تلسكوب جيمس ويب والديمقراطية والإسلام

10
تلسكوب جيمس ويب والديمقراطية والإسلام
تلسكوب جيمس ويب والديمقراطية والإسلام

حسين مجدوبي

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. وسط أخبار الأزمات من حروب وجائحة وغلاء المعيشة في العالم، كانت البشرية شاهدة خلال هذه الأيام على تقدم بشري مدهش، يتعلق الأمر بتلسكوب جيمس ويب، الذي قدم الصور الأولى عن الحقب الأولى للكون الفسيح الذي نعيش فيه، ليزيد من الأسئلة المحيرة للبشرية. وتعاطت ثقافات وديانات مع الحدث من زوايا مختلفة.

ويعد هذا المشروع غربيا بمشاركة الأوروبيين والولايات المتحدة وكندا، بقيادة وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا». وشارك فيه علماء قدموا من مختلف الثقافات والديانات. وبهذا تثبت الولايات المتحدة عبر بعض مؤسساتها مثل «ناسا» استمرارها في احتضان أحلام العلماء، وبالتالي أحلام البشرية (بغض النظر عن سياستها الأرضية) في البحث عن حقائق هذا الكون، الذي بالكاد يعد ما جرى تصويره بجيمس ويب مثل حبة رمل واحدة من حبات الرمل في السماء، وعليه سيكون حجم الكرة الأرضية مثل بروتون في الذرة وسط هذا الكون.

لقد شكلت صور هذا التلسكوب بالعودة إلى مليارات السنين إلى الوراء لرصد الكون العميق، عملا تجسيديا لنظرية النسبية لدى إنشتاين للتجول عبر الأزمة الفضائية لمعرفة أسرار الكون، أو مثل آلة الزمن للروائي هيربرت جورج ويلز، التي تنتقل من حقبة إلى أخرى. وهكذا، يعد 11 يوليو/تموز 2022 تاريخ تقديم تلسكوب جيمس ويب الصور، منعطفا وفجرا جديدا في علم الفلك، وعلاقة الإنسان بالفضاء شبيها بيوم 4 أكتوبر/تشرين الأول 1957 عندما أطلق الاتحاد السوفييتي أول قمر اصطناعي في الفضاء، ويوم 13 سبتمبر/أيلول 1959 عندما حطت لونا المركبة السوفييتية على سطح القمر، ويوم 12 إبريل/نيسان 1961 عندما كان يوري غاغارين أول إنسان يصل إلى الفضاء الخارجي ويدور حول الكرة الأرضية، ثم المنعطف الكبير يوم 20 يوليو 1969 عندما وصلت بعثة بشرية على سطح القمر، ليكون الإنسان قد بدأ العد العكسي الحقيقي نحو غزو الفضاء. وتضاعفت الإنجازات الكبرى ومنها مغادرة مركبة فوياجر 1 خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2011 النظام الشمسي بعدما قطعت مسافة 19 مليار كلم، وهبوط المركبة الشهيرة كيوريوسيتي على سطح المريخ يوم 6 أغسطس/آب 2012. ويضاف إلى هذا تشييد الصين أكبر مرصد في العالم خلال يوليو 2016 لرصد حضارات فضائية.

يحدث كل هذا في ظل مؤشرات قوية تدل على انتظار البشرية حدثا عظيما ما خلال السنوات أو العقدين المقبلين على أكثر تحديد، وهي فرضية لقاء حضارات فضائية. وكان مدير شعبة الفيزياء الفلكية في جامعة هارفارد أبراهام لويب قد تحدث منذ سنتين عن وصول مركبة فضائية إلى الشمس للتزود بالطاقة ثم غادرت نحو جهة ما في الكون. وفي الوقت ذاته، كشف البنتاغون لأول مرة عن تقارير تؤكد وجود أجسام طائرة في الفضاء وفي المحيطات ليست من صنع البشرية، بل يسيرها ذكاء خارق. وتعترف دول من حجم الصين وروسيا وفرنسا بوجود هذه الأجسام الطائرة. ولعل الجانب السلبي في غزو الفضاء هو المحاولات الأحادية للدول، في وقت كان يستوجب إجماعا وسط البشرية، إذ يسعى الغرب للريادة وتنافسه الصين وروسيا وبدأت أمم أخرى تنضم إلى هذا النادي مثل الهند، في حين غزو الفضاء يتطلب تعاونا بشريا. وكان أكثر من عالم متخصص في الفيزياء الفلكية قد طرح التساؤل التالي: ماذا سيحدث لو تعرضت الكرة الأرضية لغزو من حضارات فضائية، هل ستختار بين الثقافات والأمم؟

وكان تعاطي العالم العربي مع الحدث الكبير لصور جيمس ويب خافتا وغريبا. لم تخصص له وسائل الإعلام حيزا مهما، ولم تفرد له قنوات التلفزيون الكبيرة برامج خاصة، ولم يحضر في افتتاحية أي جريدة عربية تقريبا. ولعل مرد هذا التصرف هو شعور العرب بأن هذا الموضوع لا يعنيهم، بسبب التخلف الحضاري الذين يعانون منه. ويتجلى هذا الشعور في مظاهر ثقافية أخرى وهي غياب الاهتمام بالخبر العلمي في وسائل الإعلام، ثم تخلف الأدب العربي عن ركب الخيال العلمي، إذ نادرا ما تجد مجموعة قصصية أو رواية حول الخيال العلمي. وواقعيا، لا يمكن لمبدع أن يكتب رواية في هذا الصنف من الأدب إذا لم يكن يتوفر على ثقافة علمية وافية ويواكب الاختراعات والاكتشافات.

في الوقت ذاته، انفجر في العالم العربي جدل عقيم بين تيار يشكك في التلسكوب ويعتبره تحديا للخالق والإسلام، وكاد يقيم المشانق للعلماء على شاكلة الكنيسة عندما أحرقت جيوردانو برونو حيا سنة 1600 أو فتوى عبد العزيز بن الباز سنة 1976 عندما أفتى بتكفير من قال بكروية الأرض، وتيار يتقمص جلد الذات معتبرا التقدم العلمي الذي حققه جيمس ويب هو حجة على تخلف المسلمين ودينهم. وإلى جانب التيارين، رحب الكثيرون بهذا الحدث العلمي. وفي حوار مع صديق لي حول جيمس ويب، وهذا الصديق باحث في جامعة هارفارد في قضايا الديمقراطية في العالم، توقفنا عند بعض النظريات العلمية المثيرة مثل «العوالم الموازية» أو «الأكوان الموازية» لهاي هيفرت الثالث، وتقول بوجود عالم آخر مواز لنا نعيش فيه وربما في سياق مختلف. وكان المسلسل الشهير Counterpart قد عالج في قالب فني رائع أحداث تقع لشخصيات في عالمنا وتمر شخصيات هي نفسها بوضع مختلف في العالم الآخر الموازي، وتنجح بعض الشخصيات في الانتقال من هذا العالم إلى الآخر في محاولة لتغيير التاريخ. وإذا بصديقي يسألني بسخرية سياسية «إذا افترضنا بوجود العالم الموازي، هل العالم العربي في ذلك العالم الموازي ينعم بالديمقراطية، وهل القادة العرب هناك ديمقراطيون؟» وبالسخرية السياسية نفسها أجبته «حتى علماء الناس سيعجزون عن إيجاد سؤال شاف، لكن عقولنا هي بمثابة كون آخر مواز نصنع فيه عوالم مختلفة، فلنتخيل العالم العربي ديمقراطيا، فعلى الأقل لم تنجح الأنظمة العربية حتى الآن في فرض الرقابة على الخيال السياسي لأنها تفتقد حتى الآن لمختصين مثل سيغموند فرويد»، وتابعت «وكثير من الأحلام تتحقق، من كان يعتقد في الحقب الماضية بوصول الإنسان إلى القمر؟

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس