أفريقيا برس – الصحراء الغربية. منذ ال6 سبتمبر 1991 شهد النزاع في الصحراء الغربية توقيفا لإطلاق النار بعد إتفاق بين المغرب وجبهة البوليساريو على خطة للحل تمثلت في إجراء استفتاء للصحراويين تشرف على تنظيمه منظمة الأمم المتحدة ، وهي الخطة التي لم تعرف النور بسبب عجز هذه المنظمة ومجلس الأمن الدولي ، الذي إستغله الطرف المغربي للتعنت والقفزه على بنود وآليات ذلك الإتفاق غير القابل للتجزئة أصلا والمحدد في مهمة متكاملة لبعثة المينورسو التي أصبحت في آخر المطاف عبارة عن رأس بلا جسد ، لما جردها المغرب مع مرور الزمن من مهمتها الأساسية ، وحالت فرنسا دون إدراج آلية لمراقبة حقوق الإنسان في إطارها طيلة ثلاثين عاما من اللا حرب واللا سلم ، تعرض خلالها الصحراويون في الأجزاء المحتلة من الصحراء الغربية إلى كل صنوف الظلم والبطش والإضطهاد على أيدي أدوات القمع المغربية .
وإحتراما للحلول السلمية دائما وتماشيا مع أساليب المقاومة والنضال السلمي ، وردا على تلاعب المغرب بمسار التسوية وإستغلاله ثغرة الگرگرات غير الشرعية لتعزيز علاقاته الإقتصادية مع بعض الدول الأفريقية عن طريق النهب الممنهج لثروات الشعب الصحراوي ومحاولة تكريس إحتلاله المفضوح للصحراء الغربية ، قامت فعاليات من المجتمع المدني الصحراوي بالإحتجاج أمام كل النقاط المحددة منذ توقيف إطلاق النار لمرور بعثة المينورسو من وإلى ضفتي جدار الذل والعار ، وذلك للفت إنتباه الرأي العام الدولي إلى تهاون الأمم المتحدة وعدم جديتها في تسوية النزاع ، بدليل تسامحها مع التجاوزات المغربية المتكررة للإتفاقات المبرمة بين الطرفين ولقرارات ومواثيق الشرعية الدولية وعدم إدانتها ، فكانت المحطة الأخيرة أمام المتظاهرين السلميين الصحراويين هي غلق ثغرة الگرگرات غير الشرعية ، وهو ما تم بالفعل وكان بمثابة القشة التي قصمت ظهر الإحتلال ، حيث كلفت هذه الخطوة السلمية النظام المغربي وعلى مدى شهر تقريبا من تعطيل الحركة التجارية المغربية ، خسائر إقتصادية معتبرة جعلته يخرج عن طوره بهجوم همجي غير محسوب العواقب ضد هؤلاء المدنيين العزل ، إلا من إرادتهم الراسخة في إحقاق حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال ، الشئ الذي مكن جبهة البوليساريو من إستئناف الحرب وإستعادة زمام المبادرة لفرملة كل أوهام ومخططات هذا النظام التوسعي الجائر ، التي تجاوزت كل الحدود وضربت بما تبقى من مخطط التسوية الأممي عرض الحائط .
فمنذ 13 نوفمبر 2020 وبعد مرور سنة كاملة على إستئناف الكفاح المسلح في الصحراء الغربية ، تغيرت كل المعطيات على الأرض وعلى الساحة الدولية ، وبدأت مرحلة جديدة هب لها الصحراويون عن بكرة أبيهم من كل حدب وصوب تلبية لنداء الوطن ، وتعبيرا عن غضب عارم إزاء مناورات الإحتلال وتواطؤ بعثة الأمم المتحدة معه ، وكانت جبهة البوليساريو قد حذرت مرارا وتكرارا في رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة من أن تؤول الأمور إلى ما لا تحمد عقباه إذا لم تتخذ التدابير اللازمة ، ولطيبة الشعب الصحراوي المألوفة ومصداقية جبهة البوليساريو المعهودة في التعاطي مع مساعي السلام ، كان هناك من يراهن في الخفاء على تراجع إرادة الصحراويين في الحرية والإستقلال مع مرور الوقت ، لكن الرياح جرت بما لا تشتهيه سفن العابثين بمصير الشعوب وإرادتها في الحياة الحرة الكريمة ، ففي المغرب وقع الفأس في رأس نظام المخزن الذي بات يستشعر الخطر الداهم ، وعلى دور الأمم المتحدة ضربت العنكبوت خيوطها ، ولم يعد الشعب الصحراوي ينظر لغير البنادق ، كما لم يعد أمامه من خيار سوى الإستمرار في الكفاح المسلح كأنجع أسلوب وأقصر طريق يمكن أن يؤدي إلى الإستقلال ، لا سيما وأن النظام المغربي قد زح بنفسه في وضع بالغ الصعوبة والخطورة ، بالنظر إلى الأزمات التي يواجهها اليوم في مختلف المجالات العسكرية ، السياسية والدبلوماسية ، الإقتصادية والإجتماعية وحتى على الواجهة الإعلامية التي أماطت اللثام عن أكاذيبه ومغالطاته ، وعرت كل أساليبه المتمثلة في إبتزاز الدول الأوروبية خاصة ، وشرائه للذمم والمواقف من بعض الدول الأخرى في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ، والتي كان من نتائجها قنصليات وهمية ومواقف شخصية بلا رصيد ، وتعتيم في آخر المطاف على حرب دارت رحاها وسمع دويها البعيد قبل القريب .
هذا فضلا عن تورط النظام المغربي الغبي في صفقة تطبيع العلاقات مع إسرائيل ، التي كان ثمنها تغريدة على تويتر أطلقها الرئيس الأمريكي السابق ترامب وهو يجمع أغراضه خارج البيت الأبيض تاركا في مهب الريح سيادة مغربية مزعومة على الصحراء الغربية ، لم يهتم لها خلفه الرئيس جو بايدن ، الوافد الذي حث الخطى إلى مكتبه لمراجعة كل الأوراق التي بعثرها ترامب يمينا وشمالا وتاجر بها مع كثيرين من بينهم بعض الأغبياء من قادة الأنظمة العربية العميلة .
كل هذه المعطيات التي لم يحسن النظام المغربي تقدير عواقبها ، ولت عليه وأصابته بهستيريا جعلته يتخبط على غير هدى ، فتأزمت علاقاته مع ألمانيا وإسبانيا وإمتدت مشاكله إلى الإتحاد الأوروبي وإلى العديد من الدول في مختلف أرجاء العالم ، وزاد منسوب عدائه للجزائر خيانة وتهورا ، حين جلب الكيان الإسرائيلي إلى حدودها وتجرأ على المساس بوحدتها الوطنية بتلك المذكرة التي وزعها ممثله بالأمم المتحدة عمر هلال على هامش قمة دول عدم الانحياز ، ليذهب إلى أبعد من ذلك بإستهدافه ثلاثة تجار جزائريين كانوا يمرون عبر محور نواگشوط ورگلة الدولي ، وقتلهم بطريقة جبانة وبسلاح متطور ما زالت تحوم الشكوك حول مصدره ، وهي الحادثة التي زادت الطين بلة بخصوص العلاقات المتشنجة بين البلدين منذ مدة ، والتي أصبحت أقرب إلى التصعيد أكثر منها إلى التهدئة .
على أية حال النظام المغربي واقع اليوم بين المطرقة والسندان ، فوضعه الداخلي يغلي على صفيح ساخن ، وظروفه الخارجية في أسوأ ما يكون نتيجة لمشاكله مع جيرانه ، ولفتور علاقاته مع حلفائه وعلى رأسهم فرنسا التي تشهد تراجعا في نفوذها داخل إفريقيا لا سيما في منطقة الساحل والصحراء ، التي أصبحت تجوبها قوات الفاغنر الروسية طولا وعرضا ، هذا إذا إستثنينا تعويله على إسرائيل التي قد لا تسايره إلى أمد بعيد في أجنداته الخبيثة تجاه المنطقة المغاربية خصوصا ، وهي أي إسرائيل التي راح كبرياؤها أمام حزب الله في حرب 2006 وأمام حركة حماس بقطاع غزة في معركة الصواريخ أوائل العام 2021 ، ولم تعد في وضع يسمح لها بفتح جبهة أخرى مع الجزائر البعيدة عنها والتي تعد قوة إقليمية يحسب لها ألف حساب في شمال غرب إفريقيا وفي حوض البحر الأبيض المتوسط ، وعلى هذا الأساس فلا غرو في أن يكون وضع القضية الوطنية الصحراوية اليوم على أحسن ما يرام ، لا سيما وأن الجزائر الجار الشقيق والحليف الأزلي للشعب الصحراوي يمسك اليوم بقبضة السكين وقادرة على الفتك بكل من يهدد أمن وإستقرار المنطقة ، وبالتالي ما على الصحراويين إلا شد الرحال للشهادة في سبيل الوطن وفرض إرادتهم بلغة النار والحديد التي سبق وأن إستوعبها هذا الإحتلال الغاشم على مدار 16 عاما من الحرب الضروس إنصاع في آخرها مرغما الى خيار الإستفتاء ، هذا الأخير الذي يعتبر حلا ديمقراطيا عادلا ومقبولا من طرفي النزاع المغرب وجبهة البوليساريو ، وهو الحل السلمي الوحيد الذي من شأنه البت في مصير الشعب الصحراوي دون غيره من الحلول المفبركة التي لا تحترم خيارات الإنسان الصحراوي ولا رؤيته التواقة للحياة الحرة الكريمة بقلم:محمد حسنة الطالب
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس