اندلاع الحرب الثانية افرز نتائج هامة سيكون لها الاثر البالغ في مسار التطورات المتعلقة بقضية الصحراء الغربية

8
اندلاع الحرب الثانية افرز نتائج هامة سيكون لها الاثر البالغ في مسار التطورات المتعلقة بقضية الصحراء الغربية
اندلاع الحرب الثانية افرز نتائج هامة سيكون لها الاثر البالغ في مسار التطورات المتعلقة بقضية الصحراء الغربية

أفريقيا برسالصحراء الغربية. حققت الحرب الثانية في الصحراء الغربية المندلعة منذ 13 نوفمبر 2020 نتائج هامة سيكون لها الاثر البالغ في مسار التطورات المتعلقة بقضية الصحراء الغربية، فهذه اول مرة منذ وقف إطلاق النار يتحقق فيها التفاف شعبي كبير حول جبهة البوليساريو، سيمنحها التأثير خارجيا وهو ما اتضح من تسريبات حول اجتماعات عقدتها الادارة الامريكية مع جبهة البوليساريو والاتصالات الدولية التي لم تنقطع منذ قرار اعلان الحرب.

لقد أجهض قرار جبهة البوليساريو جميع المحاولات التي كانت تدار في الخفاء للالتفاف على القضية الصحراوية، وفرض سياسة الامر الواقع، وبدأت القوى الفاعلة في المجتمع الدولي تعترف بدور البوليساريو كعامل استقرار وتوازن في المنطقة.

وعلى صعيد الواجهة العسكرية ساهم عامل المفاجأة وتجربة الجيش الصحراوي خلال الحرب الاولى, في تحقيق نتائج هامة على الارض, حيث تمكن الجيش الصحراوي في ظرف وجيز من تنفيذ اكثر من 2000 هجوما مسلحا, وعمليات نوعية وصلت حتى عمق التراب المغربي، وكل ذلك تم باقل الخسائر، في حين تكبد الجيش المغربي خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات منعته من المبادرة, و ساهمت في انسحاب الاطراف الاجنبية خاصة بعد مقتل ضابط امارتي وجرح اخر، كما شكلت الحرب فرصة لقياس مدى جاهزية الجيش الصحراوي للدخول في حرب طويلة الامد، ودفع المغرب لكشف قدراته القتالية.

فشل الاستراتيجية التي راهن عليها المغرب منذ سنوات

و ادت الحرب في الصحراء الغربية الى فشل الاستراتيجية التي راهن عليها المغرب منذ سنوات، والمتمثلة في تحويل ثغرة الكركرات الى معبر دولي وضمان مرور أنبوب الغاز النيجري عبر الأراضي الصحراوية المحتلة, وتحويل هذه الاخيرة الى منطقة نفوذ للقوى الاجنبية، وإنعاش حركة تجارة المخدرات التي ظل يعول عليها المغرب في دعم اقتصاده، وخططه في منطقة الساحل.

راهن المغرب منذ ديسمبر الماضي في ان يساهم اعلان “دولاند ترامب” في الدفع بالدول الكبرى خاصة الأوروبية الى اعلان الاعتراف بالسيادة المغربية المزعومة على الصحراء الغربية، غير ان الموقف الدولي الرافض لقرار واشنطن اخلط اوراق الرباط, وجعلها تدخل في مواجهات دبلوماسية مع عدد من البلدان الوازنة كألمانيا، اسبانيا، كينيا، جنوب افريقيا والاتحاد الافريقي، كما ان الاعلان أضعف الموقف المغربي ورهن حساباته، بل و تحول الى ورقة ضغط لدى ادارة الرئيس “جو بايدن” التي يبدو انها نجحت في اخضاع المغرب وجعله يتخلى عن شروطه التي وضعها امام تعيين مبعوث شخصي جديد الى الصحراء الغربية.

بروز الموقف الجزائري والموريتاني

و برز الموقف القوي للجزائر التي اكدت لأول مرة ان النزاع في الصحراء الغربية تجاوز الموقف التقليدي المطالب بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، ليتحول الى قضية تتعلق بالأمن القومي للجزائر خاصة بعد دخول اطراف دولية على الخط، لذلك اكدت الجزائر ان أي حلّ لقضية الصحراء الغربية خارج الإرادة الجزائرية وتصوّرها وشروطها سيكون ماله الفشل، و ارادت الجزائر توجيه رسائل دعم ومساندة مع الجمهورية الصحراوية التي تتعرض للعدوان، ابرزها استقبال الرئيس “عبد المجيد تبون” لنظيره الصحراوي إبراهيم غالي بمناسبة ذكرى اعلان الجمهورية الصحراوية، وتدشين جسر جوي لنقل المساعدات الإنسانية الموجهة الى شعب الصحراوي.

ويبدو ان المغرب استوعب جيدا رسائل الجزائر بدليل محدودية تجنبه القيام بعمليات عسكرية بشمال الصحراء الغربية, رغم تركز هجمات الجيش الصحراوي على هذه المنطقة الاستراتيجية، كما وجد الموقف الجزائري صدا لدى الاطراف الدولية التي حاولت تحويل المنطقة الى ساحة جديدة للفوضى وعدم الاستقرار.

الموقف الموريتاني كان هو الاخر حاسما عندما قررت نواكشوط تمسكها بالالتزامات والتفاهمات التي تربطها بالجمهورية الصحراوية, سيما في ميدان التنسيق الأمني والعسكري، وعكس ما كان يتوقع المغرب الذي قاد حملة إعلامية وسياسية لتأليب الراي العام الموريتاني ضد الجمهورية الصحراوية خلال ازمة غلق ثغرة الكركرات، ظلت القيادة الموريتانية حريصة على الاستماع لوجهة النظر الصحراوية بشأن تطورات الوضع، حيث استقبل الرئيس “محمد الشيخ ولد الغزواني” في اقل من أربعة أشهر مبعوثين من الرئيس الصحراوي “إبراهيم غالي”.

مجلس السلم والامن الافريقي يفضح حالة اخفاء الحرب التي راهن عليها النظام المغربي

وساهم الموقف الإفريقي في كسر حالة اخفاء الحرب التي راهن عليها النظام المغربي، ودفع مجلس الامن الدولي الى دراسة الملف والتداول بشأن المبادرة المنبثقة عن قمة مجلس السلم والامن الافريقي، وسيكون لموقف المغرب الرافض للتعاطي مع جهود الاتحاد الافريقي، تداعيات مستقبلية على عضويته بالمنظمة القارية، كما ساهمت الحرب في العودة القوية لمحور الجزائر –جنوب افريقيا –كينيا والذي سيكون له دور متقدم في التوجهات المستقبلية المتعلقة بالملف الصحراوي.

تنامي الموقف الروسي وتراجع الامريكي وانحسار الفرنسي

وساهم غياب الولايات المتحدة وتراجع الموقف الفرنسي، في تنامي الدور الروسي الذي حافظ على علاقات متوازنة مع طرفي النزاع وبلدان الجوار، لذلك حاول المغرب الاستنجاد بموسكو لإقناع جبهة البوليساربو بوقف الحرب، حيث اتصل وزير الخارجية المغربي بنظيره الروسي في مناسبتين خلال الاسابيع التي عقبت اندلاع الحرب، وعقد السفير المغربي بموسكو خمسة لقاءات رسمية مع مسؤولين في وزارة الخارجية الروسية.

و ادى استمرار الحرب في الصحراء الغربية الى خروج النقاش داخل المؤسسات الرسمية في باريس واشنطن الى العلن فوزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية، “كليمان بون” اضطر خلال جلسة للبرلمان الفرنسي الى الاعتراف باندلاع الحرب، كما اعترفت الادارة الامريكية التي تواجه ضغوطا من قبل اعضاء الكونغرس للتراجع عن اعلان ترامب بحدوث عمليات قتالية بالصحراء الغربية، مؤكدة ان الامر يتطلب تنسيق الجهود لوقف التصعيد وعودة الطرفين الى طاولة المفاوضات.

كما اظهرت الحرب في الصحراء الغربية المواقف القوية للجزائر وروسيا وحتى لتركيا التي تؤكد ان اي دور خليجي في منطقة شمال افريقيا سيكون ماله الفشل، وان تكرار سيناريو سوريا واليمن وليبيا لم يعد ممكنا بعد رحيل ادارة ترامب التي وفرت الحماية، وشجعت انظمة الخليج على العبث بأمن مناطق عديدة عبر العالم، اما بالنسبة ل”إسرائيل” فان التورط في الصحراء الغربية سيفتح امام تل ابيب جبهة اخرى هي في غنى عنها خاصة في ظل احتدام الصراع مع إيران، ورفض ادارة الرئيس “جو بايدن” دعم التوجهات ال”إسرائيل”ية في منطقة الشرق الأوسط.

المصدر : دراسة اعدها قسم الدراسات بموقع صمود، ماي 2021