بسببنا: كوكبنا معتلّ الصحة مختلّ الموازين

17
بسببنا: كوكبنا معتلّ الصحة مختلّ الموازين
بسببنا: كوكبنا معتلّ الصحة مختلّ الموازين

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. على مدى آلاف السنين كان تعداد البشر في جميع أنحاء الأرض لا يتجاوز عشرات أو مئات الملايين، ولم يبلغ المليار إلا حوالي عام 1800. لكن العدد تزايد أثناء القرنين الماضيين سبعة أمثال، بحيث أنه سيبلغ بحلول 15 نوفمبر القادم 8 مليارات نسمة. فهل يستطيع كوكبنا، حتى لو كان في أفضل توازناته البيئية، تحمّل هذا العدد الهائل من السكان؟ وبما أننا أوصلناه إلى أسوأ أوضاعه البيئية، حيث اختلّت موازينه وانقلبت توازناته إلى حد الانخرام التام (الذي تتنوع شواهده كل يوم تقريبا، من موجات حر شديد في البلدان الباردة، وقحط في بلاد المطر والخصوبة، وحرائق وفيضانات وأعاصير، واضطراب المواسم الطبيعية، وانقراض آلاف الكائنات الحية من حيوانات ونباتات، الخ)، فإن السؤال الذي لا مناص منه هو: هل الكوكب المعتلّ الصحة المختلّ الموازين، بسبب ما اقترفته أيدي البشر، قادر اليوم على تحمل 4 مليارات نسمة، ناهيك عن 8؟

ذلك أن رقم 8 مليارات إنما يعني أن التكاثر البشري قد بلغ حدا كارثيا، بل قياميا مؤذنا بنفاد إمكانات البقاء (أي مجرد مقاومة الفناء)، كما تقول مديرة جمعية “الديموغرافيا المسؤولة” ماري-إيف برو التي ترى أن العمل على معالجة الاحتباس الحراري بالحد من منفوثات ثاني أوكسيد الكربون لا معنى له ولا نجاعة إطلاقا إلا إذا اقترن بالعمل على الحد من الولادات في معظم المجتمعات. إذ تبين إحصائيات شعبة السكان التابعة لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في منظمة الأمم المتحدة (التي دأبت، منذ الخمسينيات، على إصدار دراسة كل سنتين عن تطورات الوضع السكاني العالمي) أن عدد سكان الكوكب سيرتفع إلى 8 ونصف مليار عام 2030، وإلى 9 مليارات و700 مليون عام 2050، وإلى 11 مليارا في أواخر هذا القرن.

وستكون بلدان جنوب الصحراء الإفريقية هي مصدر معظم الولادات، التي ستؤدي إلى إضافة كتلة بشرية جديدة من ثلاثة مليارات نسمة أثناء العقود الثمانية القادمة، لأن معدل الولادات لكل امرأة يبلغ 4،6 في إفريقيا جنوب الصحراء، بينما يبلغ 3،4 في أوقيانوسيا (باستثناء أستراليا ونيوزيلندا)، و2،9 في إفريقيا الشمالية وآسيا الغربية. لهذا ستتزايد الولادات في بقية العالم من الآن حتى 2050 بنسبة 12 بالمائة فقط، لكنها ستتزايد بنسبة 56 بالمائة في مصر، و79 بالمائة في أثيوبيا، و85 بالمائة في السودان، و95 بالمائة في نيجريا، و96 بالمائة في أوغندا، و117 بالمائة في كل من تنزانيا والكونغو. النتيجة أنه إذا كانت إفريقيا هي اليوم مصدر ولادة من كل ست ولادات في العالم، فإنها ستصير عام 2050 مصدر ولادة من كل أربع ولادات. وسيؤدي هذا إلى مضاعفة عدد سكان إفريقيا من مليار و300 مليون نسمة اليوم إلى مليارين ونصف مليار عام 2050 (أما عدد سكان نيجيريا فسيزداد في الفترة ذاتها ثلاثة أمثال. هذا رغم أن نسبة الخصوبة هناك ستتناقص من 7 ولادات إلى 4 لكل امرأة).

ونظرا إلى شدة خطورة الوضع البيئي والديموغرافي، فإن الأمر لا يتعلق بمجرد الحد من المنفوثات والولادات، بل إنه يقتضي التقليل من كلتيهما إلى أدنى الدرجات لأن القنبلتين الموقوتتين، البيئية والسكانية، متكاملتان متضافرتان عمليا وزمنيا. ونزع فتيل القنبلة لا يمكن أن يقع جزئيا أو نسبيا، بل إنه يكون كليا أو لا يكون. كما أن نزع فتيل قنبلة واحدة لن ينجي البشرية من خطر انفجار القنبلة الأخرى، بل لا بد من العمل على كلتا الجبهتين. على أن من الضروري تحديد المسؤوليات و”تقسيم العمل” بين المجتمعات حسب مستواها الاقتصادي وحسب حجم مساهمتها سواء في الكارثة البيئية أم الكارثة السكانية. ومن أوضح الأمثلة على اختلاف المسؤوليات بين البلدان الفقيرة والغنية أن النيجر (وليس نيجيريا المجاورة) هي البلد المسؤول عن أعلى نسبة تكاثر في العالم (حوالي 7 ولادات لكل امرأة)، لكن حجم مسؤولية المواطن في النيجر عن الكارثة البيئية (نسبة منفوثات الغازات السامة المسببة للاحتباس الحراري) هو أقل بـ100 مرة عن مسؤولية المواطن الفرنسي.

ويبقى أن معالجة الكارثة البيئية أسهل من معالجة الكارثة السكانية. ذلك أن في وسع الدول الغنية أن تعمل على تغيير نمط معيشتها بالانتقال السريع لطور استخدام الطاقة الخضراء وبالخفض الشديد من أكل اللحوم ومشتقات الحليب (لأن الإنتاج الغذائي هو مصدر ربع انبعاثات الكربون في العالم). أما الدول الفقيرة فإن من الصعب عليها، لاعتبارات ثقافية بديهية، أن تقنع مجتمعاتها بخفض الإنجاب، أو وقفه تماما، إلا إذا لجأت لأساليب التخويف والبطش التي انتهجتها الصين، من عام 1976 حتى 2015، لفرض سياسة الطفل الواحد.

٭ كاتب تونسي

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس