نزاع الصحراء والطريق إلى جنيف: سيناريوهات الحلّ ومطبّاته

24

تعود قضية نزاع الصحراء إلى واجهة الأحداث الدولية بعقد مباحثات بين الأطراف الرئيسية لهذه القضية: المغرب وجبهة البوليساريو، وأيضاً الأطراف الأخرى المعنيّة بالملف، والمتمثلة بالجزائر وموريتانيا، وذلك في مدينة جنيف السويسرية اليوم الأربعاء وغداً الخميس. وتأتي أهمية هذه المباحثات، التي يحرص المغرب على تسميتها بـ”المائدة المستديرة”، وجبهة البوليساريو على نعتها بالمفاوضات المباشرة، من كونها مباحثات تروم حلحلة نزاع الصحراء وإزالة الجمود في طريق إيجاد حلّ للملف، خصوصاً أنّ آخر مفاوضات بين هذه الأطراف تعود إلى زهاء عشر سنوات.

وكان المغرب قد قدّم في 11 إبريل/ نيسان عام 2007 للأمين العام للأمم المتحدة حينها، كوفي أنان، مبادرته لحل نزاع الصحراء من خلال نظام الحكم الذاتي في المنطقة. وفي يونيو/ حزيران من العام نفسه، وافق المغرب والبوليساريو على مفاوضات مباشرة نظّمت في نيويورك، قبل أن تتجمّد هذه المفاوضات منذ ذلك الحين، إلى أن أعلن أخيراً عن عقد مفاوضات في جنيف.

ودعا مبعوث الأمم المتحدة إلى منطقة الصحراء، هورست كوهلر، في أغسطس/ آب الماضي، كلاً من المغرب والبوليساريو والجزائر وموريتانيا إلى عقد مباحثات في جنيف يومي 5 و6 ديسمبر/ كانون الأوّل، وهي الدعوة الأممية التي استجابت لها الأطراف الأربعة بطرق مختلفة. فقد وافقت الرباط على حضور “المائدة المستديرة” أو “طاولة النقاش” على أساس أن تحضر الجزائر أيضاً بصفتها طرفاً في النزاع وليست مراقباً، وهو ما تتحفظ عليه الجزائر.

كما أنّ البوليساريو المطالبة بانفصال الصحراء عن سيادة المملكة، قبلت بالحضور من خلال وفد يتشكل من رئيس ما يسمى “برلمان الجبهة”، خطري الدوه، ومنسق الجبهة مع بعثة “المينورسو” (البعثة الأممية في الصحراء)، أمحمد خداد. وفي السياق، قال مصدر دبلوماسي مغربي مسؤول، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، إنّ “المغرب سيحضر إلى جنيف برغبة ونية إيجابية، بعيداً عن أي تشكيك في نجاح اللقاء، كما صدر عن بعض الأطراف الأخرى” (في إشارة إلى البوليساريو)، مؤكداً أنّ “الرباط لديها تصوّر واضح لحلّ النزاع، ولن تحيد عن مبادرتها الواقعية المتمثّلة في إرساء حكم ذاتي في الصحراء”.

مستجدات قبل جنيف

وقبيل عقد لقاء جنيف، ومنذ دعوة كوهلر الأطراف الأربعة إلى هذه المحادثات، عرف المشهد المرتبط بالصحراء مستجدات سياسية مهمة عدة، أوّلها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2440 الخاص بالصحراء الصادر في نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وقد ثمّنت الرباط مضمون هذا القرار، واعتبرت أنه جاء ليُحمّل الجزائر المسؤولية في الملف،

من خلال دعوتها للحضور إلى محادثات جنيف بصفتها طرفاً، وليست مراقباً رسمياً، ولأنّه قرار دعا البوليساريو إلى الانسحاب من منطقة الكركرات منزوعة السلاح على الحدود المغربية الموريتانية. أما البوليساريو، فقد تحفّظت على القرار، ودعت مجلس الأمن إلى الضغط على المغرب.

المستجد الثاني الذي جاء في “الطريق نحو جنيف”، تمثّل في التقارب الكبير بين المغرب وموريتانيا، عبر تبادل السفراء بين البلدين الجارين، بعدما كانا يمرّان في “أزمة دبلوماسية صامتة” اتسمت بعدم تعيين السفيرين، وكذلك عبر تبادل الرسائل الودية، وأيضاً زيارات مسؤولين كبار بين البلدين.

واتفق الجانبان في لقاءات عالية المستوى على ضرورة التعاون الثنائي في العديد من المجالات، وعلى انعقاد الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة المغربية الموريتانية، وهو ما تم اعتباره نقلة نوعية في علاقات المغرب بجاره الجنوبي، بالنظر إلى التوتر الذي كان سائداً بين الرباط ونواكشوط، تجلى في أكثر من مرة في استقبال الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، لقيادات في جبهة البوليساريو.

هذا التحسّن في علاقات المملكة وموريتانيا قبيل لقاء جنيف، فسّره مراقبون على أنّه رغبة من الرباط في استمالة نواكشوط وكسب ودها، لتقف في صف المغرب خلال مباحثات جنيف، فيما اعتبر آخرون أن لا علاقة لذلك بملف الصحراء، بقدر ما هو نتيجة لسيرورة التحركات الدبلوماسية بين البلدين.

أمّا المستجدّ الثالث الذي كان لافتاً خلال الفترة التي جاءت بعد دعوة الأمم المتحدة أطراف النزاع إلى مباحثات جنيف، فتجسّد في دعوة العاهل المغربي، الملك محمد السادس، الجزائر، إلى حوار ثنائي مباشر، هدفه حلّ الخلافات القائمة بدون قيد أو شرط. وهي الدعوة التي اعتبرها مراقبون بأنها تأتي ضمن دعوات سابقة للمغرب لم يتم التجاوب معها، بينما وجدها آخرون محاولة من الرباط لكسب نقاط لصالحها عند “لقاء جنيف”، في الوقت الذي لم ترد فيه الجزائر رسمياً على الدعوة، واكتفت وزارة الخارجية الجزائرية بالدعوة إلى عقد قمة مغاربية على مستوى وزراء الخارجية.