مالي والمماليك

7
مالي والمماليك
مالي والمماليك

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. على الرغم من تعاقب الاستعمار والطغيان على قارة افريقيا، إلا أنها لا تزال بكرا، وكذلك تاريخها القديم. وقد لا يتوقع البعض أنه خلال الحقب التاريخية المختلفة، كانت لدولة مصر أواصر تاريخية مع العديد من الدول الافريقية، التي كان البعض منها في أوج عظمتها ومجدها. ومن تلك الدول إمبراطورية مالي حينذاك، التي هي دولة مالي في العصر الحديث.

تقع دولة مالي في غرب افريقيا، وتجاور دولا شقيقة من الوطن العربي، وكذلك دولا أخرى افريقية؛ أي أنها همزة الوصل بين عالمين؛ ما جعل منها نقطة تجارية مهمة على مدار العصور القديمة. وعلى الرغم من أن مالي يمر فيها نهرا النيجر والسنغال، وغنية بالموارد الطبيعية، خاصة النفيسة منها مثل، الذهب واليورانيوم، لكن شعبها يعاني من فقر شديد، ويعيش أغلبه في المنطقة الجنوبية، خاصة في العاصمة باماكو التي يعيش فيها وحدها أكثر من مليوني نسمة.

قديما، كانت مالي إمبراطورية في غرب افريقيا عظيمة الشأن، واشتهر حكامها بالثراء الفاحش، واستمرت تلك الإمبراطورية نحو خمسة قرون (1226-1670). وهناك ثلاث شخصيات قامت بإماطة اللثام عن هذه الفترة، ويأتي على رأسهم شهاب الدين أبو العباس أحمد بن فضل الله العُمَرِي المشهور باسم «ابن فضل الله العُمَرِي» (1301-1349) الذي كان مؤرخا لحكام المماليك في مصر، فقد قام بزيارة مصر اثنان من أشهر أباطرة مالي، ومن خلال زياراتهما والأحاديث التي تبادلاها، عمل ابن فضل الله العُمَرِي على إماطة اللثام عن قوانين وعادات شعب مالي. أما الشخصية الثانية، فكان الرحالة العربي ابن بطوطة في رحلته لتلك الإمبراطورية عام 1352. في حين أن الشخصية الثالثة فهي ابن خلدون، الذي ذكر إمبراطورية مالي في كتبه التي صدرت في القرن الخامس عشر، والعامل المشترك في ما بينهم هو التأريخ لهذه الإمبراطورية التي كانت في عصر الازدهار. بيد أنه بعد سقوطها، انقطعت صلات العرب بها، ولم يعد هناك مصدر آخر لمعرفة تاريخها سوى ما يحكيه رواة القصص الشعبية، عما حدث بعد سقوط الإمبراطورية وصولا للاحتلال الفرنسي لها.

وقد تأسست إمبراطورية مالي على يد الأمير المحارب سوندياتا كيتا في الفترة ما بين 1214-1255 تقريبا، حيث لا يوجد تاريخ محدد لتلك الحقبة. ويذكر التاريخ أن سوندياتا كيتا جعل منها أكبر إمبراطوريات غرب افريقيا. واستمرت تلك الإمبراطورية على مدار نحو أربعة قرون من الزمان (1226-1670). وبدأت الإمبراطورية كمملكة صغيرة تسمى مملكة ماندينكا Mandinka، وسميت مالي نسبة لطريقة نطق هذا الاسم بلغة قبيلة الفولا Fula. وقبل تأسيس إمبراطورية مالي، كان غرب افريقيا تحكمه ثلاث ممالك قوية وهي: غانا وماندينكا (مالي) وصونجاي، وكانت هذه الممالك تسيطر على طرق التجارة عبر الصحراء. ومع سقوط مملكة غانا خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلادي، تم تحويل طرق التجارة للجنوب في منطقة السافانا، واستولت إمبراطورية سوسو Sosso على ممالك غرب افريقيا. لكن في نهاية الأمر استطاع الفارس الأمير الملحمي سوندياتا كيتا الذي ينحدر من أسرة كيتا Keita Dynasty أن يحرر الشعب المالي من نفوذ إمبراطورية سوسو، وبعدها استطاعت إمبراطوريته أن تمد هيمنتها على طرق التجارة عبر الصحراء الغربية بأكملها.

وقد بدأت صلة إمبراطورية مالي بمصر المملوكية بعد موت سوندياتا كيتا عام 1255، حينما تولى حكم البلاد مانسا ساكورا الذي كان في الأساس عبدا في البلاط الملكي، لكنه استولى على الحكم، حينما ضعفت البلاد بعد موت سوندياتا كيتا، على الرغم من أنه لا ينتمي إلى أسرة كيتا، وبذلك أصبح أول حاكم لإمبراطورية مالي بعد موت سوندياتا كيتا. وكانت فترة حكمه تتسم بالازدهار؛ لأنه حافظ على البلاد وعلى سيادتها في غرب افريقيا. ومن الجدير بالذكر أنه كان يطلق لقب مانسا على حكَّام إمبراطورية مالي، ويعني ذاك اللقب حاكما أو ملكا. وقد حكم مانسا ساكورا البلاد في الفترة 1285-1308. وكتب عنه المؤرخون أنه كان حاكما قويا عمل على توحيد صفوف البلاد. وذكر سيرته ابن خلدون في كتابه الشهير «كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر». واكتسب مانسا ساكورا شهرة واسعة بعد قيامه برحلة للحج في مكة. وفي سير الرحلة، سافر إلى مصر ونزل ضيفا على سلطانها حينئذٍ الناصر محمد بن قلاوون السلطان المملوكي الشهير، الذي رحَّب به ضيفا وطاب مقامه في مصر. إلا أن المنية وافت مانسا ساكورا بعد أدائه فريضة الحج في رحلة العودة.

ويذكر ابن فضل الله العُمَرِي في كتابه الشهير «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» الذي أرَّخ فيه لمصر المملوكية، أنه بعد موت مانسا ساكورا، عاد زمام الحكم لأسرة كيتا مرة أخرى، وتولى عرش الإمبراطورية موسى كيتا في الفترة 1312-1341، الذي اشتهر باسم مانسا موسى. ولا يزال اسمه يتردد حتى الآن في مالي؛ في عهده، كانت البلاد شديدة القوَّة وبالغة الثراء وغنية بالذهب، لدرجة أن رحلة مانسا موسى لأداء فريضة الحج لفتت أنظار العالم بأسره. وفي سير رحلته للحج 1324-1326، كانت مصر المملوكية محطَّة رئيسية له حرص على زيارتها ولقاء سلطانها المملوكي الناصر محمد بن قلاوون. ويذكر أيضا ابن فضل الله العُمَرِي في كتابه، أن عطايا مانسا موسى لسلطان مصر كانت شديدة السخاء. ومن المفارقات الشهيرة التي أكسبته شهرة عالمية لا نظير لها، أنه من أجل توفير نفقات حملة الحج، بادل ما معه من ذهب بنقود مصرية. وتصف المراجع التاريخية أن رحلته تلك كانت أيقونية؛ لأنه بمفرده أحدث تضخما في السوق المصرية، فبسببه انهارت أسعار الذهب في مصر لسنوات طويلة، جرّاء كثرة ما بادله من ذهب مع التجار نظير الحصول على نقود مصرية.

تعكس رحلات حكَّام مالي إلى مصر وجود أواصر وطيدة بين مصر المملوكية وإمبراطورية مالي، سواء بسبب سيطرتهم على الطرق التجارية في غرب افريقيا، أو لأسباب سياسية وثقافية أخرى. وبالطبع كانت تلك الأواصر سببا في حرص ملوك مالي على زيارة سلطان مصر في مسيرتهم لأداء رحلة الحج. ومن ناحية أخرى، كان ذلك أيضا سببا لذِكر ملوك مالي في كتب التاريخ المصرية.

من المُحزن حقا أن تكون دولة مالي بتلك القوَّة في العصور الغابرة، وتنزلق للمآسي السياسية والاجتماعية والمجاعات في العصر الحديث ولا تزال هيمنة الدول الاستعمارية عليها ـ سواء القديمة منها أو الحديثة ـ قائمة وتنهب في ثرواتها.

كاتبة مصرية

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس