طاهر فطاني
أفريقيا برس – الصحراء الغربية. خطوة استفزازية فرنسية جديدة ليس فقط تجاه الجزائر، بل ضد كل الدول، خاصة الإفريقية منها، الداعمة لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، كون باريس جددت دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية في ملف الصحراء الغربية، بحسب ما أفاد به بيان لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، حيث أورد: “أخذت الحكومة الجزائرية علما، بأسف كبير واستنكار شديد، بالقرار غير المنتظر وغير الموفق وغير المجدي الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بتقديم دعم صريح لا يشوبه أي لبس لمخطط الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية المزعومة”.
تفاديا لأي توتر جديد في علاقاتها مع الجزائر، استبقت باريس بإبلاغ السلطات الجزائرية بموقفها الجديد-القديم وفق ما اكده ذات البيان: ” قد تم إبلاغ السلطات الجزائرية بفحوى هذا القرار من قبل نظيرتها الفرنسية في الأيام الأخيرة”، وهو ما يعتبر في “الوسط الدبلوماسي”، خطوة استباقية توضح من خلالها باريس للجزائر ان موقفها لا يجب أن يؤثر على العلاقات الثنائية لتجنب عاصفة ثلج جديدة قد تعصف بالعلاقات الجزائرية-الفرنسية.
إلا أن الرد الجزائري كان واضحا وشديد اللهجة، حيث ذكر بيان الخارجية الجزائرية أن الموقف الفرنسي يتماشى مع الرؤية الاستعمارية: ” على ما يبدو، فإن القوى الاستعمارية، القديمة منها والحديثة، تعرف كيف تتماهى مع بعضها”، يقول البيان، قبل أن يحمل الحكومة الفرنسية تداعيات هذا الموقف: “ستستخلص الحكومة الجزائرية كافة النتائج والعواقب التي تنجر عن هذا القرار الفرنسي وتُحمِّل الحكومة الفرنسية وحدها المسؤولية الكاملة والتامة عن ذلك”.
باريس ومن خلال موقفها هذا، ترمي بثقلها لدعم سياسة “الوضع القائم” التي تنتهجها في القارة السمراء، وفق سياسة الأرض المحروقة في نسخة جديدة لإدخال إفريقيا، من جديد، في نفق مظلم خاصة بعد طردها من قبل الحكومات والشعوب الإفريقية الرافضة لنهب فرنسا الاستعمارية لثروات الأفارقة.
موقف باريس لا يخدم بأي حال من الأحوال أهداف السلم
وما موقف باريس هذا إلا دليل على محاولة الحكومة الفرنسية لإطالة عمر الأزمة وحالة الجمود التي يعرفها الملف في الأمم المتحدة بسبب خطة الحكم الذاتي، وهو الأمر الذي ندد به بيان الخارجية: “القرار الفرنسي لا يخدم بأي حال من الأحوال أهداف السلم في الصحراء الغربية، ويتسبب في إطالة أمد جمود العملية السياسية لحل هذه القضية، ويساهم في تكريس الأمر الواقع الاستعماري في هذا الإقليم”.
ويأتي القرار الفرنسي في الوقت الذي تسجل فيه القضية الصحراوية دعما كبيرا من قبل عدة دول العالم، وهو ما يعتبر بمثابة سترة نجاة أهدتها باريس للرباط: “وعلى الرغم من أن المجموعة الدولية على قناعة منذ أمدٍ طويل بأن قضية الصحراء الغربية تُمثل دون أدنى شك جزءا لا يتجزأ من مسار تصفية الاستعمار الذي ينبغي استكماله على أمثل وجه، فإن ذات القرار الفرنسي يسعى إلى تحريف وتزييف وتشويه الحقائق من خلال تأييد واقع استعماري وتقديم دعم غير مبرر لسيادة المغرب المزعومة والوهمية على إقليم الصحراء الغربية”، مثلما أوضحه بيان الجزائر، مضيفا: “في الوقت الذي تحشد فيه الأمم المتحدة مساعيها الحميدة لإعطاء زخم جديد لمسار البحث عن تسوية سياسية للنزاع في الصحراء الغربية، فإن القرار الفرنسي يناقض هذه الجهود ويعرقل تنفيذها ويتعارض مع المصلحة العليا للسلم والأمن والاستقرار في المنطقة”.
التشويش على دي ميستورا
كما يعتبر موقف باريس، بصفتها عضوا دائما في مجلس الأمن، كمحاولة للتشويش على مهمة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، والذي هو بصدد إعداد تقرير مفصل يتضمن ما وقف عليه من العراقيل التي تمنع الوصول إلى تسوية نهائية لهذا الملف، الذي يحشد يوما بعد يوم دعما دوليا من الحكومات والشعوب التي ترافع من اجل حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، مثل ما جاء في الرد الجزائري: “وما يزيد من عدم مقبولية هذا القرار، أنه يصدر من دولة دائمة العضوية بمجلس الأمن يفترض بها أن تتصرف وفقا لقرارات هذه الهيئة بشكل خاص ووفقاً للشرعية الدولية بشكل عام”.
حسابات سياسية داخلية وخارجية ضيقة
وبالعودة الى خلفيات القرار الفرنسي، فهو ناتج عن حسابات سياسية داخلية وخارجية ضيقة في الكثير من الأحيان، وليست وليدة موقف إستراتيجي يرعى مصالح الدولة في مواقفها وعلاقاتها الخارجية.
وتقتصر النظرة الضيقة لقصر الاليزي، خاصة منذ تنصيب الوزير الاول غابريال عطال، على رأس الحكومة، وتحديد إعادة العلاقات الفرنسية-المغربية إلى السكة كضرورة مستعجلة، بعد توتر لعدة سنوات، وعودة العلاقات تمر حتما، وفق شروط الرباط المنحصرة في جلب دعم وهمي لخطة الحكم الذاتي، وهذا ما يفسر هرولة حكومة عطال إلى اتخاذ هذا القرار قبل دخول اليسار إلى فندق ماتينيون، واستلامه الهدية المسمومة التي يرثها من حكومة سلفه.
سياسة المساومة والمتاجرة المبنية عليها العلاقات الفرنسية- المغربية، ترفض الجزائر إن تكون هي أساس علاقاتها مع شركائها ولا تقبل المساومة في مواقفها الداعمة للقضايا العادلة كما ترفض مناقشة الملفات تحت الطاولة، بل تفضل انتهاج سياسة واضحة تطرح كل الملفات فوق الطاولة ومناقشتها وفق مبدأ الندية والدفاع على مصالح الجزائر، وهو المبدأ الذي أزعج باريس منذ تولي وصول عبد المجيد تبون الى الحكم الذي فرض ضرورة احترام المواقف الجزائرية ورعاية مصالحها.
النظرة الضيقة لموقف الإليزي يمكن تفسيرها ايضا في إطار السياسة العامة للرئيس ماكرون الذي ادخل فرنسا في عدة أزمات سياسية داخليا وخارجيا.
ويرى البروفيسور توفيق بوقعدة في تصريح لـ”الشروق” اليومي بأن ماكرون يحاول أيضا استعطاف أنصار اليمين المتطرف المتبني لنفس الموقف في الملف الصحراوي، قائلا: “أعتقد أن فرنسا أقدمت على خطوة الاعتراف بالسيادة المغربية المزعومة على الصحراء الغربية في هذا التوقيت رغم مراوغاتها القديمة في دعم الطروحات المغربية عبر شبكة علاقاتها الدولية إلا أن دبلوماسيتها ظلت تعبر عن الشرعية الدولية”.
وإقدامها على هذه الخطوة، يضيف بوقعدة، جاء في تقديري بناء على حسابات سياسية داخلية ضيقة، ذلك أن ماكرون بعد خسارته المذلة في الانتخابات البرلمانية وتهديد اليمين المتطرف باكتساح مقاعد البرلمان في الجولة الأولى، أدرك بأن تسيّد هذا التيار على دواليب الحكم في فرنسا ما هو إلا جولة أخرى من الانتخابات، فأراد سحب احد الأوراق التي يرتكز عليها اليمين الذي يعلن صراحة دعمه للمقترح المغربي، ويحاول يائسا بهذه الخطوة تجفيف منابع المؤيدين له والداعمين من اللوبيات الصهيونية والمغربية، على حد تعبيره.
أما على الصعيد الخارجي، يقول المحلل بوقعدة، فإن الرئيس ماكرون يسعى “بعد خسارته لجلّ أوراقه في إفريقيا إلى إعادة هندسة مصالح فرنسا بدعم مغربي في بعض الدول التي أغلقت بابها في وجهه، وكذا الحصول على فتات الاستثمارات المغربية في منطقة الصحراء الغربية المحتلة، وقد تجلت بوادر ذلك من خلال المواقف الفرنسية على تمويل نقل الكهرباء للصحراء الغربية واستثمارات في مجال الطاقة الشمسية والطرق السريعة”.
مع تعدد الحسابات الضيقة والتقديرات الخاطئة، يكون الرئيس ماكرون قد أطلق رصاصة الرحمة على السياسة الخارجية الفرنسية، خاصة وأن هذا الانقلاب والخيانة التاريخية لن تغير شيئا من واقع القضية الصحراوية في المحافل الدولية ولن تنال من عزيمة الشعب الصحراوي الذي يسجل عدة انتصارات على المستوى السياسي والقضائي وحتى العسكري.
ولعل في موقف الرئيس السابق دونالد ترامب عبرة بعد إبرامه “لصفقة القرن” أسبوعا واحدا فقط قبل انتهاء عهدته ولم يتغير شيئا في النتيجة النهائية، لأن القضية الصحراوية، وبعد نصف قرن، تسجل سنة بعد سنة دعما غير منته، إذ أن عزيمة الشعب هي من تنتصر في الواقع وليس الاعترافات الوهمية في المواقع.
المصدر: الشروق أونلاين
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية عبر موقع أفريقيا برس