في حضرة الثورة ..كيف نكون أوفياء لعهد الشهداء؟

15
في حضرة الثورة ..كيف نكون أوفياء لعهد الشهداء؟
في حضرة الثورة ..كيف نكون أوفياء لعهد الشهداء؟

سعدبوه بلة

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. كلما ذكرنا الشهيد إلا وترائى أمامنا شريط 50 سنة من ذكريات المعاناة والتعسف والقهر ومحاولات الإبادة وطمس هوية الشعب الصحراوي من طرف الاستعمار الإسباني وياليه الاحتلال المغربي وحلفائه ومن سار في ركبهم، غير أن هذا الترهيب كله لم يثن شعبنا ولم يقلل من عزيمته وإصراره على المقاومة والكفاح والانتفاضات المتتالية، ولست هنا بصدد التأريخ لهذا المسار الطويل من النضال، لأن هذا ليس مجالي وإنما أود التذكير فقط ببعض محطات مسيرة شعبنا، التي تشير إلى التضحيات الجسيمة التي قدمها شعبنا في مواجهة كل المخططات الجهنمية للاستعمار والاحتلال كوجهة لعملة واحدة، وذلك بعزيمة وإصرار غير مسبوقين، أتعرفون لماذا ؟

لأن ثقافة وروح المقاومة والنضال متأصلة لدى الشعب الصحراوي على مر االعصور والقرون.

وهذه الثقافة جعلت الشعب الصحراوي مجبول على التمسك بالمقاومة وعدم التفريط في مبدأ الحرية بصفتها ثابت مقدس، وبالتالي عدم الرضوخ للعدو والعدوان مهما كان ومهما كانت التضحيات.

ومن هنا تأتي مسألة التمسك بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها مهما كانت الظروف وكيف ما كان الثمن.

في هذا السياق تميز التاريخ الصحراوي الحديث بالمقاومة ورسالة الكفاح المتواصل، أي منذ أن وطئت أقدام الاستعمار الأجنبي النجس أرض الصحراء الغربية الطاهرة.

وقد استبسل الشعب الصحراوي في مقاومته وكفاحه لكل أنواع الإبادة البشرية، على غرار المجازر المروعة والمقابر الجماعية التي تعرض لها، وكذا مجازر ام ادريكة والكلتة والتفاريتي وغيرها.

حيث تحدثت وسائل اعلام دولية ومنظمات حقوقية دولية ووطنية عن بشاعة المجازر ودموية مرتكبيها كما تحدث شهود عيان عن ذلك، حيث كان القصد منها القضاء على روح المقاومة وإطفاء جذوتها إلى الأبد، لكن العكس هو الذي حصل وكانت هذه المجازر سببا في اقتناع الجميع بأن ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة.

بعدما حاول الاستعمار الإسباني وبعده الاحتلال المغربي إبادة الشعب الصحراوي بكل أنواع القهر والإبادة الجماعية والمجازر،بما في ذلك جرائم ضد الانسانية من خلال وضع أبناء الشعب الصحراوي في محتشدات ومعسكرات الموت واستخدام القنابل الغازية والنابالم وكل صنوف التعذيب لحصار الشعب الصحراوي وجعله كله في سجن أوسع والسعي لمنع تموين الثورة في محاولة خائبة وبائسة لعزلها عن حاضنتها وهي الشعب لكن إرادة الشعوب من إرادة الله وفقا لقول الشاعر أبو القاسم الشابي: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر

ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر

فقد كان صمود الشعب الصحراوي بمقاوماته وثوراته المتواصلة أسطوريا التي سجلت أروع ملاحم التضحية والفداء لدحر الاستعمار ودك الاحتلال، وقد كان من أسباب القوة والنجاح التي أخذت بها ثورة 20 ماي – أيار المجيدة زيادة على الكفاح والنضال السلمي هنا وهناك من خلال ثورة شعبية بكل المعاني إعطاء الأهمية اللازمة للساحة الدولية، و بالتوازي مع استمرار الثورة و الكفاح المسلح تستمر المعركة الدبلوماسية التي لم تقل في شراستها عن الكفاح المسلح، يقودها مناضلون أقول عنهم دائما أنهم فتية آمنوا بربهم وبعدالة قضية شعبهم وألغوا كلمة “مستحيل” من قاموسهم ووصلوا إلى أصقاع المعمورة لإسماع صوت ثورة شعبهم، وتفنيد حجة بما يسميه “مغربية الصحراء”وكان انضمام الجمهورية الصحراوية للبيت الأفريقي هدية من رب العالمين وبفضل الجهود لم تفوتها قيادة الثورة والدبلوماسيين، وأسمعوا صوت الشعب الصحراوي المكافح وإفهام العالم بأن الشعب الصحراوي ليس جزء من المغربي ولارضه جزء منه كما يزعم نظام الاحتلال المغربي، وفي الوقت ذاته السعي لكسب الدعم للثورة بكل أشكاله السياسي والمادي وغيره، فكانت البوابة الاقليمية الأولى لتدويل القضية الصحراوية بما تقدمه وتوفره من فضاء دولي مهم للتعريف بالقضية الوطنية وعدالتها والسعي لتفنيد وتكذيب ادعاء الاحتلال المغربي التوسعي.

رغم المناورات والتكالبات الاستعمارية، حظيت القضية الوطنية الصحراوية باهتمام الوفود الدولية ضمن تحرك دبلوماسي ثوري وشكل هذا الحراك انتصارا للقضية ولدبلوماسية الثورة، وكانت خطوة مهمة بنى عليها أبطال دبلوماسية الثورة مدعومين بالأشقاء والأصدقاء لخوض معارك كثيرة وشاقة إلى أن كللت الجهود المباركة بتسجيل القضية رسميا على جدول الجمعية العامة للامم المتحدة.

وهنا يمكن الإشارة إلى أن القضية كانت تحت الملاحظة والنضج في دورات الجمعية العامة للامم المتحدة حيث بدأ يتبلور الاتجاه نحو تأكيد مسؤولية الأمم المتحدة في قضية الصحراء الغربية لاسيما بعد تسجيلها رسميا، كقضية تصفية الاستعمار تم تأكيد مسؤولية الجمعية العامة للأمم المتحدة في إيجاد حل للقضية يمكن الشعب الصحراوي من تقرير مصيره وذلك أمام إصرار الرجال وعزيمة شعب بأكمله وبعد كل المحاولات اليائسة والحيل البائسة للوقوف أمام عجلة التاريخ والحق، اضطر الاحتلال المغربي بزعامة الملك الحسن الثاني إلى الاعتراف وقبول الاستفتاء

“إننا بعد أن كنا في مرحلة الانقراض وعدم الوجود حيث بدأ الشعب الصحراوي يفقد حتى حلفائنا على المستوى الدولي وذلك بفعل حكمة دبلوماسية الصحراويين”، وبالفعل وفي ظل التناغم والتكامل بين الثورة في الداخل والعمل الدبلوماسي في الخارج استطاعت دبلوماسية الثورة التعريف بالقضية الصحراوية وكسب الدعم الدولي بكل أنواعه، وإبلاغ العالم بحقيقة الوضع في الصحراء الغربية في جهد معاكس لوسائل إعلام العدو ودبلوماسيته المعاديتين وتوظف ما ينظم من احتجاجات شعبية ضد الاستعمار والاحتلال ثم الاحتلال، وفي هذا السياق اجج الشعب الصحراوي انتفاضات شعبية عارمة بين سنوات سبعينيات القرن الماضي وسنة الفين وخمسة تندد وتواجه الاستعمار الاسباني من جهة وتطالب بجلاء الاحتلال المغربي من جهة اخرى.

بما حملته هذه المظاهرات من شعارات أكدت اصرار الشعب الصحراوي على حقه في تقرير المصير والاستقلال ورفض سياسة المستعمرين والمحتلين.

تم التسليم بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره عبر ممثله الشرعي الوحيد الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وخاض الثوار والمقاتلون معارك ضارية وشاقة لسنوات أفضت إلى ابرام اتفاق سلام بين جبهة البوليساريو والمملكة المغربية باشراف الأمم المتحدة، لكن هذا السلام لم يستقر ولم يدوم بفعل التجاوزات المغربية حتى تم خرقه في الثالث عشر نوفمبر 2020 لتعود الأوضاع إلى مربع الصفر.

ومما سبق فإن الشعب الصحراوي المكافح لم يسترجع أجزاء من أراضيه كان جيش الاحتلال المغربي في سنوات ماضية قد توغل فيها بسهولة بل كان ذلك مقابل ثمن غال ونفيس من التضحيات الجسام وعشرات الشهداء الكرام عبر مقاومة وكفاح دون هوادة، هؤلاء الشهداء الذين سموا شهداء، لأن الله سبحانه وتعالى وملائكته شهود لهم في الجنة بإذن الله الذي قال في حقهم:

بسم الله الرحمن الرحيم “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر وما بدلو تبديلا”- صدق الله العظيم

إن الشعب الصحراوي استثنائي في تخليده للمناسبات الوطنية لان يوم الشهيد يحتفي به على مدار السنة، ونحن نستذكر الشهداء بكل الإجلال والاحترام وهذا حقهم علينا وواجبنا نحوهم وهو أضعف الإيمان، وأحسب أن أحسن تكريم وأعظم هدية نقدمها لشهداء شعبنا عبر التاريخ من المقاومات الشعبية إلى ثورةماي – أياررين ماي الخالدة هو أن نصون الأمانة ونحافظ على مكاسب شعبنا في ظل تحولات دولية غير مسبوقة وأزمات متفجرة تحيط بقضية شعبنا المكافح، وذلك بتحصين الجبهة الداخلية وجعل الوحدة الوطنية ببعديها الجغرافي والشعبي ذلك الدواء النادر وهذا يفرض على الجميع التجند واليقظة وإسناد جيش التحرير الشعبي الصحراوي ووحداته تؤدي مهام تحريرية جليلة للحفاظ على الوطن وهي امتداد للمهام التي قام بها الأسلاف الأمجاد من أجل تحرير الصحراء الغربية من ربقة الاستعمار وغزو الاحتلال، أقول هذا الكلام، لماذا؟

لأن أمن الوطن الصحراوي هي مسؤولية الجميع وأن الشعب برمته ملزم باليقظة والتجند لدرء المخاطر التي تستهدف أمننا واستقراره، هذا الاستقرار الذي يحسدنا عليه الكثير العدو وحلفائه الذين لا يردون الخير للشعب الصحراوي واستكمال سيادته، ومن هذا المنطلق فإنني أرى انه على الاعلام ومختلف المنظمات الجماهيرية والمجتمع المدني والمثقفين ورجال الفكر والإعلام وغيرهم التجند والتجنيد بوعي للمخاطر كل من موقعه وليكون كل مواطن عينا ساهرة على أمن شعبنا وممتلكاته ومكاسب في تلاحم وطن، وهذا ما أكد عليه بيان لأمانة التنظيم السياسي صدر مؤخرا.

وكل ما سبقت الإشارة إليه لا يكون بتقديري إلا بالتشمير على سواعد الجد وبذل الجهود اللازمة لكسب رهان معركة البناء و مواصلةالتشييد وبناء الانسان ضمن إستراتيجية استكمال السيادة الوطنية وهو رهان يجب كسبه لتغلب على كل التحديات والصعاب.

وهنا فقط نكون قد أوفينا ولو بجزء بسيط من حق الشهداء الكرام الذين قدموا أرواحهم الغالية فداء للوطن، وإذا كان الشهداء قد قدموا أرواحهم رخيصة ليعيش الشعب الصحراوي عزيزا مهابا الجانب أفلا نستطيع نحن تقديم ضريبة العرق والعمل للمحافظة على وطننا شامخا بين الأمم، إننا نستطيع ذلك لأن بذرة الخير والانتماء للشهداء كامنة فينا إلى يوم الدين.

وفي هذا الخصوص لايمكن أن أختتم قال هذا دون توجيه تحية إكبار وإجلال لكل المقاتلين الميامين وهم يقارعون جيش الاحتلال المغربي على طول جدار الذل والعار وإلى مختلف تشكيلات قواتنا الامنية الساهرة على امن مخيماتنا ومؤسساتنا الوطنية لدحر كل من تسول له نفسه المساس بامننا.

المصدر: المستقلة للأنباء

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس