ظريف .. يوم حصلت على رقم هاتف الرئيس ..

5
ظريف .. يوم حصلت على رقم هاتف الرئيس ..
ظريف .. يوم حصلت على رقم هاتف الرئيس ..

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. جيلي عرف محمد عبدالعزيز في أخر سنوات عمره، كنا دخلنا للتو مرحلة الإدراك، ومع ذلك سجل الرجل حضوره في أذهاننا وكان لنا معه رغم فارق العمر ذكريات، هذا محمد عبد العزيز ظاهرة بكل معنى الكلمة، حتى اولئك الأطفال الصغار وقتها من مواليد الألفية الجديدة عرفوه وعرفهم، وبغض النظر عن ما له وما عليه سياسيا وبكل تأكيد لقد أصاب وأخفق، لكن تواضع الرجل الجم كان سر حب الناس له.

بعد العودة من الدراسة في إحدى العطل القصيرة كنت وصديقي وأخي ورفيق دربي عبدالله أحمين في زيارة لرئاسة الجمهورية، والحقيقة كانت الزيارة عبارة عن تلبية لدعوة من صديق يعمل هناك، ونحن نبحث عن هذا الصديق الذي لا يرد على هاتفه مررنا بجانب مكتب الرئيس، وبالصدفة خرج الراحل محمد عبد العزيز من مكتبه ليستقبل على ما يبدو شاب بدى أنيقا بلباس محترم، يحمل ملف بيده اليمنى وكان واضحا من ملامح وتعابير وجهه اللطيفة أنه إنسان مثقف وعلى درجة من العلم، ولابد أنه يحمل رسالة معينة يريد إيصالها الى الرئيس.

خرج الرئيس لحظة وصولنا الممر المؤدي الى مكتبه، فلاحظ وجودنا ثم قال: مرحبا، مرحبا هذا ألا الشباب تفضلوا تفضلوا كلكم، ولم يكن بوسعنا سوى الدخول مع ذلك الشاب تلبية لدعوة الرئيس.

بعد السلام الذي لا يخلوا من الإهتمام والعفوية والسؤال عن جميع الأهل فردا فردا إستدعى الرئيس مستشاره الإعلامي ومدير ديوانه، جلسنا جميعا، قال: طيب ماذا لديك، وكان يقصد الشاب الذي يحمل الملف أما أنا وصديقي فقد أقحمنا صدفة في هذا الموقف، وقف الشاب وإسمه يحظيه ولد هيبة وهو خريج جامعي من روسيا يتابع دراساته هناك تخصص علم الطبقات الأرضية جيولوجيا، وقف وقال: لدي دراسة أعددتها بالمناطق المحررة حول إحتياطات المياه المتوقعة بأراضينا، أخذ الشاب يشرح بالخرائط والأدلة والصورة والأرقام، كان الرئيس مستمعا جيدا ومتابعا ومركزا مع كل كلمة وكل تفصيل وكل جزئية مهما كانت صغيرة، لقد بدى ذلك الإهتمام واضحا من خلال أسئلته للباحث لاحقا بعد إنتهاء العرض.

وبعد طرحه لتلك الأسئلة والرد الشافي من طرف الباحث وقف الرئيس وإحتضن الشاب وشكره ثم طلبه رقم هاتفه، قال له الشاب لقد إشتريت للتو شريحة ولا أعرف الرقم، قال له الرئيس: إذا أكتب رقمي عندك، فلما أخذ يتلوه عليه نسي الرئيس رقم او إثنين، ضحك كتيرا رحمه الله ثم إلتفت إلي وكنت في زاوية الى يساره وقال: عبداتي ياولدي انت أكيد حافظ رقمك أعطيه لي “أنصوني” أعليك يطلع لك رقمي تعطيه ليحظيه، أعطيته رقمي ورن على هاتفي ثم أمليته على الباحث.

كان موقفا يعكس بساطة الرجل وتواضعه وإهتمامه بالشباب، موقف يعكس عفوية هذا الرجل الذي نسي نفسه كثيرا حد الإهمال وكرس وقته وجهده وفكره في سبيل قضية آمن بها حتى الرمق الأخير.

عندما خرجنا من عند الرئيس كنت أمازح صديقي عبد الله أحمين، قلت له: أنا أملك رقم هاتف الرئيس هل تريده؟.

بعد ذلك بمدة قصيرة كنت برفقة بعض الشباب، كان أحدهم يتحدث عن ظلم وقع لوالده المريض فتألمت شخصيا، قلت له هل تريد التحدث الى الرئيس في هذا الأمر فقال والله والله، قلت له سأعطيك رقم هاتفه، تحدث إليه الان، قال لي هل تمزح؟، قلت له خذ أكتب الرقم وسترى، أخذت أتلوه عليه ثم ضغط على زر إجراء مكالمة، بعد قليل كان المجيب على الطرف الأخر رئيس الجمهورية، تلعثم الشاب في الكلام في البداية لكنه تماسك بسرعة، أخبره الرئيس أن يأتيه حالا الى مكتبه.

سيحل الرئيس مشكلة والد الشاب سريعا وسيتوجه الى العلاج، بعد عامين توفي الرجل وبعد خمس سنوات توفي الرئيس، وبعد لحظة، دقيقة، ساعة او يوم او شهر او عام او عشرات الأعوام سنتوفى جميعا.

عاجلا او آجلا سنموت جميعا ولن يبقى إلا الأثر،فاللهم إرحمنا أحياءا وأموات يا ذا الجلال والإكرام.

ورحم الله الشهيد وكل الشهداء.

المصدر: المستقلة للأنباء

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس