دعوة غوتيريش “طرفي” النزاع في الصحراء الغربية “لإيجاد حل” حق أريد به باطل

13
دعوة غوتيريش “طرفي” النزاع في الصحراء الغربية “لإيجاد حل” حق أريد به باطل
دعوة غوتيريش “طرفي” النزاع في الصحراء الغربية “لإيجاد حل” حق أريد به باطل

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. دعا الأمين العام الأممي، أنطونيو غوتيريش، ردا على سؤال حول الصحراء الغربية خلال ندوة صحفية أجراها يوم الجمعة الماضي، المغرب وجبهة البوليساريو، بصفتهما “طرفي” النزاع الوحيدين، للدخول في حوار جاد والتوصل إلى حل نهائي، منتقدا، حسبه، تأخرهما في التوصل إلى حل، ومؤكدا على أن الوقت قد حان لأن يفهم “الطرفان” خطورة الوضع في المنطقة، في إشارة إلى تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية التي تعرفها مجمل دول الساحل والصحراء.

ورغم أن تأكيد غوتيريش على “طرفي” النزاع تحديدا، هو ضربة مباشرة وصريحة للدعاية المغربية التي تحاول دائما إقحام الجزائر في النزاع كطرف، ضمن دعاياتها التضليلية المعروفة، إلا أن المنطق الذي اعتمده غوتيريش في وضع الجلاد الغازي، المنتهك للشرعية الدولية، المغرب، على قدم المساواة مع الضحية، المتمثلة هنا في جبهة البوليساريو، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي المغتصبة أرضه والمنتهكة حقوقه، هو إجحاف حقيقي، وتجسيد فعلي للفشل الذريع الذي غاصت فيه المنظمة الدولية منذ السبعينات حين سمحت لنظام توسعي قمعي ودموي بغزو الصحراء الغربية في تجسيد فعلي لمنطق الغاب، ومنطق القوة كغاصبة للحق، وحين منحته عبر تقاعسها عن حماية القانون الدولي فرصة ذهبية لخلط الأوراق، بل ربما أنها لم تقم بذلك بحسن نية، بل خدمة لأجندة دول غربية، خاصة فرنسا، التي سعت دائما وما تزال لوقف مسلسل تصفية الاستعمار الذي كان يجتاح القارة الأفريقية آنذاك.

الأدهى من ذلك أن ادعاء غوتيريش أن هناك حاجة “لإيجاد حل”، هو في حد ذاته مغالطة خطيرة ومجحفة حتى في حق منظمته نفسها. فالجميع يعلم أن المنظمة قد شخصت القضية بالفعل وبوضوح كقضية تصفية استعمار لا لبس فيها منذ الستينات، وهو ما أكدته محكمة العدل الدولية في 1975. كما شخصت المنظمة الحل في تنظيم استفتاء لتقرير المصير يكون فيه الشعب الصحراوي مالك القرار الحصري. وبالفعل وافق الطرفان على هذا الحل سنة 1991، وشكل قبولهما به اعترافا متبادلا، حيث اعترف المغرب بقبوله هذا الحل أنه دولة محتلة، وأن لا سيادة له على الصحراء الغربية فعلا، وأنه يقبل أن يخرج من البلد لو أكد الشعب الصحراوي، مالك السيادة الوحيد، رغبته في ذلك عبر استفتاء. كما شكل قبول جبهة البوليساريو بهذا الحل اعترافا منها هي أيضا أن القانون الدولي هو المرجعية التي ينبغي احترامها لإيجاد الحل عبر تمكين هذا الشعب من حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير كمبدأ أساسي اعترفت به المنظومة الدولية في كل قوانينها السارية وكقاعدة مبدئية لا يحق لأي قوة أو دولة أو هيئة كسرها أو منعها.

إذا، من الواضح أن تصريح غوتيريش هو مجرد محاولة لتبرير فشله، وفشل منظمته قبله، في فرض احترام قراراتها، وفي فرض احترام الشرعية الدولية الواضحة بهذا الخصوص، والتي تقول منذ 1963 بأن الصحراء الغربية بلد محتل، وأن مالكها الشرعي الوحيد هو الشعب الصحراوي، وأن لا سلطة لأي كان على هذا الشعب إلا السلطة التي يختارها لتمثيله، وقد اختارها فعلا منذ منتصف السبعينات حين أعلن قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، حكومة شرعية يجسدها ممثله الشرعي والوحيد، جبهة البوليساريو، لتسيير البلد بعد خروج الاستعمار الاسباني بالطريقة المخزية التي تخلت فيها مدريد عن مسؤولياتها في استكمال تصفية الاستعمار من مستعمرتها السابقة.

كما أنه من الواضح أن هناك نية أو على الأقل مساعي للعديد من القوى الدولية لتشويه وتحوير القواعد والمبادئ التي تؤطر النزاع، الذي كان ينبغي على الأمم المتحدة أن تعالجه منذ 1975 كاعتداء عسكري من طرف المغرب في إطار البند السابع من ميثاقها، مثلما تعاملت مع الغزو العراقي للكويت في التسعينات مثلا. لكن مجلس الأمن لم يفعل حينها، وتغاضى عن الموضوع نوعا ما، لأن الدول التي كانت معنية بالنزاع آنذاك، لا سيما اسبانيا، وفرنسا وامريكا، لم تكن تمانع في تمكين المغرب من التوسع على حساب الصحراء الغربية، في إطار استراتيجياتها خلال مرحلة الحرب الباردة. لذلك فقط ظل النزاع يعالج في إطار البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بتسوية النزاعات بالطرق السلمية، وهو ما يشكل في حد ذاته انتهاك متواصل لمبادئ الشرعية الدولية.

لكن ما ينبغي للجميع أن يعيه جيدا هو أن طريقة حل النزاع في الصحراء الغربية ستشكل نقطة فاصلة لا رجعة فيها بين منطق بناء العلاقات الدولية على أساس الشرعية الدولية والقانون والحقوق، ومنطق اعتماد القوة والغصب كمحرك أساسي لهذه العلاقات، وهو المنطق الذي دفعت البشرية بسببه طيلة قرون ضريبة مكلفة أخلاقيا، وإنسانيا، واجتماعيا، وضحايا بشرية بلغت عشرات ملايين القتلى. ولذلك لا بد من توجيه رسالة واضحة للأمم المتحدة كمنظمة، وللدول الأعضاء عموما، بأن تستنبط الدروس جيدا، وتقف إلى جانب حل النزاع في الصحراء الغربية على أساس احترام الشرعية الدولية إذا أرادت فعلا بناء مستقبل يحترم الشعوب، ويحترم حقوقها ويضعها على قدم المساواة، ويحترم سيادة القانون لبناء السلام والأمن العالميين وهو ما نحلم به جميعا. ولذلك أيضا ينبغي أن يكون نضال الشعب الصحراوي من أجل إحقاق الحق في تقرير المصير، نضالا لجميع الشعوب المحبة للسلام وليس مسؤولية الصحراويين وحدهم.
بقلم: ماء العينين لكحل للخبر الجزائرية

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس