رجاءا لا تخذلوهم .. فالتأريخ ملك للأجيال القادمة

7
رجاءا لا تخذلوهم .. فالتأريخ ملك للأجيال القادمة
رجاءا لا تخذلوهم .. فالتأريخ ملك للأجيال القادمة

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. لفت إنتباهي سيلان حبر منقطع النظير حول موضوع شريط وثائقي بسيطا جدا من حيث جودة التقنية و عميقا من جانب الرسائل و المقاصد، كان قد نشره الباحث و الكاتب الصحراوي، البشير محمد لحسن على صفحاته التواصلية و التفاعلية، سلط من خلاله الضوء على عملية عسكرية نوعية لمقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي (عملية تويزگي)، و التي كانت هي الأخرى في طريقها الى الإقبار و النسيان، لولا مجهودات هذا الشاب الصحراوي الذي يبدو أنه متخصص جدا و يعرف أهمية الأرشفة الإعلامية لمثل هذه العينات من الأحداث البارزة خاصة و أن الفاعلين فيها بدأت الشهادة تأخذ نصيبها منهم و مع فقدانهم نفقد مكتبة عسكرية و تأريخ ناصع و مشرق من البطولات و الأمجاد.

حكى لي صديق أنه في مرحلة الدراسة، كان لديه زميلا صحراويا، يحضر لمذكرة تخرجه في أحد مجالات الإعلام و الإتصال، جاهد الطالب كثيرا للحصول على معلومات دقيقة يتضمنها موضوع البحث لديه و الذي كان حول أساليب وطرق التمويه في معركة التحرير الصحراوية كتجربة أصبحت نموذجية و رائدة و تدرس في بعض الكليات العسكرية العالمية، و لكن الغريب في الأمر أنه واجه إشكالية كبيرة لم يكن ذلك الطالب المتميز جدا يتوقعها، إذ أنه وجد صعوبة جمة في الحصول على المادة الإعلامية المصورة لإستكمال شريط وثائقي كان يعده كملحق تقني لمذكرة تخرجه الأكاديمية.

شاءت الصدف أنه كان مرافقا له في إحدى رحلات البحث عن مواد فوتوغرافيه من أرشيفنا الثوري، خاصة ما تعلق منها بالمعارك التحريرية الكبرى، حيث كانت مهمتهم تلك تشبه كثيرا مهام البحث عن الكنوز في مؤسساتنا الوطنية المتواضعة جدا حينها.

يتذكر صديقي أنهم إلتقوا بشاب يافع كان يعمل في إحدى المؤسسات المتخصصة في الأرشفيف عندنا -رغم قلتها و ندرة موادها المؤرشفة و بدائية الارشفة بها-، و كيف أن ذلك الشاب المتواضع تأسف كثيرا على ندرة الأشرطة الفوتوغرافية التي تؤرخ لحقبة متميزة جدا من مجدنا التليد و مرد ذلك حسبه يرجع الى ضعف إمكانياتنا الإعلامية حينما كانت المعارك محتدمة قبل وقف اطلاق النار 1991، فبالكاد تجد ألة تصوير لدى المقاتلين الا النذر القليل، و يعتبر ما وصلنا من صور بالابيض و الاسود لغنائم و مجريات بعض المعارك يعود بالدرجة الاولى الى الصحافة الاجنبية التي كانت تغطي أحداث الحرب الصحراوية بين الفينة و الاخرى.

هنا إنتهت قصة البحث عن الارشيف الاعلامي الصحراوي لذلك الطالب الذي خاب أمله كثيرا بعد ما كان الموضوع يستهويه البحث فيه و يجد فيه ذاته الباحثة كصحراوي كان حلمه أن تقترن شهادة تخرجه بموضوع صنائع و أمجاد جيش التحرير، و في إعتقادي المتواضع جدا أن الكثير من طلبتنا قد واجهت نفس العراقيل في بحثهم عن المعلومات التي تهتم بالشأن الصحراوي سواء منه العسكري، الدبلوماسي أو الاجتماعي لندرة وجود المراجع المكتوبة و المسجلة و المتخصصة في هذه الجوانب المهمة من تاريخ الشعب الصحراوي.

اليوم، و بعد أن صارت لنا مؤسسة وطنية محترمة جدا، تستحوذ على تقنيات و وسائل إعلامية متقدمة و كفاءات بشرية محترفة حسب برنامج عمل الحكومة الصحراوية لهذه السنوات الأخيرة، يبدو أن أرشفتنا الوثائقية و المادية ما تزال متواضعة جدا حد البساطة، بالرغم من أن الحرب التحريرية قد وضعت أوزارها و بات من الملح علينا نقل أحداثها كنقطة إيجابية في قضيتنا المصيرية وجب إستغلالها إعلاميا أحسن إستغلال ما دام ميدان الإعلام أصبح المحرك و الموجه الأول لمشاعر و وجهات النظر السياسية و الاجتماعية لكثير من شعوب المعمورة.

و من هذا المنطلق، و إحقاقا للتاريخ، و من أجل الا تلومنا الاجيال القادمة، و حتى لا نقع في مثل ما وقع فيه الطالب الصحراوي الذي خذلناه بحق، و نعترف بالفم المليان أننا خذلنا غيره أمام معاهد و جامعات أجنبية وازنة، أصبح لزاما على المؤسسات المخول لها الجانب الاعلامي أن تنكب على البحث، التدوين، الحفظ و الارشفة بالطرق العلمية المتاحة، ما دام أن المصادر البشرية التي صنعت التاريخ الصحراوي ما يزال بعضها على قيد الحياة حتى نتمكن من تشريفهم و إنصافهم بشهادة التاريخ كأضعف تشريف في حقهم.

بقلم: محمد مغاديلو

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس