افريقيا برس – الصحراء الغربية. لقد عرف تقرير مصير الشعب الصحراوي، منذ بدأت الأمم المتحدة محاولة تطبيقه على الأرض في 1965، الكثير من عمليات التلاعب والعبث الممنهجة والمدروسة التي كادت، في أحيان كثيرة، أن تؤدي إلى تحويل مسار العملية برمتها وقرصنتها، والقفز عليها لتحقيق مصالح بعض الكبار الجيو-ستراتيجية والجيو-سياسية في المنطقة.
لقد شاركت الأمم المتحدة، للأسف، وبنسبة كبيرة في محاولة العبث بمصير الصحراويين بسبب الضغوط التي مورست على الأمناء العامين، وكذا انحياز دول كبيرة إلى المغرب الذي بقي يمارس احتلالا غريبا خارج مدار العصر الذي نعيش فيه وخارج القانون.
قد يتساءل البعض إنه إذا كان الأمر كذلك، لماذا لا يستطيع مجلس الأمن حل القضية الصحراوية لصالح المغرب (فرنسا) منذ البداية؟ الجواب بسيط: أولا، القضية الصحراوية مدرجة في لائحة تقرير المصير عند الأمم المتحدة منذ سنة 1965م، ولو لا ذلك لتم حلها في الأيام الأولى لصالح المغرب.
ثانيا، مجلس الأمن لا يستطيع أن يتعسف بوضوح بفرض حل يتنافى مع قانون الأمم المتحدة. فبدل أن يلوي ذراع القانون صراحة، لجأ إلى الكواليس ومحاولة تزوير هذا القانون بالتلاعب بمواده؛ النقطة الثانية التي منعت تصفية القضية الصحراوية لصالح المغرب وفرنسا هي مقاومة الشعب الصحراوي وصموده الأسطوري.
فلو لم يقاتل الشعب الصحراوي ببسالة ولم يصمد، كان كل شيء انتهى مسبقا في سنوات. ثالثا: وجود دول مقاومة ظلت تدافع عن تقرير مصير الشعب الصحراوي وتدعمه إلى حين يقرر مصيره.
إن ما تقوم به الأمم المتحدة الآن في الصحراء الغربية لم تعد له أي علاقة بتطبيق القانون بقدر ما أصبح عملية إدارة الفشل فقط والتمسك في البقاء هناك بدون مبرر.
تفكيك البنية السياسية والأدبية للقرارات الأمميةويأتي الكتاب الجديد لعضو بعثة “المينورسو” سابقا، حمدي يحظيه، بعنوان ” الأمم المتحدة وإدارة الفشل في قضية الصحراء الغربية.
وثائق وحقائق”، بهدف تحليل وتفكيك البنية السياسية والأدبية لكل القرارات والوثائق الخاصة بالصحراء الغربية التي صدرت عن الأمم المتحدة، سواء عن الجمعية العامة أو عن مجلس الأمن، منذ سنة 1965م إلى الآن. هذا التفكيك البنيوي والتعبيري لتلك القرارات والوثائق يقود، في النهاية، إلى اكتشاف أشياء خطيرة وسرية ظهر فيها التلاعب والتحايل وحتى التآمر.
هذا الكتاب، الذي انفردت دار الوعي الجزائرية بنشره منذ أيام في أول طبعة، يسلط الضوء على وثائق يتم التطرق إليها أول مرة، مثل وثيقة الحكم الذاتي الاسباني لسنة 1974م ووثيقة خطة الأمين العام للأمم المتحدة لسنة 1975م والتي تم إخفاؤها.
بعد قراءة الكتاب سنخرج بنتيجة وهي أن هذه المنظمة الدولية كانت تُغلب السياسة على الشرعية والحق، وكانت تحاول أن تتخلص من تقرير المصير بتعويمه في كم هائل من القرارات التي تنحو إلى السياسة أكثر مما تنحو إلى القانون.
الحقيقة التاريخية للهيئة الأمميةيقول المؤلف إنّ العالم لم يعرف في الحقيقة الأمم المتحدة كثيرا، ولم يتعامل معها على الأرض بما فيه الكفاية، رغم شيوع أمرها وعلو قدرها، فقد كان يسمع بها من بعيد فقط في الإذاعات والتلفزيون من خلال تدخّلها في بعض القضايا التي لا يدوم تعاملها معها طويلا، ثم ينتهي كل شيء بحل تلك القضية لصالح أحد أعضاء مجلس الأمن المتنفذين، ويتم طي الملف نهائيا.
لقد تكوّنت الأمم المتحدة ومجلس أمنها القوي في ظروف طبعها الزلزال الذي أحدثته نتائج الحرب العالمية الثانية سنة 1945م، والذي أفرز منتصرين ومهزومين. فالدول التي انتصرت في تلك الحرب تربعت على عرش العالم بأسره باسم مجلس الأمن والجمعية العام للأمم المتحدة والقانون الدولي، وأصبحت تتحكم فيه إلى الآن، وقد يدوم تحكُّمها فيه حتى يحدث زلزال آخر مثل زلزال الحرب العالمية الثانية.
وحتى لا يُشار لتلك الدول التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية بالهيمنة والعنجهية، أضافت إليها الصين بحجة أنها تستحق حق النقض-الفيتو-نتيجة لقوتها الديموغرافية التي توازي القوة العسكرية والاقتصادية.
ظاهريا وإعلاميا، يظن العالم أن الأمم المتحدة، خاصة مجلس الأمن، هي حَكم عالمي عادل يفرض السلام والأمن، ويفض النزاعات في كوكب الأرض طبقا لقانون ما، لكن في الحقيقة، بعد الذي حدث في فلسطين والصحراء الغربية من فشل، ظهر أن هذا كله غير صحيح ولا يمكن تصديقه إلى ما لانهاية.
الأمم المتحدة هي، فعلا، حَكم عالمي لكن حُكمها هو، دائما، لصالح أعضائها الكبار الخمسة الذين يمتلكون حق الفيتو، ويلعبون بالقضايا كأنما هي لعبة ورق على طاولة في مقهى. فكل القضايا التي عالجتها الأمم المتحدة ومجلس أمنها كان الحُكم فيها، دائما، لصالح أحد أعضائها ممن له مصلحة في حل تلك القضية.
إن فكرة تكوين مجلس الأمن لم تقوم على أساس إقامة العدل وحل القضايا طبقا للقانون، لكن تكوّن للقيام بمهمة يسمونها حِفظ الأمن ومنع الحروب فقط دون مراعاة صاحب الحق من غيره، خاصة إذا كانت القضايا التي يعالج لا تهم كثيرا أحد من أعضائه مثلما هي الحال في قضية الصحراء الغربية.
من الإجحاف الآن أنه، بعد نهاية الحرب العالمية بحوالي ثمانين سنة، لازالت الدول التي انتصرت فيها تتحكم في العالم باسم مجلس الأمن، وترفع الفيتو حين لا يتماشى قرار ما مع مصالح إحدى تلك الدول.
القضية الفلسطينية والمسألة الصحراويةمن أهم القضايا التي عالجتها الأمم المتحدة وفشلت فيها نجد قضية فلسطين الواضحة التي لا غبار عليها، والتي نفضت منها الأمم المتحدة يدها لأن إحدى دول مجلس الأمن-الولايات المتحدة-تساند الاحتلال ال”إسرائيل”ي، وتهدد بالفيتو كلما ظهر أن هناك قرارات خطيرة على وجود “إسرائيل”.
لكن إذا كانت القضية الفلسطينية كشفت أن الأمم المتحدة، بمجلس أمنها وجمعيتها العامة، تعمل وتتعامل بطريقة غير سليمة مع القضايا التي تقوم بمعالجتها، فإنها مع ذلك لم تؤكد حقيقة فشلها الميداني، وبقيت تُسييره بالدوران في نفس الحلقة المفرغة.
القضية الثانية التي عالجتها الأمم المتحدة وفشلت فيها فشلا ذريعا هي قضية الصحراء الغربية. هذه القضية كانت هي القطرة التي أفاضت الكأس وجعلت العالم يكتشف، أخيرا، أن الأمم المتحدة هي منظمة فاشلة تتعامل وفق مصالح وليس وفق قانون.
لقد فشلت الأمم المتحدة، بحسب المؤلف، فشلا مدويا في حل القضية الصحراوية رغم وضوحها وبساطتها وعدم تعقيدها. فهذه القضية لا تتطلب أكثر من حل ديمقراطي هو عبارة إجراء استفتاء حر ونزيه بسيط طبقا لقرارات الجمعية العامة منذ سنة 1965م إلى حد الآن.
لقد كشفت قضية الصحراء الغربية، بعد فشل الأمم المتحدة في حلها، الخلل الكبير في القانون الدولي، وكشفت أن ذلك القانون ما هو إلا ورقة ومواد يتم التلاعب بها إذا كان الحل في غير صالح إحدى تلك الدول التي تمتلك الفيتو.
فحين لا يكون الحل في صالح إحدى الدول الأعضاء في مجلس الأمن، تساعدها الدول الأخرى لتحويل مسار القانون عن سكته، وتقوم بإبطاله أو تُحرِّفه ليكون على مقاس ما تريد تلك الدولة.
حين ننتبه ولو للحظة نفهم بسهولة كيف تتبادل دول مجلس الأمن الأدوار ليساعد بعضها البعض حينما يتعلق الأمر بالمصالح. بسيطة؛ يحدث ذلك عن طريق علمية ابتزاز وبيع وشراء خفية كبيرة وراء الستار، ويتم تطبيق مبدأ: “أسكت عني هنا، وأنا أسكت عنك هناك، والكلام للكاتب دائما.
فمثلا، منذ البداية، حين أحتل المغرب الصحراء الغربية ضد كل القوانين وضد التاريخ والجغرافيا، كان واضحا أن تلك القضية، إذا عادت معالجتها لمجلس الأمن، سيتم حلها لصالح فرنسا، العضو الدائم صاحب الفيتو في المجلس التي تحمي المغرب تاريخيا وتعتبر شمال غرب إفريقيا حديقتها الخلفية.
في القضية الفلسطينية، كان واضحا، أيضا، أنها إذا بقيت في يد مجلس الأمن، فسيكون الحل، طبقا لتعاملات مجلس الأمن الداخلية، لصالح الولايات المتحدة التي تحمي “إسرائيل”.
يرجع فشل الأمم المتحدة في قضية الصحراء الغربية إلى نقطتين: الأولى؛ هو أنها، بدل أن تطبق القانون حرفيا، سعت لتمييعه كي يصبح على مقاس المغرب(فرنسا)؛ الثانية، منعت الشعب الصحراوي عن طريق الضغط عليه بمخطط سلام وهمي من مواصلة كفاحه المشروع الذي كانت الأمم المتحدة، نفسها، قد أقرته في قراراتها.
فبدل أن تنظم الأمم المتحدة الاستفتاء البسيط في الصحراء الغربية عملت على محورين: الأول، تحولت بعثتها إلى حارس للاحتلال المغربي غير الشرعي، ولم تضع الإقليم تحت سلطتها ولم توقف نهب الثروات ولم تراقب حقوق الإنسان.
بالنسبة للمحور الثاني، بدأت طريقة ممنهجة للخروج عن القانون الأصلي في محاولة لتحويله إلى قانون جديد على مقاس الاحتلال يتم من خلاله إقبار تقرير المصير. الآن، يسجل التاريخ للشعب الصحراوي الصغير المسالم أنه كشف حقيقة الأمم المتحدة للعالم وأظهرها في وضع مخجل، وسلط الضوء على صورتها الحقيقية التي حاولت أن تخفيها طويلا عن أعين العالم.
تبقى الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع هي أن قضية الصحراء الغربية، إذا لم تتم معالجتها بسرعة، قد تجعل الأمم المتحدة تفشل وتنهار. كانت تلك الفقرات مجرد ومضات فقط، من محتوى الكتاب الوثائقي العلمي التحليلي الثريّ والشيق، لا تغني عن قراءته بإمعان للاستفادة من معلوماته الغزيرة ومنهجيته التفكيكية لفهم عمق وأبعاد القضية الصحراوية ومسارها منذ نصف قرن، واستشراف مستقبلها في سياق الوضع الإقليمي الدولي.
تجدر الإشارة إلى الكاتب حمدي يحظيه من الصحراء الغربية، مولود سنة 1966م بالساقية الحمراء، له مؤلفات عديدة منشورة، منها: “الصحراء الغربية آخر مستعمرة في إفريقيا”؛ “البوليساريو، كفاح، شرعية وصمود”؛ “المقاومة الصحراوية السلمية: لا بديل عن تقرير المصير”؛ “موقف الولايات المتحدة الأمريكية من قضية الصحراء الغربية”؛ “فرنسا وعقدة الصحراء الغربية”. كما له أعمال أخرى في الرواية والقصة القصيرة، و له إسهامات عديدة في الكتابة الصحفية في الكثير من الجرائد والمجلات. المصدر: موقع الحراك الإخباري