موسى ابلال، إبن القاع الذي انصفته كفاءته رغم حيف سدنة الهيكل..

14

بعد ان بلعت دولة ساحل العاج حضور الدولة الصحراوية في قمة الشراكة الاوروبية – الافريقية بمرارة واضحة ، حاول المكلفون بالبرتكول الرئاسي يوم القمة معاملة الرئيس الصحراي بنوع من الازدراء ، غير ان شابا صحراويا أسمر السحنة تفطن للحيلة وافسد رهانات العدو وازلامه ، لم يكن ذلك الشاب سوى موسى ابلال ، المكلف بالشؤون الافريقية في الخارجية الصحراوية. لم تثر صورة الشاب إنتباه كثيرين ، قفزوا على فطنة موسى ابلال ليسوقوا للناس انهم من صنع النصر في كوت ديفوار.

انتهت القمة وتلاشى الحديث عن إنتصارات خلف غبار واقعنا المزري ، وقطف البعض نجاح الحضور الصحراوي ليضيفه الى رصيده الشخصي عبر تسجيلات الواتساب ، عكس هؤلاء عاد موسى ابلال الى مكانه المعهود بين المطحونين من ابناء هذا الشعب وهم الاغلبية الصامتة ، بعد صخب قمة ابيدجان عاد موسى ابلال ليركن سيارته الشخصية وسط طابور سيارات الاجرة كعادته ، فبعد كل دوام يومي وقبل مغيب الشمس على منكبنا القصيء ، يوقف موسى سيارته ينتظر مسافرين كي يجد قوتا لعائلته بعرقه لا بتسوله المطالب او سرقته المشاريع والمساعدات.

يجهل الكثيرمن الذين ينصبون صواريخهم للمدح والتسول في جلباب النظام واهله سيرة موسى ابلال، ابن القاع الذي انصفته كفاءته رغم الحيف الذي مورس عليه طويلا فصبر وثابر ، فقد ذاق الرجل من سم التنكر والازدراء الكثير ، وعلى ظهر موسى ابلال ككل المخلصين صعد الكثير من المتملقين والجهلة والقبليين والفاسدين ، لكن موسى ابلال ظل واقفا رغم كل العاتيات والهزات. قضى الرجل سنوات طويلة في الاذاعة الوطنية الصحراوية ووزارة الاعلام ولم يشرف ولو لمرة واحدة باستحقاق يناله ، فلم يصعد يوما مديرا او امينا عاما او حتى سائقا في دولة السائق فيها احيانا يصبح هو الوزير والامير والأمر والناهي يقيل من يشاء ويرقي من يشاء ومن اهل الحظوة الذي يفوق حتى قرارات مجلس التسيير .

دخل موسى ابلال صوت الشعب الصحراوي وظل صوته مذيعا متمكنا يطرب الذين يستيقظون وينامون على روعة الاداء وجمال اللغة ، من الاذاعة قبل ان ينتقل الى اسبوعية الصحراء الحرة ، كانت الاذعة حينئذ تغرق رويدا رويدا في عصر ضعفها وبدا الاعلام يتحول الى ممالك في عهد الوزير سيداحمد بطل ، اختار موسى ابلال ولفيف من الصحفيين الشرفاء كظم الغيظ والصبر على نوائب التنظيم واداء عملهم بصمت ومعاناة ، كانت كذلك مظاهر المادة قد بدأت تغزو المخيم واضحت الثورة بالثروة و”القفازة” وتلك اشياء لايتقنها موسى ، ففضل الحفرة وعرق جبينه عن اموال الايتام وارامل الشهداء والمستضعفين ، وحين ضاق المخيم هاجر موسى مكرها وابقى شعرته مع المهنة التي قدم لها شبابه ، هناك في اسبانيا التي يتقن لغتها واعد بها رسالة اجازته الجامعية، لم ينسى موسى الرفاق في وزارة الاعلام ومعاناتهم فكان كل مرة يطل عليهم بهدايا وبعض الاجهزة الالكترونية التي تفيدهم في العمل.

بعد سنوات من العطاء في صمت داخل وزارة الاعلام إنضم موسى ابلال الى وزارة الخارجية بحكم كفاءته في مقرها الجديد قرب المخيم ، مسك الرجل ملف افريقيا ولكنه ظل بعيدا مثلما هو حتى الآن عن الاضواء وعن “اتشرتيت” ، لانه ابن القاع الذي يفضل ان يظل بين المطحونين بشرف وكرامة ، تقاسم القوم مغانم افريقيا ورحالاتها على رأس الرجل ، واضحت افريقيا مطمع كثيرين يبحثون عن مصروف الجيب بينما كان موسى ابلال يبحث عن قوة عياله من سيارته المتهالكة ، كل مساء مصحوب بغليونه ينفث الرجل دخانه وسط البسطاء على طريقة العظام ، كثيرا مانتبادل صور وزير حكومة اوروبي يمشي على دراجته الى منزله او يستخدم القطار الى مكتبه ، ولكننا نجهل قصة موسى ابلال الذي تجده كل مساء في الطابور بلا “اريوش” ، انه تجسيد للاطار الذي يلتصق بالقاعدة ويتماهى معها بكل تواضع .

عكس كل الذين تم تعينهم رفقته ومع انهم شباب اكفاء اكاديميا في الاغلب ، ينفرد موسى ابلال بانه الوحيد الذي تدرج من القاع الى القمة بكل تفاني وصبر ، لم يأتي الرجل في موجة “افقايع” لشراء ذمة قبيلة ، لم يندرج في حراك الاخوة ذوي البشرة السمراء او يستغله لأغراض شخصية مثلما يفعل بعضهم ، ولم يأتي من الفوق لان الوزير علان او فلان قدم له الرعاية ، ولم يكن قريب لزعيم اتى به من الجيش ، جاء موسى ابلال من داخل العمل التنظيمي ومن صلب القاعدة الصامتة التي تكد لتحصيل لقمة عيشها بكل كرامة و عن طريق الحلال.

الآن تنتصر كفاءة موسى ابلال بكل جدارة واستحقاق لانه اجتهد وصبر ، ومن سار على الدرب رغم كل مطباته سيصل. تحية تقدير لموسى ابلال وغيره من الكفاءات الوطنية الصامتة في مؤوسساتنا الوطنية.