أفريقيا برس – الصحراء الغربية. تكشف مقالة جديدة عن تطور النظرة التاريخية من الكآبة القديمة إلى علم الأعصاب الحديث، فبعد أن كان الاكتئاب محاطا بالغموض والخطيئة، أصبح يعرف الآن بأنه اضطراب بيولوجي ونفسي معقد.
يتطلب فهم الاكتئاب كشف تاريخ غني، يمتد لقرون، من التفسيرات الصوفية في العصور الوسطى إلى مناهج الطب الحيوي المتطورة اليوم.
كان الاكتئاب، الذي أطلق عليه الأطباء اليونانيون القدماء اسم “الكآبة”، مرتبطا في البداية باختلالات في سوائل الجسم، وكان يعالج بأشعة الشمس والأعشاب والملينات. ومع ذلك، في العصور الوسطى، كان الاكتئاب ينظر إليه غالبا على أنه خطيئة، وخاصة خطيئة اللامبالاة أو الكسل الروحي، ما أدى إلى علاجات تتضمن الصلاة والعمل البدني والعقوبات القاسية، حسب مانشر في مجلة “ساينتيفيك روسيا”، ونورد أهم ماجاء فيها.
بدأ هذا التصور بالتغير مع مفكري العصر الحديث المبكر، ففي القرن السابع عشر، صنف روبرت بيرتون في كتابه “تشريح الكآبة” أسباب الاكتئاب بشكل منهجي، بدءا من العوامل الوراثية وصولا إلى التغذية وما بعدها، ورغم هذا التقدم الفكري، ظلت أساليب العلاج غريبة، بل وقاسية أحيانا، حتى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بما في ذلك التجويع، والغمر بالماء البارد، والقيود الجسدية.
شهد القرن العشرون إنجازات علمية، لا سيما مع تصنيف إميل كريبيلين لمرض “الهوس الاكتئابي”، واختراع أول مضادات الاكتئاب في خمسينيات القرن الماضي، ومهد اكتشاف أدوية جديدة الطريق لفرضية أن الاكتئاب ينتج عن اختلالات كيميائية حيوية، وخاصة نقص “السيروتونين” و”النورأدرينالين” و”الدوبامين”.
أدت نظرية “السيروتونين”، التي وضعها أليك كوبن في ستينيات القرن الماضي، إلى تطوير مثبطات استرداد “السيروتونين” الانتقائية، والتي أحدثت ثورة في علاج الاكتئاب بفضل فعاليتها ومستوى سلامتها، ومع ذلك، سرعان ما أدرك الباحثون محدودية هذا التفسير الكيميائي الأحادي، حيث لم يستجب العديد من المرضى لمثبطات استرداد “السيروتونين” الانتقائية، ما دفع إلى استكشاف أوسع للاكتئاب كاضطراب دماغي متعدد الأوجه يشمل الشبكات العصبية والالتهابات والمرونة العصبية والاستعدادات الوراثية.
يكشف التصوير العصبي الحديث أن الاكتئاب يعطل نشاط الدماغ في مناطق رئيسية مثل القشرة الجبهية الأمامية، والحصين، واللوزة الدماغية، وهي مناطق مسؤولة عن التنظيم العاطفي والذاكرة والاستجابة للتوتر، وغالبا ما يظهر المرضى ضعفا إدراكيا إلى جانب أعراض عاطفية مثل اليأس وانعدام المتعة والقلق.
تشمل العلاجات المبتكرة الآن تقنيات تعديل الأعصاب مثل التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة والتحفيز العميق للدماغ، والتي تعطي أملا للمرضى الذين يعانون من مقاومة الأدوية التقليدية، وتشير الأدلة الناشئة أيضا إلى محور الأمعاء والدماغ، ما يدل إلى أن تعزيز إنتاج السيروتونين المعوي قد يخفف من أعراض الاكتئاب، لكن تظل الوقاية أمرا حيويا، لا سيما للأفراد المعرضين للخطر والذين يعانون من ضغوط أو صدمات مزمنة.
وقد أظهرت تداخلات نمط الحياة، بما في ذلك ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والتغذية المتوازنة، والنوم المناسب، وممارسات اليقظة الذهنية، فوائد ملموسة في الحد من خطر الاكتئاب، ويمكن للدعم الاجتماعي أيضا، والتدخلات النفسية المبكرة، أن تخفف من تفاقم المرض وتحسن النتائج.
تعكس رحلة الاكتئاب من كآبة قديمة إلى اضطراب مثبت علميا كلا من التطور المجتمعي والتقدم في العلوم الطبية، ويقدم الفهم المتكامل اليوم أملا جديدا من خلال علاجات مخصصة واستراتيجيات وقائية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية عبر موقع أفريقيا برس