بعض أسس الخطاب السياسي الصحراوي في المرحلة الراهنة

29
بعض أسس الخطاب السياسي الصحراوي في المرحلة الراهنة
بعض أسس الخطاب السياسي الصحراوي في المرحلة الراهنة

افريقيا برسالصحراء الغربية. تناولنا ،في منتصف السنة الماضية في الجزء الثالث من مقال : المشروع الوطني ومآلاته،الخطاب السياسي،تحت عنوان: الخطاب السياسي كوعي ذاتي بالحقبة التاريخية ,،ووعيا منا بأهمية الموضوع وبتغير الشروط التاريخية ارتأينا أن نقوم بكتابة هذا التصور،حول مضمون وشكل الخطاب الصحراوي باعتبار المتغيرات على الساحة الوطنية .

لا نستطيع كحركة تحررية من جهة ،أو كدولة من جهة اخرى , التعبير عن آمال الشعب الصحراوي ،إلا بخطاب سياسي،علمي،مركز،ومتناسق،يعكس الإرادة السياسية للشعب الصحراوي في التحرر ،وعدالة قضيته،ويشكل أساس الوعي الحقيقي والعلمي بالواقع الإجتماعي،وبكل شروطه المؤثرة سواء منها الذاتية أو الموضوعية،وكل هذا يعتمد,بشكل عام, على نسبة التطابق بين الشروط التاريخية والوعي الذاتي بها لدى منتجي الخطاب السياسي العلمي،وكل المثقفين والمبدعين بصفة عامة, وقدرتهم على التعبير عنه وصياغته في قوالب أو جمل مقبولة للمتلقي،أو على الأقل مفهومة، ومقنعة بعلميتها وهذا أمر روتيني وموجود على الأقل منذ تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساڭية الحمراء وواد الذهب،وما يستجد هنا هو المعطيات التاريخية المتغيرة باستمرار والتي عرفت في السنوات الأخيرة تغيرا مذهلا لم يتوقعه أغلب المحللين, وهذا سيتطلب منا كتابة أجزاء أخرى من هذا التصور تكون مخصصة ان شاء الله للتطبيقات السياسية وأغلب تجليات السياسي والإيديولوجي خصوصا في الممارسات الأكثر راديكالية: كموقف ترامب فيما يخص السيادة على الصحراء الغربية عندما خسر نها ئيا الرهان على الرئاسة.

ان تحالف الرجعية العربية ــــ الأوليغارشية ـــــ والإمبريالية العالمية ، ضد حركات التحرر أي ضد مصلحة الشعوب وصل اقصى ما يمكن ان يصل اليه،وهنا لا نتساءل عن موقف الرجعية العربية من قضايا التحرر، من القضية الفلسطينية، أو الصحراوية مثلا لانه معروف تاريخيا،ولكنها كانت دائما تخفي هذا الموقف بغطاء الإنتماء القومي او الديني الذي استعملته تاريخيا لإخفاء نشاطها الصهيوني،هذا الغطاء الإيديولوجي السلبي الزائف يعتمد أساسا وظائف نقيضة لكل ما يمكن أن يكون مضمونه تحرريا ولذلك يغيب عند الممارسة السياسية الفعلية، لهذه الحكومات الرجعية ,هذا الغطاء الزائف كما في مسألة التطبيع الذي تم اعلانه في اواخر 2020 ونحن نعتقد انه اي التطبيع قائم وموجود منذ ستينيات القرن الماضي وليس فقط تطبيع علاقات ,بل كان مسلسل من التعاون بين الصهيونية العالمية والصهيونية العربية على كل المستويات لبسط الهيمنة ليس فقط على الشعب الفلسطيني،ولا على الشعوب المقاومة فقط بل على الشعوب التي لم تقاوم أصلا من اجل ان لا تفعل, ولذلك لم تقم هذه الصهيونية العربية قبل إعلان التطبيع بمشورة الشعوب لا على المستوى البرلماني ولا استفتاء الشعوب بشكل مباشر, رغم عدم ديمقراطية هذا التصرف , حتى بالمعنى الشمولي لمفهوم الديمقراطية ،بل فرض على الشعوب ومن هنا تبدأ قوى الإمبريالية في تحطيم مايسمى بمفهوم الديمقراطية بحيث تصفق لهذه الديكتاتوريات,عملية التطبيع هذه, اللا ديمقراطية:وتجزء مفهوم الديمقراطية كمفهوم وجودي ,كأيديولوجية برجوازية رأسمالية ,وكمفهوم حقوقي شمولي،ذلك أن بريطانيا خرجت من الاتحاد الأوروبي بسبب نتائج استفتاء الشعب البريطاني مثلا, فكيف بشعوب لم يؤخذ رأيها في مسألة التطبيع المصيرية بالنسبة للشعوب العربية خاصة, والشعوب الحرة عامة, هذه الأوليغارشية والإمبريالية العالمية التي لا نسب لها ولا دين فقط يحكمها انتماءها إلى الصهيونية العالمية المسيطرة على وسائل الإنتاج العالمية إنطلاقا من سيطرتها على مصادر الطاقة والمعادن الإستراتيجية وهي بهذه الحال من يحدد علاقات الإنتاج،رغم ان هذا المفهوم تغير كثيرا مع معاهدات الإستعمار الجديد وتطورها تاريخيا وتحولها , بالنسبة لأفريقيا مثلا على المستوى الشكلي من فرنكو افريقية إلى اورو أفريقية، ولا تكمن خطورتها فقط في عملية نهب ثروات الشعوب الفقيرة والمحكومة بتحالفات طبقية كولونيالية وإنما تكمن خطورتها في شرعنة هذا النهب وجعله جزء من الالتزامات الدولية تماما كما حدث مع أجندة التنمية المستدامة وانتهاكها لسيادة التي لم تقرر مصيرها بعد رغم ان هذه الأجندات مؤطرة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان,وكل هذا أثر سلبا على حق الشعوب في تقرير مصيرها وفي الإستقلال وتقليص مجال المقاومة لديها، وهذا ما يحدث في بوركينا فاسو ومالي والنيجر والسنغال والمغرب وكل الدول الإفريقية التي تحكمها معاهدات الإستعمار الجديد كما لوكانت التزامات دولية شرعية والشعوب طبعا واعية بهذا، سواء عن طريق الوعي العلمي، المنقول إلى إدراكها الذاتي عن طريق المعرفة العلمية ،أو واعية فقط عن طريق حدسها وتأملها في العلاقات المشبوهة, وهو وعي تحس من خلاله أنها مظلومة رغم كونه وعي مشوه، وقد حددنا في قاعدة عامة سابقا أن الوعي لا يكون إلا نخبويا او مشوها.

الإشكالية أن كل هذه الأدوات السياسية والقانونية والاقتصادية والعسكرية،التي انتجها تحالف الإمبريالية والصهيونية لم تقابلها الشعوب بما يكفي من الأدوات المادية والعلمية المقاومة ،والقضية الصحراوية من هذا المنطلق هي الجبهة الأمامية لصراع الشعوب الإفريقية ضد الهيمنةمما يجعل الإتحاد الإفريقي وكل المنظمات والشعوب المناهضة للعلاقات الفرنكوافريقية بل المناهضة للهيمنة الإمبريالية المتجددة في الإستعمار تهمها كل قضايا التحرر ,كقضية وطنية لها.

الواضح ان هذه الإيديولوجية العلمية ،يغييبها خطابنا السياسي ويعمل في نفس الوقت على تحقيق وظائفها، وهذا التغييب هو مؤشر على هيمنة الخطاب السياسي النقيض والإيديولوجية السالبة.

, بدون خطاب،سياسي،قانوني،ثقافي،علمي،مرحلي ومميز لا يمكن أن ننتظر تحقيق الوظائف الأيديولوجية (بالمعنى الإيجابي للكلمة) المرجوة منه لأن البنية الأيديولوجية هي المحددة للبنية السياسة وتتحدد بها،بمعنى أن قوة البنية السياسية وتطورها يعتمد على ما تحققه من الوظائف الإيديولوجية التي , :تنقسم ،إلى قسمين أساسيين،الخطاب الموجه للخارج وهو أساس كل المرافعات السياسية والقانونية، وأساسه الحقيقي هو المعطى القانوني، الذي يستند أساسا على شرعية, وعدالة القضية الوطنية , ووضوحها على مستوى القانون الدولي باعتبارها قضية تصفية استعمار لا لبس فيها،وكلما كان الخطاب علميا وواضحا فإنه يسجل انتصارا على الخطاب التحريفي الذي ما فتئ يصدر عن العناصر العرضية او الخطاب السياسي لأجندة الاحتلال.

وظيفة الخطاب الداخلي الموجه للشعبالصحراوي،وأساسه نقل الوعي الحقيقي بالواقع الإجتماعي للإدراك الذاتي الجماعي،للشعب ،وتنشره هيئات التنظيم السياسي التي تغطي كل مجال تواجدات الجسم الصحراوي،تقوم بمهمة التوعية المستمرة وتحديث الوعي الثوري:وهو على وجه التحديد ربط نتائج التحليل العلمي لواقع الثورة بالفعل الثوري،وهنا تحقيق غاية الخطاب السياسي كوعي مرحلي ذاتي بشروط تاريخية محددة من حيث المكان والزمان،يحقق عمليا العلاقة بين معطيات تحليل الدراسات الإستراتيجية الوطنية الواقعية،وبين تأثيرها في الواقع وهي لا شك علاقة جدلية ,ويمكن القواعد الشعبية من إنتاج صيغ فعلها الثوري المسؤول :أي وفق التصور التنظيمي المعبر عنه من خلال هذا الخطاب اي يصبح الخطاب السياسي الداخلي،مشروعا،وبرنامجا للتنظيم الثوري،ومن هنا تنبع اهمية التحليل العلمي فيه،ليس كمبدأ مجرد وإنما كمنهاج فكري نسترشد به في أحلك الظروف ،ونحدث به القطيعة النهائية مع التخمين والتأمل السابق على مبادئ الثورة والعودة لسابق عهد الثورة ولئن كان هذا التقسيم السابق صحيحا نسبيا ،كونه تعريفا للخطاب السياسي الصحراوي بشكل عام،إلا أن نسبة عالية من مضمون هذا الخطاب تتغير مع دخول المرحلة الجديدة،من أجل تقديرها اولا بشكل علمي،ومن اجل المرافعة بعناصرها الجديدة،طبعا لا نقصد هنا تقدير الواقع بشكل علمي ,مطلق لأن هذا يتعارض مع نسبية علم الإجتماع،وإنما نقصد, ان يعكس خطابنا بوضوح الفعل الثوري الذي تطور بنشاط وفق شروط تاريخية حددناها في مقال :المضمون الإيديولوجي لمفهوم حقوق الإنسان وتعارض وظيفته الإيديولوجية مع فكرنا التحرري, _ وقلنا بأن هذه الشروط تهيئات من جديد كي تعطي انطلاقة جديدة لأهم صيغ الفعل الثوري ــــ الكفاح المسلح ـــ كممر مصيري ومفروض، ذلك أن الإحتلال الذي يعول على كل الوسائل المتحالفة مع الأوليغارشيات العالمية والإمبريالية لإجهاض الإنتصار الديمقراطي للثورة , لم يترك للشعب الصحراوي خيارا اخر غير الحرب، وكونه في هذه المواجهة اي الإحتلال اقوى ماديا وأكثر تسليحا وعددا،فإن مواجهته, ممكنة وفعالة فقط بتوظيف كل موارد الجماهير الشعبية الواعية بمسؤولياتها النضالية ومن خلال استنفار كل قوى المجتمع ،وفي جميع تواجداته.

بعض هذه الاليغارشة والصهيونية العربية الجديدة تحديدا, التي تحكم شعوبها بديكتاتورية المال والنسب و توارث الحكم في تعارض صارخ مع مضمون الديمقراطية،ومفهوم الحقوق ومع مضمون سيرورة تطور التاريخ في الانعتاق والحرية، بعض هذه الأوليغارشية المتسلطة والتي تعتبر في دولها حكومات غير شرعية ولا ديمقراطية،ولا شعبية،تنتهك القانون الدولي بفتح مؤسسات لها أو توقع اتفاقيات الزامية، في مناطق محتلة،لم يتمتع شعبها بممارسة حقه في اختيار شكل الحكم الذي يحب العيش في ظله،في ممارسة سياسية غير شرعية من جهة،وكذلك جريمة تمويل الحرب وتسهيل الأسلحة لإبادة شعب تعترف له الأمم المتحدة بحقه في تقرير المصير، والإختيار الحر وهذا يستدعي حقيقة متابعة هذه الأوليغارشية , في المحاكم الدولية.

ما نقصده من عكس واقع الحرب،مثلا،أو واقع المقاومة الباسلة ،التي يقوم بها جماهير شعبنا في المناطق المحتلة،والحصار المفروض عليها،عكس هذه التضحيات والممارسات الإجرامية للاحتلال في الخطاب السياسي الصحراوي،ينبع أساسا من تصورنا،أن البحث في واقع الثورة ونقله الى الوعي الجماعي الصحراوي في عملية تثقيف الجماهير،واستعماله كأدوات للمرافعة،لا ينطلق من الخطاب المثالي الميتافيزيقي ولا من الإيديولوجيا بالمعنى السلبي للمفهوم،ولا ينطلق أيضا من المفاهيم العامة لحقوق الإنسان،تلك المفاهيم ذات المنشأ الإمبريالي والوظائف الإيديولوجية التي لا تحيد عن المنشأ،وإنما ينطلق من مفاهيم :تحررية, حقوقية،تقدمية،علمية، وخصوصا بديلة لمفاهيم الهيمنة, ومن الوقائع على الأرض،أي من احدى فقرات السيرورة التاريخية المحددة زمنيا بالمرحلة الراهنة،ولذلك يجب أن يعكس تحليلها بشكل جلي ودقيق انعكاسات شروطها التاريخية، وهذا في الحقيقة هو ما يميز خطابنا لأننا في الحقيقة نحلل ونوظف كل معطيات الواقع حتى تلك التي ينكرها الإحتلال.

ولو طرحنا السؤال التالي:لماذا ينكر الإحتلال المغربي اندلاع الحرب في نسختها الجديدة؟ ولو حاولنا الإجابة عن هذا السؤال انطلاقا من الإيديولوجيا العلمية اي بالمعنى الإيجابي للكلمة،أو ما نسميه الفكر العلمي،لقلنا أن الإحتلال يخوض ضد الشعب الصحراوي حربا ظالمة, هونفسه اي الإحتلال المغربي السبب في اندلاعها, وهما سببان كافيان لنكرانها.

إن العودة للحرب: برهان كاف على أن الشعب الصحراوي مصمم كما كان قبل ثلاثين سنة على انتزاع الاستقلال الوطني،وهي في نفس الوقت محاكمة للأمم المتحدة المسؤولة عن تصفية الإستعمار من الصحراء الغربية .

وقد أضاعت فرصة ثلاثين سنة من وقف إطلاق النار بسبب رضوخها للعراقيل المغربية , وحينما نتفحص الأمم المتحدة،نجدها منذ أكثر من عشرين سنة لا تتحرك إلا وفق اجندات الدول المسيطرة،مما سبب ضعف استقلاليتها،وكل المؤشرات الدالة على تكون نظام عالمي جديد،يعني بالضرورة تغييرا جذريا في هيئة الأمم المتحدة،أو قطيعة ابستمولوجية مع أسس الإنحراف التي عرفتها،أوموت الأمم المتحدة ,لأنها تصبح عاجزة عن وظيفتها التي انشئت لأجلها،و يتجاوزها التاريخ كما تجاوز عصبة الأمم،او تصبح أمرا لا لزوم له وحينما نبحث مثلا ، سكوت هيئات الأمم المتحدة وبعض المنظمات الدولية عن الانتهاكات والجرائم التي يقترفها نظام الاحتلال ضد المدنيين الصحراويين في المناطق المحتالسياسي لة، فإننا نخلص الى سببين رئيسيين:الأول: هو أن بعض هذه الهيئات ،والوسائل المتحالفة مع الإمبريالية والأليغارشية العالمية، وبالطبع هي أدوات لتكريس واقع الإحتلال والإستعمار.

والثاني: هو كون الوظائف الإيديولوجية لمفهوم حقوق الإنسان , كمفهوم ليبيرالي وجودي تتعارض مع الفكر التحرري وتكرس كذلك واقع الإحتلال والإستعمار. انظر: المضمون الإيديولوجي لمفهوم حقوق الإنسان وتعارض وظائفه الإيديولوجية مع فكرنا التحرري.

إذن من خلال هذا التصور العلمي:فإن مقاومة الشعب الصحراوي ،وكفاحه من أجل الإستقلال،يشكل في حد ذاته مهمة حضارية إنسانية إقليمية وعالمية ،تفسر ولو جزئيا ما يجب تصحيحه من المفاهيم الكونية الخاصة ،بالعدالة والحرية وتدين من يمارسون الهيمنة والاستبداد بذريعة حقوق الإنسان وهذا بعد من أبعاد ثورتنا المجيدة.

الشعب الصحراوي، وشعوب أخرى مثله اقدم واعرق من منظمة الأمم المتحدة ،وتطور الشعب الصحراوي بالخصوص عرف نكبات وحروب العهد الإمبريالي وويلاته، ورغم ذلك بقي متماسكا وصلبا،خلال تلك العهود لأن روابطه الإجتماعية والثقافية والتاريخية ووحدة قيمه المثالية،ومرجعياته، ووحدته الوطنية, اكبر من اي قوة تفتيت خارجية،أما اليوم فهو منظم في في إطار الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب ،والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وهي عامل من عوامل الإستقرار، والأمن والسلم الدوليين ،وهي أسس دولية لا يمكن التفريط فيها في منطقة مثل الساحل الغربي لشمال افريقيا. أهدي هذه الأحرف إلى ارواح الشهداء البررة، الى روح الشهيدة فاتو والشهيد الطاهر:تجديدا لعهدهمكل الوطن أو الشهادة. حسان ميليد علي