أفريقيا برس – الصحراء الغربية. عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الإثنين، جلسة مشاورات مغلقة حول آخر التطورات في الصحراء الغربية التي يحتلها المغرب منذ 1975، وهي الجلسة التي سبقها قيام المبعوث الأممي دي مستورا بزيارة إلى المنطقة، ناقش خلالها واقع عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة وآفاقها في آخر مستعمرة بإفريقيا، حيث تم خلالها التأكيد على تشبث الشعب الصحراوي بحقوقه المشروعة ومواصلة المطالبة بحقه في تقرير المصير.
جلسة المشاورات هذه والزيارة الأخيرة لدي مستورا إلى المخيمات الصحراوية بتندوف ولقائه مع مسؤولي الحكومة الصحراوية ومسؤولي دول الجوار، تأتي في سياق دولي وإقليمي تتناطح فيه المصالح والأفكار وتتغير فيه المواقف وفقا لمنطق المصلحة، خاصة بعد قيام فرنسا بخطوة غير محسوبة، لصالح البلد المستعمر، وترويجها لما يسمى “الاستقلال الذاتي للصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية”.
إضافة إلى تأكيد الخارجية الأمريكية لموقف سابق لترمب، والذي ينحى منحى الاعتراف الفرنسي، رغم أنه لم يتبع بخطوات استفزازية تجاه الشعب الصحراوي إلى حد الآن.
وتكمن أهمية هذه التحوّلات في اعتبار الدولتين من بين الدول التي تملك حق النقض في مجلس الأمن الدولي، فهل سيغير ذلك في مسار القضية الصحراوية؟ وهي التي أدرجت في قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي منذ عام 1963، بعد أن أحالت إسبانيا – البلد المحتل – معلومات بشأن الصحراء الإسبانية بموجب المادة 73 (هـ) من ميثاق الأمم المتحدة.
وإزاء ذلك، عبّرت الجزائر عن أسفها لتصرفات تلك الدول خارج الشرعية الدولية في قضية الصحراء، مؤكدة على لسان وزير الخارجية، أحمد عطاف “القناعة الراسخة التي تحذو الجزائر بأن السبيل الوحيد لاستكمال مسار تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية يكمن في استئناف المفاوضات المباشرة بين طرفي النزاع، المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، بدون شروط مسبقة وبحسن نية، وذلك قصد التوصل إلى حل سياسي يكفل ممارسة الشعب الصحراوي لحقه غير القابل للتصرف أو التقادم في تقرير المصير”.
في هذا الملف، سنسعى إلى تتبّع الخطوة الأمريكية الأخيرة بالتحليل، واستقراء مدى تأثير ذلك على مصير الصراع الذي يقوده الشعب الصحراوي من أجل تقرير مصيره.
المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية علي ربيج لـ”الشروق”:التحركات الأمريكية لن تخرج الملف الصحراوي من المظلة الأمميةاعتبر المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية، علي ربيج، أن اجتماع مجلس الأمن الدولي حول تمديد مهمة بعثة المينورسو في الصحراء الغربية لن يخرج عن إطاره الروتيني، رغم بعض المحاولات للتأثير على مسار التسوية الأممية.
وأكد ربيج في حوار خاص لـ”الشروق”، أن الموقف الأمريكي الأخير يندرج ضمن مناورات سياسية لا تغيّر من الوضع القانوني للقضية، المصنّفة ضمن ملفات تصفية الاستعمار.
كما حذّر ربيج من تحركات تهدف إلى دفع الملف خارج مظلة الأمم المتحدة، مشدّدا على أن الإدارة الأمريكية توظف القضية كورقة ضغط، بينما يبقى صمود الشعب الصحراوي حجر الزاوية في الدفاع عن حق تقرير المصير.
في البداية، ما هي توقعاتك بشأن ما سيصدر عن اجتماع مجلس الأمن الدولي خلال الساعات القادمة بخصوص تمديد مهمة بعثة المينورسو في الصحراء الغربية؟أعتقد أن اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، المخصّص لبحث آخر التطورات في الصحراء الغربية التي يحتلها المغرب منذ عام 1975، ومناقشة تمديد مهمة بعثة المينورسو في الأراضي الصحراوية، يعد إجراء روتينيا ومتوقعا، ولا أتوقع أن يتم خلاله إعادة النظر في جوهر مهمة البعثة.
ومع ذلك، من الممكن أن تسجل بعض الملاحظات الخاصة من قبل الإدارة الأمريكية، خاصة في ظل الديناميكية الجديدة التي تعرفها العلاقات الأمريكية – المغربية، ويأتي ذلك في أعقاب التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي، التي أكد فيها استمرار دعم الولايات المتحدة لمقترح الحكم الذاتي كحل للنزاع في الصحراء الغربية.
ومن المرجّح أن تكون لهذه التصريحات انعكاسات واضحة على مناقشات مجلس الأمن، لاسيما في ما يتعلق بمستقبل التسوية السياسية ودور بعثة المينورسو في الصحراء الغربية.
إلى أي مدى يمكن أن يؤثر الموقف الأمريكي الأخير على مخرجات هذا الاجتماع وقراراته المرتقبة؟لا شك أن الموقف الأمريكي الأخير ستكون له انعكاسات سلبية على مستقبل التسوية السياسية في الصحراء الغربية.
ومع ذلك، فمن المؤكد أن الموقفين الروسي والصيني سيكونان بالمرصاد لأي محاولة لإفشال مسار التسوية الذي تشرف عليه الأمم المتحدة، خصوصا من خلال بعثة المينورسو.
لذلك، من المتوقع أن يشهد هذا الملف تجاذبات حادة، وربما صراعا دبلوماسيا بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، غير أن الأهم من كل ذلك، هو أن قضية الصحراء الغربية تبقى من حيث المبدأ مدرجة ضمن ملفات تصفية الاستعمار، وهو ما يحدّ من قدرة الإدارة الأمريكية على فرض أي تغيير فعلي على أرض الواقع، فطرح مقترح الحكم الذاتي كمشروع قرار داخل مجلس الأمن يتطلب مسارا قانونيا واضحا وتصويتا داخل المجلس، الأمر الذي من المرجّح أن تجهضه روسيا والصين باستخدام حق النقض في حال تعارض مع مبدأ تقرير المصير.
هناك تحركات رامية إلى دفع الملف خارج مظلة الأمم المتحدة، هل من الممكن أن تنجح واشنطن في تغيير مسار التسوية الدولية للنزاع؟من الواضح أن هذا التوجّه يعد أحد المناورات التي يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى تبنيها، من خلال محاولة إخراج ملف الصحراء الغربية من إطار مجلس الأمن، وتسييس القضية بما يخدم مصالح معينة، غير أن هذا الملف، في جوهره، يظل خاضعا للأمم المتحدة، كونه مصنّفا ضمن قضايا تصفية الاستعمار، ما يمنحه طابعا قانونيا دوليا يصعب تجاوزه.
ومن المتوقع أن تحاول الإدارة الأمريكية التشويش على مسار التسوية، سواء عبر الضغط لإعادة النظر في تركيبة بعثة المينورسو وصلاحياتها، أو من خلال الدفع نحو مقاربات جديدة، كإثارة موضوع تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية، في محاولة لإحراج باقي الأطراف، وخصوصا الجزائر.
لكن رغم هذه التحركات، فإن مثل هذه المناورات ليست جديدة، وقد سبقت محاولات فرنسية وأمريكية مشابهة داخل مجلس الأمن، لكنها فشلت أمام تمسّك المجتمع الدولي بالطابع القانوني للنزاع، واعتباره قضية تصفية استعمار لا يمكن تسويتها إلا في إطار الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة.
ما هي التداعيات القانونية لتذكير الإدارة الأمريكية بموقفها الذي عبّرت عنه خلال الولاية الأولى للرئيس السابق دونالد ترمب بشأن الصحراء الغربية؟لا يترتب أي أثر قانوني على تصريحات المسؤولين الأمريكيين بشأن الحكم الذاتي، فهي لا تعدو أن تكون مبادرة سياسية ضمن سلسلة من المناورات التي تقوم بها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، بهدف الضغط على الجزائر وعلى الدول الداعمة لقضية الصحراء الغربية.
أما الشق القانوني في هذا الملف، فهو واضح ولا يمكن لأي إدارة أمريكية تغييره، وهو أن قضية الصحراء الغربية مدرجة لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن ضمن قضايا تصفية الاستعمار.
لذلك، فإن أي محاولة لإضفاء طابع مغاير على هذه القضية، أو تقديمها في إطار مختلف عن سياقها القانوني، ستكون محاولة فاشلة.
كما أن العالم اليوم يشهد أزمات كبرى، من بينها الحرب التجارية والاقتصادية إلى جانب الحرب الروسية – الأوكرانية، والحرب الإسرائيلية – الفلسطينية.
في ظل هذا السياق الدولي المعقّد، لا أعتقد أن إدارة ترمب ستمنح قضية الصحراء الغربية أولوية قصوى.
بل الأرجّح أنها ستستخدم كورقة ضغط من واشنطن على الحكومة المغربية، لدفعها نحو مزيد من التنازلات في مسار التطبيع، ولفتح المجال أمام اللوبي الصهيوني للتغلغل أكثر في مراكز صناعة القرار المغربي، ما يجعل القرار السياسي والاقتصادي وحتى الأمني والعسكري المغربي مرتهنا بشكل متزايد للولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
ومع ذلك، يبقى صمود الشعب الصحراوي هو مصدر الشرعية الحقيقية، وهو الذي يجسّد الحق المشروع في تقرير المصير.
الكاتب الصحفي الصحراوي بابا لعروسي لـ”الشروق”:مواقف أمريكا أداة لابتزاز المغرب لصالح المدللة “إسرائيل”
يقدم الكاتب الصحفي الصحراوي بابا لعروسي، خلفيات الموقف الذي ذكَرت به مجددا الإدارة الأمريكية حيال القضية الصحراوية بانحيازها للمملكة المغربية، معتبرا إياه حلقة جديدة لابتزاز المغرب الغارق في خدمة دولة الاحتلال.
ويقلل بابا لعروسي في هذا الحوار مع “الشروق” من الأهمية القانونية للموقف الأمريكي ويشدد أنه موقف يحمل تراجعا عن الموقف المعبَر عنه من واشنطن في سنة 2020.
كيف تقرأ الموقف الذي عبرت عنه الإدارة الأمريكية؟في البداية أود فقط تقديم بعض الملاحظات عن البيان الصادر عن الخارجية الأمريكية في 8 أفريل الجاري، والذي جاء مختلفا في كثير من النقاط عن البيان الصادر عن الخارجية الأمريكية في أفريل 2020، والذي ورد فيه أن قيام دولة صحراوية أمر غير واقعي، أما بيان 8 أفريل – نيسان فلم ترد تلك العبارة.
في بيان 2020، قالت إدارة ترامب إنها ستقدم على فتح قنصلية بالداخلة المحتلة، لكن في البيان الجديد لم يتطرق إلى ذلك، في بيان 2020 وردت عبارة اعتراف الإدارة الأمريكية على كل التراب المغرب، وهذا الأمر لم يتم تضمينه فيأفريل – نيسان 8 افريل.
اعتقد أن إدارة ترامب لا تكترث بالقانون الدولي في التعامل مع اقرب حلفائها، والأزمة مع حلف الناتو دليل على ذلك، والمغرب توهم أن ترامب سيمنحه الأفضلية والامتياز -المقايضة بالتطبيع – بمعنى أنه يستحق الدعم، نتيجة لما يقوم به خدمة للكيان الصهيوني من خلال توقف السفن المعبأة بالذخيرة التي ستستخدم في قصف المدنيين في غزة بموانئه.
ماذا يعني تذكير الإدارة الأمريكية بموقفها من ملف الصحراء الغربية وانحيازها للطرح المغربي؟يذكرنا موقف الإدارة الأمريكية بموقف الخيانة الإسبانية الذي يتجدد من وقت لآخر والطابور الخامس الذي ما زال، منذ الحرب الأهلية سنة 1936، متمركزا في مواقعه بمدريد ينتظر الإشارة، من الرباط، لتحريك الدمى المتساقطة في الرذيلة والنجاسة، وهو نفسه موقف فرنسا الذي يؤيد الطرح الإسباني المغربي.
إن انحياز الإدارة الأمريكية الواضح للأطروحات التوسعية المغربية ضد الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية يعتبر تناقضا صارخا مع الشرعية الدولية، المتمثلة في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وكذا الأحكام الصادرة عن محاكم دولية، إفريقية وأوروبية، والتي لا تعترف للمغرب بأي سيادة على الصحراء الغربية.
وتؤكد جميعها على الطبيعة القانونية لقضية الصحراء الغربية بأنها قضية تصفية استعمار لم تكتمل نتيجة لمحاولة المملكة المغربية التملص من التزاماتها بمقتضى خطة التسوية التي وافقت عليها مع جبهة البوليساريو سنة 1991 تحت إشراف منظمتي الوحدة الإفريقية -الاتحاد الأفريقي حاليا- والأمم المتحدة، والتي صادق عليها مجلس الأمن بالإجماع وأنشأ بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) لتنفيذها.
وبما أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع أن تفرض الحكم الذاتي على أرض الواقع، فهي تتخذه كأداة لابتزاز المغرب لصالح البنت المدللة إسرائيل، وهو الموقف الذي يقبله المغرب وترفضه جبهة البوليساريو.
إن موقف أمريكا يتناقض، من جهة أخرى، مع ما أعلن عنه الرئيس ترامب بأن هدف إدارته هو تحقيق السلام في العالم، كما لا يُشكل هذا الموقف خيبة أمل للطرف الصحراوي فحسب، بل يمثل خسارة للمكانة الأمريكية الدولية، وصورتها كدولة تبني نفوذها وقيادتها على قيم الحرية، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، والسلام القائم على العدل.
هل نحن أمام تواصل مسلسل المقايضة، اعتراف أمريكا بما يسمى “مغربية الصحراء” مقابل اعتراف المغرب بدولة الاحتلال؟أعتقد أن تجديد موقف أمريكا هو استمرار لمسلسل المقايضة، الولايات المتحدة التي سبق وأن حاولت جمع البوليساريو والمغرب للتفاوض حول الحكم الذاتي في سنة 2007، وهددت البوليساريو بعقوبات إن هي رفضت التفاوض حول الحكم الذاتي، لكن البوليساريو رفضت ولم يحدث شيء.
إن الموقف الأمريكي عبارة عن صفقات كان ثمنها بالأمس إبرام اتفاقيات كامب ديفيد وقبل ذلك تسريب المعلومات لوكالة المخابرات الأمريكية واليوم التطبيع مع الكيان الصهيوني وخدمة الأجندة الغربية في المنطقة.
تزداد خيبة الأمل المغربية، ويزداد ابتزاز ترامب للمخزن.
فصحافة المخزن التي عودتنا على الكذب وتحريف الحقائق لم تطبل كعادتها للقاء بوريطة وروبيو، ولم تحتف بالبيان وابتلعت لسانها، لأن القنصلية لم تُفتح.
ومن غير المستبعد أن ترامب ربط بين فتح قنصلية في الداخلة المحتلة بفتح المخزن لسفارة في القدس المحتلة وليس في تل أبيب.
قبل صفقة القرن الثانية المتعلقة بالقدس كانت هناك صفقة القرن الأولى المتعلقة بالصحراء الغربية صفقة واشنطن مدرید، حيث رسمت مستقبل الصحراء الغربية حينها، وأعطت الضوء الأخضر بإشراف مباشر من وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر لاحتلال الصحراء الغربية، عبر مخطط أقحمت فيه دول وظيفية كالمغرب ونظام المختار ولد داداه، وتجسد أولا بالمسيرة السوداء (31 أكتوبر 1975)، ومن ثم جاءت اتفاقية مدريد الثلاثية غير الشرعية (14 نوفمبر 1975) ليكتمل مشهد الغزو.
إن انخراط المغرب في المقايضة دليل ساطع على الفشل التام وإفلاس مشروع الضم بالقوة للصحراء الغربية، وهذا بعد 50 سنة من العدوان ومحاولات شرعنة الاحتلال بكل الطرق والوسائل.
فالولايات المتحدة تلحق بنفسها أضرارًا جسيمة ستنتشر تبعاتها إلى بقية أنحاء العالم، ولا أحد غيرها يستطيع إيقاف هذه الأزمة قبل أن تتفاقم حقًا.
لقد أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى إطلاق أجراس الإنذار، على أمل أن يكون لها بعض التأثير على دونالد ترامب “الظاهرة التاريخية”.
ما هي الآليات المتاحة أمام الجمهورية الصحراوية للدفاع عن عدالة قضيتها كونها ملف تصفية استعمار؟لقد اتضح خلال خمسة عقود، من عمر النزاع، بسبب العدوان المغربي على الشعب الصحراوي، بأن المحاولات الرامية إلى فرض حلول خارج قرارات الشرعية الدولية وفي تجاهل وتناقض مع مبدأ حق تقرير المصير وإلزامية ممارسته بصفة ديمقراطية وشفافة، باءت كلها بالفشل.
وبالتالي فالشعب الصحراوي يمتلك ما يكفي من الآليات القانونية للدفاع عن حقه المشروع، ولن يقبل بديلا عن الاستقلال الوطني، وأن الجمهورية الصحراوية ستتبوأ مقعدها بين أعضاء الأمم المتحدة، مهما كانت العراقيل، وأن المجتمع الدولي، منظمات ومحاكم لن يعترف للمغرب بالسيادة علي الصحراء الغربية مهما طال الزمن.
من كل ما سبق يجب أن نفهم أن اعتماد منطق اللوبيات وشراء الذمم وقوانين التجارة والمقايضة لا يعتمدون فيما يتعلق بحقوق الشعوب وسيادتها وبحيازة الأراضي كما تجلى في ردة فعل المجتمع الدولي الرافضة والغاضبة وفي الزخم الإعلامي الكبير والمتنوع الذي نتج عن سياسة البيت الأبيض وإفلاس صاحب العرش المهزوز.
زيغ أمريكا عن دعم حقوق الشعب الصحراوي الشرعية، مشابه لموقفها مما يحدث في غزة؟رغم أن الحالين متشابهتين من حيث حالة الاحتلال وهما ضحيتان لعدم الإنصاف وتطبيق الشرعية الدولية إلا أنهما تختلفان من حيث نظرة الإدارة الأمريكية وموقفها الدائم إزاء إسرائيل ووجود إسرائيل في المنطقة وما يرتبط بها من أهداف واستراتيجيات للولايات المتحدة الأمريكية.
رئيس اللجنة الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي سعيد العياشي لـ”الشروق”:قرارات ترامب ستلقي بظلالها… وكل السيناريوهات واردة!
حذر رئيس اللجنة الوطنية الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي سعيد العياشي، من خطورة الموقف الأمريكي الداعم لمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية، واصفًا إياه بخرق صارخ للقانون الدولي ومحاولة لإخراج القضية الصحراوية من إطارها القانوني كقضية تصفية استعمار، من دون أن يستبعد سيناريوهات خطيرة تُهدد حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.
في أي سياق سياسي ودبلوماسي يمكن فهم الموقف الحالي للولايات المتحدة من قضية الصحراء الغربية؟يندرج الموقف الأمريكي الداعم لمقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب في الصحراء الغربية ضمن سياق يثير إشكالات قانونية جدية، خاصة بالنظر إلى أن الولايات المتحدة تُعد عضوا دائما في مجلس الأمن، وهي مطالبة بحكم هذا الموقع بالدفاع عن الشرعية الدولية وصون القانون الدولي.
ولطالما تبنّى الغرب بصفة عامة، والولايات المتحدة بصفة خاصة، خطابا سياسيا يرتكز على احترام القانون الدولي والمبادئ التي تدعو لحماية حقوق الإنسان، غير أن هذا الموقف الأخير يتعارض بشكل واضح مع عدد من الأحكام القضائية الدولية والتوصيات الصادرة عن منظمات إقليمية وأممية.
فالمجتمع الدولي، ممثلا في مؤسساته القضائية والتشريعية، قد أكد في أكثر من مناسبة على أولوية القانون الدولي في تسوية نزاع الصحراء الغربية، ودعا صراحة إلى احترام حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، عبر تنظيم استفتاء حر ونزيه.
وقد عبّرت عن هذا الموقف جهات قضائية دولية متعددة، أبرزها محكمة العدل الدولية، التي أكدت غياب أي سيادة مغربية على الصحراء، كما جدّد هذا التوجه القضائي المجلس الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، فضلا عن عدد من قرارات مجلس الأمن وتوصيات اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى المواقف الحديثة الصادرة عن مؤسسات القضاء الأوروبي التي شددت على التمييز بين الأراضي المغربية والصحراء الغربية في الاتفاقيات الموقعة.
وفي ضوء هذه الخلفية القانونية والسياسية، يبدو أن الموقف الأمريكي، إن تم تثبيته رسميا من دون تعديل أو تراجع، سيكرس ازدواجية في تطبيق القانون الدولي، ويفتح المجال أمام مزيد من التعقيد في مسار التسوية السلمية للنزاع، كما سيضعف من مصداقية واشنطن كفاعل دولي يدعي الالتزام بقواعد النظام القانوني العالمي.
باعتبار أن الصحراء الغربية مدرجة ضمن قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المحكومة ذاتيًا الخاضعة لتصفية الاستعمار، ما الذي يعنيه ذلك من الناحية القانونية والسياسية؟ وكيف يمكن تفسير المواقف المتعارضة التي تصدر أحيانا من بعض العواصم الغربية؟إدارة رئيس الولايات المُتحدة الأمريكية السابق جو بايدن تجاهلت المرسوم الذي أصدره سلفه بشأن الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، لأن هذا القرار يُعد خرقا للقانون الدولي ويُضعف مصداقية الولايات المتحدة على الساحة العالمية.
ورغم ذلك، واصلت واشنطن الدفع نحو تبني الحل المغربي، ولم تتوقف طويلا، بل مارست ضغوطا على الصحراويين لقبول مشروع الحكم الذاتي.
هذا الانحياز للموقف المغربي يعود إلى كون المملكة المغربية حليفا قديما للولايات المتحدة منذ حقبة الحرب الباردة، وتتمتع بدعم ثابت من واشنطن.
كما أن بعض الدوائر الأمريكية تتبنى رؤى استراتيجية ترى أن موقع الصحراء الغربية المطلّ على المحيط الأطلسي، والمقابل للساحل الأمريكي، قد يشكل تهديدا محتملا للمصالح الأمريكية في حال استقلال الصحراء وظهور قيادة سياسية لا تتماشى مع التوجهات الأمريكية.
إضافة إلى ذلك، تُبدي بعض الدوائر في الإدارة الأمريكية تخوفا من إمكانية خضوع الصحراء الغربية لتأثير الجزائر، الدولة التي لا تستجيب للإملاءات، ما قد يُربك حسابات واشنطن في المنطقة.
من جهته، يدرك النظام المغربي أن تنظيم استفتاء لتقرير المصير قد يؤدي إلى فوز جبهة البوليزاريو، وهو ما سيُعتبر خسارة سياسية فادحة تهدد هيبة المملكة وموقعها، خصوصا في نظر بعض حلفائها في الغرب والخليج، الذين لا يرغبون في زعزعة استقرار المغرب لأسباب استراتيجية واقتصادية وأمنية.
أما على المستوى الدبلوماسي، فقد كانت الجمهورية الصحراوية تحظى باعتراف 87 دولة، لكن هذا العدد تراجع إلى 63 بعد أن جمدت بعض الدول اعترافها، بينما لا تزال أخرى متمسكة بالقانون الدولي ومبدأ تقرير المصير.
وعند توقيع اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991 تحت إشراف الأمم المتحدة، التزمت الأخيرة بتنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي.
ورغم مرور 33 سنة على هذا الاتفاق، لا يزال الاستفتاء معلّقا، في حين خُرق وقف إطلاق النار من قبل الجيش المغربي.
كما أن الجميع يعلم أن الصحراء الغربية تتمتع بثروات طبيعية هائلة، وتشهد استغلالا متواصلا من قبل النظام المغربي، الذي لا يكتفي بنهب الموارد، بل يسمح أيضا لبعض الدول بالاستثمار في المنطقة في مجالات متعددة، رغم وضعه القانوني غير المحسوم.
ما هي توقعاتكم لما سيصدر عن اجتماع مجلس الأمن الدولي خلال الساعات القادمة بشأن تمديد مهمة بعثة المينورسو؟من المعروف أن مجلس الأمن يدرس كل سنة، خلال شهر أفريل، ملف الصحراء الغربية، ويصدر لائحة جديدة بشأنه.
ورغم الملاحظات التي تُسجل أحيانا من بعض الأطراف، إلا أن لوائح المجلس ما تزال، حتى اليوم، تتضمن اعترافا بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.
وفي كل شهر أكتوبر، تعقد اللجنة الرابعة المعنية بإنهاء الاستعمار اجتماعا لطرح توصيات بعد مشاورات بين أعضائها، كون ملف الصحراء الغربية مدرجا ضمن إطار تصفية الاستعمار.
المشكلة تكمن في أن توصيات اللجنة الرابعة ولوائح مجلس الأمن تظل، في كثير من الأحيان، مجرد حبر على ورق، إذ لا يتم تنفيذها على أرض الواقع.
فكل القرارات التي تصدر في إطار الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة لا تُعتبر ملزمة للدول المعنية، مما يضعف من فعاليتها.
هل ترى أن الموقف الأمريكي الأخير سيؤثر على القرارات التي ستصدر عن الاجتماع؟من المؤكد أن الجلسة ستكون ساخنة.
ومع ذلك، يظل ما يدعو إلى التفاؤل هو استمرار تأكيد حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، لكن، لا يمكن تجاهل المخاوف من تداعيات قرار إدارة ترامب، إذ ما زال يلقي بظلاله على التطورات الحالية، ويثير القلق من أن تأتي بعض المستجدات في غير صالح الصحراويين.
فمنذ سنوات، نُلاحظ وجود ضغوط غير مباشرة تُمارس – آذار ضد القانون الدولي، خاصة وأننا نعلم أن الولايات المتحدة هي التي تتولى صياغة لوائح مجلس الأمن المتعلقة بالنزاع.
كما أن النظام المغربي يحلم دائما بإخراج ملف الصحراء الغربية من الإطار القانوني، لكن من وجهة نظر قانونية، فإن الملف واضح ولا يحتمل التأويل.
وهذا ما يفسر الاستفزازات المتكررة التي تصدر عن النظام المغربي تجاه الجزائر، في محاولة لتحوير طبيعة النزاع من قضية تصفية استعمار إلى صراع ثنائي بين دولتين.
الاستفزازات تأتي دوما من الجانب المغربي، لكن التعتيم الإعلامي الممنهج على القضية الصحراوية، بالتواطؤ مع الكيان الصهيوني، أسهم في تغييبها عن وسائل الإعلام الدولية، التي أصبحت تتجاهلها بشكل شبه كامل.
هناك محاولات أمريكية حثيثة لإخراج النزاع من تحت مظلة الأمم المتحدة، هل ستنجح؟الأخطر من ذلك، وهو احتمال وارد – لا قدر الله – أن تتخذ الإدارة الأمريكية قرارا بتصنيف جبهة البوليزاريو كمنظمة إرهابية.
وفي حال حدث ذلك، فإن كل من يدعم الجبهة سيتعرض للملاحقة، مما سيُعقّد الملف أكثر، ويحوّله إلى صراع يُدار بقانون القوة لا القانون الدولي.
مع ذلك، تبقى جبهة البوليزاريو معترفا بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الصحراوي على المستويات السياسية والدبلوماسية والقانونية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية عبر موقع أفريقيا برس