المبعوث الأممي في نزاع الصحراء الغربية بين البحث عن خريطة طريق وتكرار تجربة الكيميائي الفاشل

8
المبعوث الأممي في نزاع الصحراء الغربية بين البحث عن خريطة طريق وتكرار تجربة الكيميائي الفاشل
المبعوث الأممي في نزاع الصحراء الغربية بين البحث عن خريطة طريق وتكرار تجربة الكيميائي الفاشل

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. أنهى المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ملف الصحراء الغربية ستيفان دي ميستورا جولته الأولى للأطراف المعنية بهذا النزاع، وهي الجولة التي بدأت الخميس من الأسبوع الماضي في الرباط وانتهت الجمعة من الأسبوع الجاري في مدريد. وواقعيا، لا تحمل الكثير من التفاؤل بحكم استمرار الأطراف التشبث بالمواقف المعبر عنها بل وتخلق غموضا كبيرا حول سبل الوصول إلى الحل بعد عقود من الحرب والمفاوضات. ومن شأن الصعوبات التي وجدها المبعوث الدفع بالأمم المتحدة إلى التفكير في آليات جديدة. وجاءت تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش منبهة إلى الفشل والصعوبات المرتقبة.

وعادة ما تكون الجولة الأولى للمبعوث الخاص في النزاع، التعرف مباشرة على الأطراف المعنية ثم جس نبض لمعرفة مدى تقبل المقترحات التي سيطرحها. وربما يكون دي ميستورا الأسوأ حظا مقارنة مع باقي المبعوثين السابقين. فقد جاء تعيين المبعوث الجديد خلال تشرين الأول/أكتوبر الماضي بعد سنتين من الفراغ نتيجة استقالة المبعوث السابق الألماني هورست كوهلر. في الوقت ذاته، بعدما شهد الملف تطورات مقلقة منها عودة جبهة البوليساريو إلى حمل السلاح منذ نهاية 2020 منهية هدنة وقف إطلاق النار المتفق عليها سنة 1991. كما تأتي في وقت تمر فيه العلاقات بين المغرب والجزائر بتوتر حقيقي، حيث ما زال شبح مواجهة عسكرية جاثما بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما منذ آب/اغسطس الماضي. في الوقت ذاته، تأتي في ظل توتر في علاقات المغرب مع بعض الدول وعلى رأسها إسبانيا بسبب نزاع حول الصحراء.

ولم يعلن المبعوث الجديد، القادم من الوساطة في نزاعات سابقة وشائكة مثل سوريا، عن خطة عمل أو خريطة طريق، ولكنه لم يجد سوى العراقيل بحكم أن كل الأطراف لم تكن مستعدة لنقاش أي مقترح جديد بقدر ما تشبثت بمقترحاتها من دون الانفتاح على مقترحات الآخر.

في هذا الصدد، كانت بداية الجولة في الرباط يوم الخميس من الأسبوع الجاري. وكان في استقبال دي ميستورا وزير الخارجية ناصر بوريطة، وهذه أول مرة لا يستقبل فيها الملك محمد السادس المبعوث الجديد المعين، بل لم يستقبله حتى رئيس الحكومة عزيز أخنوش.

وسمع المبعوث شرطين أساسيين للمغرب وهما: لا محيد عن مقترح الحكم الذاتي للصحراويين تحت السيادة المغربية كحل للنزاع. ويتجلى الشرط الثاني في ضرورة مشاركة الجزائر وموريتانيا في الموائد المستديرة الخاصة بالمفاوضات حول الحل. إذ يعتبر المغرب الجزائر الطرف الرئيسي في النزاع بينما جبهة البوليساريو تعد فقط واجهة لمخططاتها الاستراتيجية.

وبعد يومين، انتقل المبعوث الجديد إلى مخيمات تندوف في الجزائر وأجرى مباحثات مع الأمين العام لجبهة البوليساريو إبراهيم غالي، وسمع شروطا تزيد من صعوبة مهامه وهي: لا لإيقاف الهجمات العسكرية ضد المغرب في الجدار الفاصل في الصحراء، ثم لا لقبول حل آخر غير استفتاء المصير متذرعة أن مهام قوات المينورسو هي تنظيم الاستفتاء.

وكنت موريتانيا هي الدولة الوحيدة التي منحت للقاء الذي جرى يوم الاثنين الماضي مستوى أعلى بفضل استقبال الرئيس محمد الغزواني للمبعوث الأممي. ويوجد غموض حول الموقف الموريتاني، إذ تسربت أخبار مفادها احتمال عدم حضور موريتانيا للموائد المستديرة أسوة بالجزائر، لاسيما في ظل التنسيق الجزائري-الموريتاني في القضايا الإقليمية ثم تراجع العلاقات بين موريتانيا والمغرب خلال السنة الأخيرة.

وكانت مهمة دي ميستورا صعبة في الجزائر، فقد أعلن هذا البلد عن مواقف جديدة خلال اللقاء الذي جرى يوم الخميس الماضي بينه وبين وزير الخارجية رمطان لعمامرة. ويتجلى الجديد في الموقف الجزائري في رفضها حضور الموائد المستديرة مستقبلا والتي تبحث عن الحل النهائي. وتبرر الجزائر هذا الرفض بما تعتبره توظيف المغرب لمشاركتها ووصفها بالطرف الرئيسي في النزاع بدل جبهة البوليساريو.

وأنهى المبعوث الخاص جولته بزيارة إسبانيا ولقاء وزير خارجيتها مانويل ألباريس في مدريد الجمعة من الأسبوع الجاري. ولم يتسرب أي خبر عن مضمون اللقاء باستثناء تأكيد إسبانيا للمبعوث دعم مساعيه للبحث عن الحل. وتعتبر إسبانيا طرفا هاما بحكم أنها كانت القوة المستعمرة في السابق. ويبقى المثير في الموقف الإسباني هو استبعاد الحديث عن الحكم الذاتي بصفة نهائية ضمن الحلول المقترحة للنزاع خلال تصريحات المسؤولين عكس ما كان يجري في الماضي.

ووسط كل هذه اللقاءات التي أجراها المبعوث، حدث لقاء هام بين وزير خارجية إسبانيا ونظيره الأمريكي أنتوني بلينكن في واشنطن الثلاثاء الماضي، وجرى الاتفاق على تكثيف الجهود والتنسيق لإيجاد حل للنزاع. ولعل الملفت هو الموقف الأمريكي الغامض، حيث يفترض دفاع واشنطن عن الحكم الذاتي بعد اعتراف الرئيس السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء، لكنها تركز على مساعي الأمم المتحدة مرة بعد الأخرى، وهذا يثير قلق الرباط.

ويلتزم المبعوث الجديد الحذر الشديد في مهمته، ما جعله يتجنب التصريحات للصحافة، فهو يدرك أن كل تصريح غير مناسب سيدفع هذا الطرف أو ذاك إلى الاحتجاج واستعمال الفيتو ضده كما حصل مع مبعوثين سابقين. وكانت جبهة البوليساريو قد اعترضت على المبعوث الأممي من أصل هولندي بيتر فان فالسوم لأنه مال إلى الحكم الذاتي، واعترض المغرب على المبعوث الأممي الأمريكي كريستوفر روس لأنه مال إلى استفتاء تقرير المصير.

وبينما التزم دي ميستورا الصمت، طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجمعة عند انتهاء الجولة كل من المغرب المغرب والبوليساريو إلى إظهار «اهتمام أقوى من الجانبين لحل نزاع الصحراء» مبرزا «حان الوقت كي تفهم الأطراف الحاجة إلى الحوار والسعي إلى حل، وليس فقط إلى الإبقاء على عملية لا نهاية لها دون أمل في الحل. آمل أن تتطور العملية السياسية مرة أخرى. فالأمر يتعلق بمشكلة مستمرة منذ عقود عدة في منطقة من العالم نرى فيها مشاكل أمنية خطيرة جدا وحيث نرى الإرهاب يتكاثر في منطقة الساحل وعلى نحو متزايد بالقرب من السواحل، ومن مصلحة الجميع حل مشكلة الصحراء».

وتبرز تصريحات الأمين العام توصله بانطباعات غير مشجعة من طرف مبعوثه الخاص في النزاع، وهذه أول مرة يوجه فيها الأمين العام رسالة إلى أطراف النزاع في اليوم نفسه الذي ينهي فيه مبعوثه جولته الأولى.

وعلق مصدر من الأمم المتحدة لجريدة «القدس العربي» على جولة دي ميستورا «ندرك جيدا الصعوبات، ولكن لا يمكن للأمم المتحدة التخلي عن دورها الذي بدأته في السبعينات، وندرك ضرورة البحث عن صيغ جديدة لتحريك المفاوضات لأن الصيغ السابقة فشلت وإذا ركزنا عليها مجددا سنكون مثل ذلك الكيميائي الذي يكرر التجربة الفاشلة بالمواد نفسها وفي الظروف نفسها دون إدخال تغيير ولو بسيط للحصول على نتيجة مختلفة». ويعترف المصدر بعدم وجود صيغ جديدة وواضحة حتى الآن، مشددا على أن صيغة ستكون بعد استشارة القوى الكبرى لضمان الحد الأدنى ليس من النجاح بل القبول بها مبدئيا من الأطراف المعنية لاسترجاع الثقة والبحث عن صيغ التفاهم التي ستقرب من الحل.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس