سلامة مولود اباعلي
أفريقيا برس – الصحراء الغربية. في زمن تتساقط فيه الأقنعة وتتداخل فيه المصالح على حساب حقوق الشعوب، تظهر أمامنا صورتان لاحتلالين مختلفين في الجغرافيا، لكن متطابقين في الأسلوب، في الجوهر، وفي العنف: الاحتلال الصهيوني لفلسطين، والاحتلال المغربي للصحراء الغربية.
قد يبدو الربط بين الحالتين للبعض مجازفة، لكن التمحيص العميق يكشف عن تطابق بنيوي في أدوات السيطرة، القمع، تزييف الهوية، والاحتيال على القانون الدولي.
إن الصحراء الغربية ليست مجرد “نزاع حدودي”، تمامًا كما لم تكن فلسطين مجرد “صراع ديني”، بل كلاهما حالتان نموذجيتان للاستعمار الاستيطاني الحديث.
1.فرض الاحتلال بالقوة وتكريس الأمر الواقع
الاحتلالان وُلِدا من رحم السلاح: المغرب زحف إلى الصحراء الغربية عام 1975 بعد انسحاب إسبانيا، تحت وطأة ضربات جيش التحرير الشعبي الصحراوي؛ مدعومًا بمسيرة مدنية مدججة بجيش.
وإسرائيل احتلت فلسطين تدريجيًا منذ 1948، بدعم استعماري غربي.
كلتاهما فرضتا واقعًا بالقوة ثم سعيتا لتجميله بمبادرات سياسية تخدم فقط بقاء المحتل.
2.أسطورة الحق التاريخي والديني
المخزن يبرر احتلاله للصحراء الغربية بادعاء “الروابط البيعية” و”الوحدة الترابية”، تمامًا كما يبرر الصهاينة احتلالهم لأرض فلسطين بوعد توراتي و”حق تاريخي”.
كلا الخطابين يستند إلى روايات مفبركة لتبرير إلغاء الآخر وسلبه أرضه.
3.إنكار الشعب وتمزيق الهوية
من رام الله إلى العيون، يتكرر السيناريو: نفي وجود شعب، ورفض لحق تقرير المصير.
المغرب ينكر وجود “شعب صحراوي”، ويصف جبهة البوليساريو بـ”المرتزقة”.
إسرائيل تنكر حق الفلسطينيين، وتسعى لفرض معادلة “سكان بلا دولة”.
إنها سياسة محو وطمس ممنهجة.
4.الاستيطان وتغيير الديمغرافيا
المخزن، كالصهيونية، لم يكتفِ بالاحتلال العسكري، بل شرع في توطين آلاف المغاربة في مدن الصحراء الغربية، وتوزيع الامتيازات عليهم.
في موازاة ذلك، إسرائيل تزرع مستوطناتها في قلب الضفة الغربية والقدس، وتُقصي السكان الأصليين.
الاستيطان هو العمود الفقري لكلا المشروعين
5.القمع والتجسس: حين تتحول الأرض إلى سجن
في فلسطين كما في الصحراء الغربية، الكلمة الحرة جريمة.
سلطانة خيا، أمينتو حيدر، مجموعة اگديم ازيك، وغيرهم كثر، من المناضلين الصحراويين يتعرضون للملاحقة، كما يُلاحق الفلسطينيون في كل شبر من أرضهم.
أجهزة القمع المغربي (DGED، DST) تشبه في تكوينها ووظيفتها أجهزة الشاباك والموساد، مع فارق الواجهة فقط.
لقد تحولت الصحراء الغربية إلى ساحة تجريب للمراقبة الشاملة والتجسس، كما فعلت إسرائيل في غزة.
كلا النظامين يستخدم التكنولوجيا الإسرائيلية (وأحيانًا نفس البرمجيات مثل Pegasus) لتكميم الأفواه وتطويع السكان.
6.تبييض الاحتلال باسم “الشرعية الدولية”
المخزن يروّج لما يسميه “الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية” وكأنه حلّ نهائي، بينما إسرائيل تطرح مشاريع “سلام اقتصادي” للفلسطينيين.
الهدف واحد: شرعنة الاحتلال وتكريس السيادة بلا سيادة، عبر اتفاقات مفروضة لا تعترف بالشعب ولا بإرادته.
7.التحالف ضد الشعوب: التطبيع (نموذجًا).
ما يجمع المغرب وإسرائيل ليس فقط تشابه الأسلوب، بل أيضًا التطبيع الصريح.
لم يعد المخزن يخجل من علاقته العميقة بالكيان الصهيوني، بل يتباهى بها، ويعقد معها صفقات أمنية وعسكرية تشمل الطائرات بدون طيار، التجسس السيبراني، وحتى التعاون في “تأمين” الصحراء الغربية.
إنه ليس تحالف مصالح فقط، بل تحالف احتلالين ضد إرادتين شعبيتين: إرادة الشعب الفلسطيني، وإرادة الشعب الصحراوي.
الحق لا يتقادم والمقاومة لا تموت
ما يجري في فلسطين وما يجري في الصحراء الغربية ليس صراعًا محليًا، بل هو امتحان أخلاقي وسياسي للضمير العربي والإنساني.
كل صمت عن قمع الشعب الصحراوي هو تمهيد لتصعيد القمع في فلسطين، والعكس صحيح.
من العيون إلى غزة، من الداخلة إلى جنين، من بوجدور إلى نابلس.
الشعوب لا تنكسر، لأنها تمتلك ما لا يملكه المحتل: الحق، والذاكرة، والأرض.
آن الأوان أن يتعامل أحرار العالم، مع القضيتين كجزء من معركة واحدة ضد الاحتلال، التزوير، وفرض الهيمنة بالقوة.
إن مقاومة الاستعمار المغربي في الصحراء الغربية ليست فقط قضية الصحراويين، كما أن مقاومة الاحتلال الصهيوني ليست حكرًا على الفلسطينيين.
هي معركة إنسانية واحدة، ضد استيطان واحد، بوجوه متعددة.
المصدر: المستقلة للأنباء
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية عبر موقع أفريقيا برس