ماءالعينين لكحل
أفريقيا برس – الصحراء الغربية. لاشك ان الكثير من التشابه الذي يصل حد التماثل يجمع بين القضيتين الفلسطينية والصحراوية في تفاصيل كثيرة، تجعل منهما قضيتان مترابطتان، ونقطتان سوداوان في ضمير الشرعية الدولية التي خذلتهما إلى حد الآن نظرا لعجز الأمم المتحدة، وما يسمى المنتظم الدولي عن إنصاف الشعبين الشقيقين الفلسطيني والصحراوي، رغم أن كل القوانين، والأعراف، والشرائع تقر حقهما غير القابل للتصرف أو التقادم في التحرر من الاستعمار والاحتلال الصهيو-مغربي.
وبالمثل، تتماثل قوتا الاحتلال الصهيونية والمغربية في الكثير إلى حد التماهي، وذلك منذ بدايات نشوء المشروع الصهيوني. وتكفي العودة قليلا إلى الوراء لمعرفة أن الحسن الثاني قد شارك عمليا في دعم مشروع الاستيطان الصهيوني لفلسطين، حيث عقد صفقات معروفة مع الموساد، كانت أكبرها عملية ياخين سنة 1961، والتي تم بموجبها تهجير حوالي 250 الف يهودي مغربي إلى فلسطين المحتلة.
ولذلك نجد الصهاينة المغاربة حاليا ثاني أكبر جالية يهودية في الكيان الصهيوني بعد اليهود الروس، وأكثر من ذلك مازالت الغالبية العظمى من هؤلاء الصهاينة يحتفظون بالجنسية المغربية، ويزورون المملكة بشكل عادي لقضاء العطل بعد كل عملية قتل جماعي في فلسطين، ناهيك عن أن أغلبهم من اليمين واليمين المتطرف المعروف بعدائه للعرب وللمسلمين عموما.
التماهي الصهيو-مغربي تجاوز التاريخ ليتم تثبيته مغربيا عبر التطبيع الرسمي الحالي مع الكيان الصهيوني الذي تربطه اتفاقيات عسكرية وأمنية واقتصادية مع المملكة، بحيث باتت الاخيرة، على قول رئيس الجمعية المغربية لمناهضة التطبيع، مجرد مستعمرة ومحمية إسرائيلية في شمال أفريقيا، منزوعة الكرامة، منزوعة السيادة، وخاضعة تماما لتل أبيب.
وللتاريخ أيضا، لا بد من الإشارة إلى أن أبناء الشعب الصحراوي مثل الغالبية العظمى من شعوب العالمين العربي والإسلامي قد عاشوا اللحظات الأولى للنكبة الفلسطينية، وتابعوا ما يجري من قتل وتشريد لإخوانهم في فلسطين مثل الجميع.
فمنذ تأسيس جبهة البوليساريو في 10 ماي – أيار 1973، اختار الصحراويون العلم الفلسطيني علما للحركة الوطنية التحررية الصحراوية، وأضافوا له النجمة والهلال اللذان يرمزان للهوية الإسلامية، ويتماشيان مع الرموز المستعملة في أعلام الدول المغاربية. ولا ريب أن هذا الخيار مؤشر واضح على الوعي الوطني الصحراوي بأهمية القضية الفلسطينية في المخيال النضالي الصحراوي آنذاك، وتعبير بليغ عن التضامن، والتماهي، والتآزر مع حقوق الشعوب في تقرير المصير والاستقلال، ولا سيما لكون القضية الفلسطينية حمالة لمعان إنسانية، ودينية، وحقوقية يتشارك كل الصحراويين في الإيمان بها، إيمانا راسخا لا لبس فيه.
وعلى هذا الأساس، كانت جبهة البوليساريو، والجمهورية الصحراوية واضحة منذ البداية في دعمها غير القابل للمساومة للشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، بغض النظر عن بعض المواقف الفلسطينية السلبية من القضية الصحراوية للأسف الشديد، والتي وصلت أحيانا حدود العداء لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال، بل ووصلت حد التآمر أحيانا مع نظام الاحتلال المغربي ودعم أجندته التوسعية في الصحراء الغربية في بعض المحافل العربية والدولية.
إلا أن قيادة الشعب الصحراوي لم تلتفت قط إلى هذه المواقف المعتمدة من بعض القيادات وبعض الحركات الفلسطينية، واختارت الوقوف بثبات تضامنا مع الشعب الفلسطيني، ومع حقه التاريخي في فلسطين حرة أبية، وعاصمتها القدس الشريف، واختارت صف المستقبل القادم لا محالة بدل الوقوف عند تفاصيل عداء غير مبرر من هذه القيادات الفلسطينية للقضية الصحراوية للأسف الشديد. كما لا ينبغي تجاهل حقيقة تحالف مناضلي الجبهة المبكر مع قيادات في بعض حركات المقاومة الفلسطينية، ولا سيما الجبهة الشعبية وقائدها التاريخي جورج حبش الذي زار مخيمات اللاجئين الصحراويين في 1979، والذي دعم المقاومة الصحراوية بالمناسبة منذ بدايات تأسيس البوليساريو بعد ان التقى الشهيد الولي مصطفى السيد.
إن موقف جبهة البوليساريو الثابت وتضامنها المطلق مع الشعب الفلسطيني متسق مع المبادئ الثابتة للجبهة التي تأسست من أجل محاربة الاستعمار الاسباني ثم الاحتلال المغربي من بعده، وتأسست للدفاع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وهو موقف متسق مع قناعتها أن الانتهاكات الإسرائيلية في غزة، سواء أكانت جرائمه ضد الإنسانية أو أعمال الإبادة الجماعية التي يقترفها في فلسطين، هي تهديد للعدالة والشرعية الدولية، وانتهاك لحق كل الشعوب في الحرية، والاستقلال، والأمن والاستقرار.
كما تعتبر الجبهة أن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الشعب الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة، جزء من سياسة ممنهجة تستهدف إبادة الهوية الفلسطينية وكسر إرادة الشعب الفلسطيني، وهي نفس الجرائم التي توجه حاليا ضد لبنان الشقيق وشعبه المقاوم في الجنوب، كما أنها السياسات نفسها التي يحاول نظام الاحتلال تطبيقها ضد الشعب الصحراوي في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية عبر سياساته الممنهجة في تفقير الصحراويين، وتهجيرهم القسري، ونزع ملكية أراضيهم منهم، وجعل الحياة مستحيلة لا تطاق لهم لدفعهم للهجرة مثلما كشفت تقارير عديدة مؤخرا حول هجرة مئات الشباب الصحراوي نحو أوروبا هربا من القمع، والتجويع.
وخلاصة القول أن ما يجمع الشعبين الصحراوي والفلسطيني، وما عاشاه من ويلات، ومن احتلال استيطاني بغيض، ومن تنكر دولي أحيانا، بل وحتى دعم مخزي للنظامين الاستعماريين المجرمين في تل ابيب والرباط، يجعلهما بحق شعبان شقيقان وتوأمان متماثلان في العديد من النقاط، أهمها على الإطلاق اتفاقهما على ضرورة المقاومة، وضرورة رفض الخنوع للأمر الواقع الاستعماري الذي يحاول البعض فرضه عليهما تحت مسميات كثيرة، لأن هذين الشعبين هما بحق جبهة المواجهة المتقدمة للدفاع عن حق كل الشعوب في الحرية وفي تقرير المصير، ولا يمكنهما بتاتا أن يهينا، أو يخضعا لأن ذلك سيعني انتصار الطغيان والبغي، وهزيمة الحق والعدالة، وهو ما لا يمكن أن يكون أبدا مهما بلغ الثمن.
المصدر: sh24h
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية عبر موقع أفريقيا برس