط الواقع المرفوض، نحن نعرف من نحن، ونعرف إلى أين نسير: نحو الحرية، ولو طال الزمن.
لن نرضى بأقل من تقرير المصير، ولن نرهب بخطاب “الواقعية” المزيف، فصاحب الحق لا يساوم، والمحتل لا يمنح شرعية، والثورة لا تموت.
وكل الوطن أو الشهادة.
والمجد والخلود للشهداء الأبرار.
المصدر: المستقلة للأنباء
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية عبر موقع أفريقيا برس