
أفريقيا برس – الصحراء الغربية. المساهمة الفكرية للملحق الاعلامي والثقافي بالبعثة الدائمة للجمهورية الصحراوية باثيوبيا والاتحاد الافريقي الدبلوماسي ودادي السالك المقدمة لاشغال الندوة الرقمية حول المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء وانتفاضة الزملة التاريخية التي نظمتها وكالة الانباء المستقلة يوم 17 يونيو2021.
بسم الله الرحمن الرحيمفي المستهل، اتقدم بالشكر الجزيل الى الاخوة الاعزاء في وكالة الانباء المستقلة على اتاحة هذه السانحة، لسبر اغوار التاريخ، و المساهمة في مسح غبار النسيان عن البعض من مأثر و امجاد التاريخ الصحراوي المقاوم .
في هذه المداخلة الموجزة، للحديث عن الحركة الطلائعية و زعيمها الرمز محمد سيد ابراهيم لبصير او “بصيري” كما هو معروف لدى الجميع، حاولنا اعتماد تقنيات المنهج التاريخي بما يقتضيه من انتقاء و تجميع للمعلومات ـ على الرغم قلتها ـ و محاولة نقد للمصادر من حيث توضيح جودتها و تبيان المعلومات، ثم عرض النتائج المحصل عليها و ان لم نتمكن من تضمين بعض الشهادات.
اولا المنظمة الطلائعية او الطليعية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب، التي أسسها محمد سيد إبراهيم لبصير ( او محمد سيد ابراهيم بصيري)، جاءت مع اواخر 1969 كإستمرار لحركة المقاومة الوطنية الصحراوية الرافضة لتواجد الاستعمار، و جزء من ردود الفعل الوطني الصحراوي ضد السيطرة الاجنبية المفروضة على الشعب الصحراوي و القائمة على استغلال الارض و طمس الهوية الثقافية و الدينية و قمع و ترهيب الشعب الصحراوي.
تشير المصادر القليلة المعنية بتوثيق اسباب ظهور الحركة الطليعية و الاهداف التي تأسست من اجلها، الى ان التحرير الكامل للارض و دحر الاستعمار و المحافظة على المقومات الثقافية و الدينية للمجتمع الصحراوي، شكلت صدارة اهدافها، و نجحت في ارساء دعائم الفكر التحرري الحتمي، بفضل توفر مجموعة من الاسباب و الظروف الدولية و الاقليمية.
و لعل عزم الحركة على تنظيم مظاهرة عارمة في 17 يونيو 1970، اولى بوادر التحرك المكشوف للكيان الجديد الذي تولت زمام قيادته نخبة وطنية نجحت في عمليتي التأطير السياسي و الثقافي لشريحة واسعة من المجتمع الصحراوي، و في وقت وجيز جدا، دون ان ننسى التأثير البليغ لما يجري من تحولات جيوسياسية حديثة في المحيط الاقليمي بعد الاستقلال المبكر لعدد من البلدان المستعمرة و نجاح الكثير من حركات التحرير في جلاء القوى الاستعمارية عبر العالم، و ظهور التنظيمات النقابات و وسائل الاعلام و الاتصال.
و في خضم تلك المرحلة الحساسة التي لم تتجاوز ظروف النشأة، جاءت ردة الفعل من قبل السلطات الاسبانية المستعمرة، بهدف قتل الحركة الطليعية في مهدها و وحاولة سد كل الثغرات التي من شأن الفكر التحرري التسلل عبرها، فعلى الرغم من سلمية التظاهر و مشروعية المطالب، فقد استخدم الاستعمار الاسبانيا السلاح و قتل و جرح عدد كبير من الصحراويين و زج بالمئات منهم في السجون، و فوق ذلك فقد اَسَرَ زعيم الحركة، محمد سيد ابراهيم لبصير و ظل مصيره مجهولا الى اليوم.
ظن المستعمر الاسباني انه و بردة فعله تلك قد اجهض مشروع الحركة الطليعية في مهدها، لكن الواقع اثبت عكس ذلك و اوضح مواجهة التظاهر السلمي بقوة السلاح و اختطاف زعيم الحركة قد ادى الى اذكاء روح التحرر و نبذ كل اشكال الاستعمار و التفكير المعمق في خلق البديل المناسب من حيث البناء و الاسلوب التنظيمي الكفيلين بقوة التوحيد و التجنيد القادرة على انهاء المطامع الاستعمارية و التعجيل بتحرير الارض.
قد يكون قصر الامد الزمني بينها كافيا للدلالة التاريخية بين الحركة الطليعية و الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب، و على قصر عمر الاولى و نجاح الثانية في الاستمرارية ـ على الرغم من اختلاف المراحل و الظروف ـ يظل الكفاح من اجل الاستقلال الوطني و الحرية مدادا فكريا متحدا يرصع المسيرة النضالية للشعب الصحراوي الطامح الى جلاء الاستعمار و نباء دولته مهما اختلفت المسميات و وسائل الكفاح و تغيرت الظروف.
اذن، اليوم و بعد 51 سنة على احداث انتفاضة الزملة التاريخية، و بعيدة الاحتفال بالذكرى ال 48 لتأسيس جبهة البوليساريو، نستخلص بعض الخصائص المستنتجة من المسار الامتدادي للحركتين الوطنيتين، و بعد اعتمادنا منهجا تاريخيا في تحليل الاحداث و نقدها، نكون قد إستنتجنا مايلي:1 الاهداف واحدة و هي التحرير و الاستقلال و الحرية.2 القدرة على التأثير و التحريك و إذكاء روح الوحدة الوطنية.3 السياق التاريخي، متصل، متقارب، متزامن.4 ذات وصول فكرية غنية و عميقة5 نجحت في تحقيق جزء كبير من اهدافها.
في الاخير، نتفق ان جبهة البوليساريو التي تعتبر امتدادا طبيعيا لحركة المقاومة الطليعيىة، قد احدثت الاستثناء التاريخي من خلال قدرتها على المحافظة على اهتماماتها التحريرية في ظل تطور الاهتمامات الدولية و الاقليمية و وصول المسار المقاوم للشعب الصحراوي الى مرحلة التعقيد و التأزم و انسداد كل الافاق حتى تاريخ 13 نوفمبر 2020، و مع ذلك لا يمكن باي حال و تحت اي مبرر ان نترك التاريخ يضيع و من حقنا جميعا ان نطالب بحماية التاريخ من النسيان و الضياع، و ان نطالب بكشف المزيد مما لم يذكر بعد و لم يتم تدوينه و حفظه، و هنا اختم بأن التاريخ نفسه اثبت ان مُعطى الوحدة الوطنية اقوى و اعمق مما نتصور و لا يمكن ان يكون مبررا لعدم الخوض في التاريخ او تركه للنسيان.
بقلم: ودادي السالك.