سؤال تطرحه زيارة “دي ميستورا” إلى المنطقة: من يمثل الصحراويين حقا؟

15
سؤال تطرحه زيارة
سؤال تطرحه زيارة "دي ميستورا" إلى المنطقة: من يمثل الصحراويين حقا؟

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. يقوم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة لنزاع الصحراء، ستيفان دي ميستورا، بجولة جديدة في المنطقة منذ السبت الماضي (3 سبتمبر/أيلول)، تشمل مخيمات تندوف والجزائر وموريتانيا؛ بعد أن كان قد زار المغرب مطلع يوليو/تموز الماضي، حيث التقى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.

وككل زيارة يقوم بها مبعوث أممي، أعادت الجزائر على دي ميستورا تكرار شرطها بضرورة أن يتفاوض المغرب مباشرة مع جبهة البوليساريو. فالمعروف أن الرباط لا تعترف بالجبهة “ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الصحراوي.

ويطرح هذا الواقع في كل مرة سؤال: من يمثل الصحراويين حقا؟ ومن فَوّض لجبهة البوليساريو احتكار الحديث والتفاوض باسمهم؟

في منظور النظام الديمقراطي، يمر المعيار في تمثيلية أية مجموعة بشرية عبر صناديق الانتخاب الحر. فلا مشروعية أسمى من تلك التي تفرزها صناديق الاقتراع، بشكل دوري منتظم، ومن دون إقصاء لأي كان ما دام من حقه التعبير عن صوته. وفق هذا المنظور يطرح السؤال المحير نفسه: بأي منطق تحاول جبهة البوليساريو فرض نفسها ممثلا “شرعيا ووحيدا” لجميع الصحراويين؟ من فوض لها هذه “المشروعية”؟ ومتى؟

في ظل الأمر الواقع الحالي تسري سلطة الجبهة إياها حصرا وقهرا على مخيمات اللاجئين بتندوف، أو لنقل على جزء من ساكنتها يُثار الخلاف باستمرار حول تقدير حجمه. أما في الأقاليم الصحراوية (التي تُسميها الأمم المتحدة “صحراء غربية”)، فإن سعي البوليساريو إلى تجنيد أتباع من السكان الصحراويين (يسميهم الإعلام المغربي “بوليساريو الداخل”)، لا يبدو أنه سمح لها بخلق طابور خامس ذو تأثير فعلي وسط المغاربة من ذوي الأصول الصحراوية.

“صحراويون” من خارج الصحراء!

يحدث ذلك كله فيما تصر الجبهة على فرض نفسها “ممثلا شرعيا ووحيدا للصحراويين”. فعلى مدى 47 عاما من وجودها لم تسمح قيادة البوليساريو الخالدة بانبثاق صوت يعارضها، مستندة في ذلك إلى “دستورها” الذي تشير في ديباجته إلى أنها “أعلنته” نيابة عن أولئك الذين تدعي تمثيليتهم الحصرية. لم تبلور مواده القواعد ولا صوّت عليه أحد من الصحراويين إذن. ورغم ذلك تشهره الجبهة إياها بمثابة قانونها المقدس الذي تقطع به الرقاب.

في مادته 31، يشير هذا “الدستور” إلى أن «حق إنشاء الجمعيات والأحزاب السياسية معترف به ومضمون فيما بعد الاستقلال» [كذا]. ويشدد في مادته 32 على أن جبهة البوليساريو هي «الإطار السياسي الوحيد الذي ينضوي فيه الصحراويون سياسيا للتعبير عن آمالهم وطموحاتهم».

في حكم الأدبيات السياسية تُشرعن هذه القوانين للاستبداد وتُجَرّم تعدد الأصوات واختلافها. وبفضل دسترة الاستبداد المفروض هذا فرضت الجبهة إياها نفسها، ليس فحسب سلطة قهر متحكمة في رقاب المحتجزين في مخيمات حمادة تندوف، بل وتزعم نفسها “ممثلا شرعيا ووحيدا للصحراويين” حيثما كانوا.

هل نحن هنا في حاجة إلى التذكير بأن قيادي البوليساريو خطري أدوه الذي يرأس الوفد المفاوض للجبهة مع “دي ميستورا”، لا ينحدر من الصحراء الغربية بل هو من أصول موريتانية؟ وكذلك كان الراحل محمد خداد موسى منسق الجبهة مع بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء “المينورسو”، ومحمد عمار ممثل البوليساريو حاليا بالأمم المتحدة وعضو الوفد الذي فاوض “دي ميستورا” قبل أيام، وبشرايا البشير ممثلها في أوروبا، وآخرون كثيرون غيرهم من قياديي الجبهة الأحياء والأموات. أصولهم إما موريتانية أو جزائرية، رحلوا إلى الجزائر لمتابعة الدراسة وهناك انضموا إلى البوليساريو، فأصبحوا “صحراويين”. وليست لهم بالتالي أية صلة قرابة بالدم أو بالإقامة بالصحراء الغربية.

إن كثيرا من الأسئلة بات يثيرها تململ الأفكار والمواقف، الذي تعيش على إيقاعه والمُعتَصمات وساحات التظاهر والاحتجاج والمنتديات والمدوَّنات، منذ عقد من الزمان. يلتقي في طرحها منشقون من قدماء المسؤولين في الجبهة إلى جانب الأجيال الجديدة من الصحراويين، الذين أنضجتهم مبكرا ظروف اليأس بسبب انسداد الأفق. وتبدأ الأسئلة بإعادة قراءة تاريخ البوليساريو نفسها الذي لم يكن “مثاليا” كما تم تلقينهم إياه.. مرورا بتدبيرها الكارثي الذي شهد تصفيات رهيبة للمعارضين وسرقة المساعدات الموجهة إلى اللاجئين، ووصولا إلى سؤال تمثيلية الصحراويين الذي أصبح مطروحا بقوة بين ساكنة المخيمات.

فمن يمثل الصحراويين حقا: هل هم المئات من الممثلين المحليين للسكان الذين يتم انتخابهم ديمقراطيا بشهادة القاصي والداني وبشكل دوري، أم الجبهة التي جمعت لفيفا من كل من هب ودب: من لاجئي مالي والنيجر وموريتانيا… وتشهد مؤتمراتها السياسية على مهازل باسم القبيلة والعشيرة، تقترفها قياداتها ويندى لها جبين كل ذي حس ديمقراطي؟؟

صحراويو المخيمات بلا صوت

يعتبر الباحث الصحراوي المغربي شيباتا مربيه ربه، رئيس مركز الصحراء للدراسات والأبحاث حول التنمية وحقوق الإنسان، أنه بالنظر إلى الطابع غير المسبوق والاستثنائي لوضعية مخيمات تندوف، فإن تسمية “اللاجئين” التي تطلق على ساكنتها تعتبر «مضللة والأجدر التحدث عن ساكنة محتجزة». ويضيف مربيه ربه موضحا في حديث سابق لبرنامج “نقاش حول الصحراء”، وهي منصة ديمقراطية ومفتوحة تهدف إلى إلقاء إضاءات رصينة ومحايدة بشأن قضية الصحراء الغربية المغربية، أن الدولة المضيفة (الجزائر) تحرم ساكنة المخيمات − وهي منطقة مطوقة بالحواجز الأمنية للجيش الجزائري والبوليساريو −من جميع حقوقها الأساسية، كالحق في العمل، أو الحق في الغذاء، أو في التنقل خارج المخيمات، أو حتى التنقل بين المخيمات من دون ترخيص خاص. ويضيف الباحث شيباتا مربيه ربه موضحا، أن الحصول على وثائق السفر يبقى مرتبطا برغبة السلطات الجزائرية، وهي وثائق تعتبر مخصصة بالأساس لأجهزة البوليساريو فقط.

ومنه نستخلص أن محتجزي تندوف لا يمثلهم أحد قانونا ولا وصاية لأحد عليهم، ما داموا محتجزين ومحرومين من أبسط الحقوق الإنسانية، سواء لجهة الجزائر التي تأوي المخيمات فوق أرض تابعة لها أو البوليساريو التي تدعي تمثيلهم.

من جانبه، يرى حاج أحمد بارك الله، القيادي والديبلوماسي البارز سابقا في صفوف البوليساريو، والسكرتير الأول لحركة” صحراويون من أجل السلام” حاليا، بأن حركته «تضع نهاية لأسطورة جبهة البوليساريو بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي. فلم يعد يكفي القول إنه في سنة 1975 أكد تقرير صادر عن لجنة تابعة للأمم المتحدة، أن البوليساريو هي التي (كانت) تمثل غالبية الصحراويين، لأن ذلك لم يعد له أية قيمة حاليا.. من الآن عليهم [يقصد البوليساريو] الخضوع لحكم الصناديق، لانتزاع الطابع التمثيلي» للسكان.

في المقابل، يتعامل المغرب مع النزاع حول الصحراء الذي فرض عليه قبل قرابة نصف قرن، بكل شفافية، بحيث تكفي نقرة واحدة على أي محرك بحث، للوصول إلى كل المعلومات حول جهات وأقاليم وجماعات الصحراء الغربية المغربية.. بما في ذلك إحصائيات سكانها التي يجري تحيينها بشكل دوري، كلما نظم المغرب إحصاء عاما للسكان.

وللتذكير تجري في الأقاليم الصحراوية انتخابات منتظمة، كلما نظم المغرب انتخابات، حيث تعرف تلك الأقاليم أعلى نسب للمشاركة على مستوى الوطن، وتفرز ممثلين للسكان منبثقين عن صناديق الاقتراع. وهم يسيرون شؤون جماعاتهم ودوائرهم وجهاتهم بشكل يومي وبسلطات موسعة حقيقية، حيث يصل مجموع عدد المنتخبين عن الأقاليم الصحراوية الجنوبية للمملكة إلى زهاء 3500 منتخَب، تجري استشارتهم دائما في كل ما يهم جهات تمثيليتهم.

ولا أحد من داخل المغرب أو خارجه سبق أن شكك في الطابع الديمقراطي للانتخابات في الأقاليم الصحراوية، أو طعن في شرعية المنتخبين عن هذه الأقاليم باعتبارهم ممثلين حقيقيين لساكنة الصحراء أفرزتهم انتخابات ديمقراطية، يتابعها عن قرب مراقبون محليون ودوليون وممثلون عن الاتحاد الأوروبي.

وفي ضوء ذلك يسهر هؤلاء الممثلون لسكان الصحراء، على تنزيل برامج تنمية الأقاليم الجنوبية للمغرب عن كثب. وكان آخرها البرنامج التنموي الذي غطى الفترة 2015-2021. وقد اشتمل هذا البرنامج الاستباقي الكبير على أزيد من 700 مشروع، بميزانية إجمالية بلغت قيمتها 8 مليار دولار.

من جانب آخر، بات معروفا للجميع أن مبادرة الحكم الذاتي، نفسها، التي اقترحها المغرب في 2007 حلا نهائيا للنزاع حول الصحراء لم تكن تمرة قرار فوقي، بل تمت صياغتها بعد استشارات موسعة أشركت فيها الدولة المغربية ممثلي سكان الصحراء. مثلما بات في علم العالم أن كبار المنتخبين بالأقاليم الصحراوية، شاركوا بصفتهم ناطقين شرعيين باسم السكان الصحراويين، في الوفد المغربي في الموائد المستديرة التي سبق أن انعقدت برعاية أممية بجنيف حول النزاع في الصحراء الغربية. ويتعلق الأمر بكل من رئيس جهة العيون الساقية الحمراء حمدي ولد الرشيد، ورئيس جهة الداخلة وادي الذهب ينجا الخطاط، وفاطمة عدلي الناشطة الجمعوية التي تعد أول سيدة صحراوية منتخبة منذ عام 1992 في مدينة السمارة.

من يمثل من؟!

من الطرائف التي شهدها المؤتمر 15 (الأخير) لجبهة البوليساريو، الذي انعقد قبل حوالي ثلاث سنوات، نذكر أن لوائح الترشيحات المقدمة كانت تقوم على أساس قبَلي وعشائري، وزكاها زعيم الجبهة إبراهيم غالي في تدخلاته على اعتبار أن ورود الانتماء القبلي للمترشحين بحسب رأيه هو «معلومات». وهو ما أفضى إلى هيمنة أعضاء من قبيلة صحراوية كبرى على تشكيلة “الأمانة الوطنية” (بمثابة “المكتب السياسي”) للجبهة. ومن المظاهر الأخرى للاصطفاف القَبَلي للمؤتمرين الذين اختيروا بعناية، أن إجماعهم كان على الموافقة دون حدود على كل ما عرض على المؤتمر. فقد صوتوا مثلا لصالح منح “الحصانة” لأعضاء الأمانة الوطنية [قيادة الجبهة]، بينما طالب “الرئيس/الزعيم” إبراهيم غالي البالغ من العمر 74 عاما بـ “تشبيب القيادة وتسليم المشعل للأجيال”، وتحديد عدد الفترات الرئاسية لـ “الرئيس” (من باب التمويه ليس إلا). وهو ما صوت ضده المؤتمرون، الذين منحوا غالي رئاسة مدى الحياة!

ومن بين الغرائب الأخرى التي تحسب على المؤتمر 15، أن إبراهيم غالي زعيم الجبهة التي تدعي كونها “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي”، ترشح وحيدا بعد رفض ترشيحات منافسيه، ليفوز ويا للمفاجأة بـ 86,10 % من الأصوات المدلى بها، أي بواقع 1808 صوتا من مجموع أصوات 2101 مُؤتمِر. فكيف لم يفز بنسبة 100% مطلقة ما دام قد ترشح وحيدا؟؟ وهو ما علق عليه صحراويون غاضبون من أنصار الجبهة بسخرية، قائلين إن 13,90% من الأصوات التي خسرها غالي في التصويت، قد ذهبت إلى “منافس” له لم يترشح أصلا!

بينما علق مدونون مغاربة صحراويون بالمقارنة، بأنه خلال الانتخابات الجماعية للعام 2015، حصل حمدي ولد الرشيد (وهو من أعيان الصحراء الوحدويين ينتمي إلى “حزب الاستقلال”)، بمدينة العيون على 26 ألفا و821 صوتا. وتلاه ثانيا في النتائج، محمد سالم الجماني (وهو من الأعيان الصحراويين ينتمي إلى حزب “الأصالة والمعاصرة”)، الذي حصل على 21 ألفا و579 صوتا! فمن الواضح أن ثمة فرقا كبيرا بين فوز رئيس “جماعة العيون” ديمقراطيا، بعد حصوله على قرابة 27 ألف صوت، و”فوز” رئيس البوليساريو برئاسة الجبهة و”الدولة الصحراوية” بـ 1808 صوتا، رغم “التزوير المُهَيكل” الذي برعت فيه الجبهة عند كل مؤتمر.

وعلى سبيل المقارنة كذلك، نشير إلى أنه في وقت تنظم بالأقاليم الصحراوية انتخابات جماعية وبرلمانية تعددية ومنتظمة بمشاركة 31 حزبا سياسيا، أسوة بباقي أقاليم المغرب الأخرى، تفرز نخبة من المنتخبين تسير شؤون السكان وتتابعها محليا ووطنيا، لا تشهد مخيمات اللاجئين بتندوف سوى “انتخابات” بلون واحد باهت تمثله جبهة البوليساريو.

وبينما يسمح المغرب للصحراويين المؤيدين للبوليساريو بحرية النشاط والحركة، بل بعضهم يشتغلون في وظائف حكومية، ويزورون الجزائر ومخيمات تندوف ويتدربون على السلاح، تنكل الجبهة بكل من يعارضها أشد تنكيل. وتقوم بذلك بتشجيع من الجزائر التي تخالف مقتضيات القانون الإنساني الدولي (سيما اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين)، إذ ترفض حتى مجرد السماح بإحصاء عدد سكان مخيمات تندوف، في تحد للقرارات التي سبق أن اعتمدها مجلس الأمن عام 2011.

وعلى ذلك فإن الرأي هو ما يرى رئيس مركز الصحراء للدراسات والأبحاث حول التنمية وحقوق الإنسان، شيباتا مربيه ربه، من أن «الممثلين الشرعيين الوحيدين لساكنة الصحراء الغربية، هم الـ 3500 مُنتَخب محلي للأقاليم الصحراوية (وهو واحد منهم)، وليس قادة البوليساريو المسلحين الذين عينتهم الجزائر ونصبتهم مدى الحياة».

حوار مع عمر خنيبيلا، رئيس لجنة الإعلام والاتصال بحركة “صحراويون من أجل السلام”:

بداية، ما هي قراءتكم للوضع الحالي لقضية الصحراء؟

يعتبر الوضع الحالي لقضية الصحراء وضعا مزريا ومعقدا، بسبب ما خلفته حالة الركود التي امتدت لفترة طويلة، خصوصا بعد استقالة المبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة “هورست كولر”، وفشل مساعيه في تحقيق تقارب في وجهات النظر.

‏ورغم تعيين مبعوث جديد، إلا أن الوضع لا زال يعيش حالة من الجمود، بسبب تداعيات أزمة الكركرات وتملص البوليساريو من الالتزام بوقف إطلاق النار، والتوتر الدبلوماسي بين المغرب والجزائر. وهو ما أنتج وضعية معقدة، مع قرب عقد مجلس الأمن الدولي لجلسته السنوية حول الصحراء في شهر أكتوبر المقبل.

كيف تُعَرِّف “حركة صحراويون من أجل السلام” نفسها؟

تعتبر حركة “صحراويون من أجل السلام” قوة سياسية جديدة، جاءت لزرع ثقافة التعددية السياسية بالمجتمع الصحراوي، والقطع مع نظام الحزب الواحد. وقد ظهرت الحركة كضرورة تاريخية لعلاج الأخطاء التي وقعت فيها البوليساريو، مما أضاع العديد من الفرص.

وتتميز الحركة بتبنيها لمقاربة معتدلة، تهدف إلى إيجاد حل مشرف للنزاع في الصحراء، بما يضمن حقوق الصحراويين ويجمع يشملهم على أرضهم ويحقق لهم الحياة الكريمة.

بعد مرور سنتين على ظهور الحركة، هل تمكنت من فرض نفسها مخاطبا فعليا يمثل الصحراويين؟

نجحت حركة “صحراويون من أجل السلام” في ترسيخ وجودها، في أوساط الصحراويين، بفضل انفتاحها على كافة الفئات الصحراوية، ونجاح الاتصالات الداخلية والخارجية التي انكبت عليها الحركة. كما أن الظهور المتميز الذي جسد تقديم فرص لفئات وآراء مختلفة، ساهم بشكل كبير في إعلان انضمام العديد من الصحراويين، ومنح ثقتهم للحركة كممثل جدي للأهل في الصحراء. فمعالجة حركة “صحراويون من أجل السلام” لملف قضية الصحراء انطلاقا من تصورات ذات مصلحة عامة، ساهم في حالة القبول التي عبر عنها الجميع منذ إعلان تأسيس الحركة.

هل تمت دعوتكم للمشاركة في الاستشارات السياسية، التي يقودها حاليا المبعوث الأممي إلى الصحراء ستيفان دي ميستورا؟

بالتأكيد… هناك اتصالات جارية مع السيد “دي ميستورا” منذ تعيينه مبعوثا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء. نحن نشجعه على مهمته الصعبة، وما نتمناه هو عدم فشله على شاكلة المبعوثين السابقين.

تتهم جبهة البوليساريو حركتكم بأنها “عميلة” للنظام المغربي، وأنه تم خلقها فقط لتقويض نفوذ الجبهة وسط الصحراويين؛ بدليل أن المغرب يسمح لكم بممارسة أنشطتكم بكل حرية في مدن الصحراء؟

عادة ما تنهج البوليساريو مثل هكذا طرق ومكر وخديعة، بهدف إفشال أي عمل يهدد بقائها، أو يفضح ممارساتها. فالأمر يتعلق اليوم بظهور إطار سياسي موازي، ينشط بكل حرية وسط الإقليم [الصحراء الغربية] وخارجه. ونفس الأمر ينطبق على أنصار البوليساريو، الذين ينشطون بالإقليم ويستقبلون مختلف الهيئات الدولية هناك، دون أن يعرقل المغرب ظهورهم.

إضافة إلى أن حركة “صحراويون من أجل السلام” تقدم نفسها ممثلا للصحراويين، مما يجعل جبهة البوليساريو لا تجد بديلا سوى نهج سياسة الهجوم عليها وتخوينها، بغية خلق حالة من الشك اتجاهها داخل المجتمع الصحراوي.

هل ترون فعلا إمكانية للوصول إلى مخرج سلمي لهذا النزاع العقيم، الذي يستنزف المنطقة المغاربية منذ نصف قرن، في ظل تحول الصحراء إلى “جزء لا يتجزأ من العمق الاستراتيجي” للجزائر؟

قد يكون مستوى الصراع الإقليمي قويا لدرجة أن مسألة التوصل لحل نهائي بات أمرا صعبا، لكنه قد لا يكون كذلك في حالة تعامل المنتظم الدولي مع مفهوم التمثيلية الصحراوية بالشكل الصحيح. وأظن أن ما على المجتمع الدولي القيام به هو توسيع دائرة النقاش، حتى تشمل أطرافا بدلا من طرفين. فوجود حركة “صحراويون” من أجل السلام يعتبر أمرا غاية في الأهمية، من أجل تحقيق تقدم نحو الوصول إلى اتفاق. وذلك بالنظر إلى ما تمتلكه الحركة من قبول داخلي، وقدرتها على ابتكار حل سلمي يضمن للأطراف الحقوق والمصالح.

ما هو رأيكم في مقترح “الحكم الذاتي” الذي يطرحه المغرب بابا للتفاوض حول حل نهائي للنزاع حول الصحراء؟

من الممكن أن يكون المقترح المغربي للحكم الذاتي قاعدة انطلاق، قابلة للتطوير والتوسيع والامتداد، حتى الوصول لنقطة الالتقاء على حل بضمانات دولية.

هناك من يتهم حركتكم بأنها مجرد” ظاهرة إعلامية، بلا وجود فعلي على الأرض، هل تتواجدون بمخيمات تندوف مثلا؟

يوجد المئات من الأعضاء والأشخاص الذين أعلنوا عن تأييدهم وتعاطفهم مع الحركة بمخيمات تندوف، وهم يقومون بذلك يوميا رغم حالة القمع والحصار المضروب عليهم، بسبب عدم وجود مناخ مناسب للتعبير الحر.

‏اما بخصوص كون الحركة ظاهرة إعلامية، فإن قول ذلك يتنافى مع الظهور المتميز الذي جسدته الحركة بكل من وادي الذهب والساقية الحمراء [داخل الصحراء] وفي موريتانيا وأوروبا [حيث تتواجد مجتمعات صحراوية]، بالإضافة إلى الاتصالات العلنية واللقاءات الرفيعة المستوى دوليا. وكذا تعميم رسالة الحركة داخل الأمم المتحدة، واعتمادها كوثيقة رسمية لديها، وما واكب ذلك من تفاعل شعبي ودولي، وضع الحركة في مكانها الطبيعي كمتحدث مقبول باسم الصحراويين.

كيف تنظرون إلى أدوار طرفي النزاع الآخرَين (الجزائر – موريتانيا)، في النزاع بين جزء من الصحراويين والمغرب؟

يختلف الأمر بين الدولتين. فموريتانيا دولة محايدة وهي تأمل في إيجاد حل للنزاع، لتأثرها بالنزاع من ناحية الوضعية الأمنية بالإقليم.

واما بخصوص الجزائر فهي فاعل أساسي بالنزاع، ليس لكونها داعما للبوليساريو فقط، ولكن أيضا بالنظر إلى شكل الصراع القديم بينها وبين المغرب وامتداده، حتى أصبحت الجزائر دولة معنية بشكل مباشر بمشكل الصحراء.

أعلن المغرب مؤخرا على لسان ممثله بالأمم المتحدة، بأن من لهم حق العودة من مخيمات تندوف إلى الأقاليم الصحراوية المغربية، هم المنحدرون من هذه الأقاليم دون غيرهم. كيف تنظرون إلى هذا التطور الجديد في الموقف المغربي؟

الحديث عن هذا الموضوع يعتبر سابقا لأوانه، ما دام لم يتم التوصل بعد إلى حل.

أعلنت حركتم عن تنظيم مؤتمر “ملتقى أهل الصحراء”، يومي 22 و23 من الشهر الجاري بجزر الكناري. ما الذي تأملونه من وراء هذا الحدث؟

تسعى الحركة من وراء تنظيم “ملتقى أهل الصحراء” (باللهجة المحلية: “مَلْكَى اهل الصحر”)، إلى توحيد آراء الصحراويين، للخروج بتصور جماعي حول الحلول الممكنة والقابلة للتطبيق. كما أن الهدف من وراء تنظيمه في شكل ندوة دولية للسلام والأمن، يتمثل في بعث رسالة إلى المجتمع الدولي بخصوص ضرورة بلورة حل والخروج من وضعية التوتر، وإنهاء مشاهد المعاناة والتشتت التي يعاني منها الصحراويون.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس