أفريقيا برس – الصحراء الغربية. بدأت بوادر اندلاع حرب جديدة في الصحراء الغربية تلوح في الأفق([1]) منذ غشت 2016 عندما سعى المغرب الى تغيير الوضع القائم في الإقليم من خلال بناء طريق عبر جداره العسكري والمنطقة العازلة في الكركرات بالصحراء الغربية، في انتهاك لاتفاق وقف إطلاق النار القائم منذ عام 1991، وهو امر قبل برفض جبهة البوليساريو التي حشدت قواتها بالمنطقة، وهددت بالرد العسكري اذا تقدم الجيش المغربي في شق الطريق المذكور، مما دفع المغرب الى التراجع عن خططه ثم اعلان جبهة البوليساريو إعادة انشار للجيش الصحراوي غير بعيد عن المنطقة.
وفي 28 أبريل 2017، تبنى مجلس الامن الدولي القرار 2351 (2017) الذي أقر من خلاله ”بأن ازمة الكركرات تثير مسائل أساسية تتعلق بوقف إطلاق النار والاتفاقات ذات الصلة وفي 2 يونيو 2017 قدمت الأمم المتحدة مقترحا لمعالجة تلك المسائل، بما في ذلك عن طريق إيفاد بعثة خبراء لإجراء مشاورات متعمقة مع الطرفين، وبينما حظى المقترح بموافقة جبهة البوليساريو تم رفضه من قبل المغرب بقوله إن الاتفاق العسكري رقم 1 ما زال صالحا ويشكل ضمانة للحفاظ على وقف إطلاق النار، ومن ثم اعتبر البعثة المقترحة ”في غير أوانها“ و ”غير مناسبة([2]) .
لقد برهن الاعتراض المغربي على نشر بعثة خبراء الأمم المتحدة المقترحة ان الرباط لا ترغب في معالجة الأسباب الكامنة وراء الأزمة وبالرغم من عديد الرسائل التي وجهتها جبهة البوليساريو في هذا الاطار الا ان مجلس الامن الدولي لم يتخذ اجراءات ضد المغرب،([3]) وفي اعقاب تبني المجلس للقرار 2494 (2019)، أعلنت جبهة البوليساريو إعادة النظر في مشاركتها في عملية السلام بسب ما اعتبرته فشل الأمانة العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن المتكرر في منع المغرب من إملاء شروط عملية السلام، ودور الأمم المتحدة في الصحراء الغربية، وبعد أسابيع قليلة شهد المؤتمر الخامس عشر لجبهة البوليساريو الذي عُقد في بلدة تيفاريتي بالأراضي الصحراوية المحررة خلال الفترة من 19 إلى 24 ديسمبر 2019،نقاشا حادا حول مطلب العودة الى الحرب انتهى بتكليف الأمانة الوطنية لجبهة البوليساريو (اعلى هيئة قيادية بين مؤتمرين) باتخاذ القرار المناسب بهذا الشأن([4]) .
دفع فشل مجلس الامن الدولي في معالجة الأسباب التي أدت الى اندلاع ازمة الكركرات سنة 2016 الى عودة التوتر مجددا الى المنطقة حيث قررت جمعيات من المجتمع المدني الصحراوي تنظم احتجاج سلمي بالتزامن مع معالجة قضية الصحراء الغربية على مستوى مجلس الامن الدولي شهر أكتوبر 2020، وكان هدف الاحتجاج لفت الانتباه الى التداعيات الخطيرة التي قد تنجم إذا استمر عجز الأمم المتحدة عن الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية.
استمر الاحتجاج لما يقارب الشهر حيث اغلق المتظاهرون ثغرة الكركرات في وجه النقل حركة النقل البري، ودفع الوضع المتأزم المغرب وجبهة البوليساريو الى حشد قوات عسكرية بالمنطقة، وشهدت تلك الفترة تحركات دبلوماسية على أكثر من صعيد لتفادي تطور الوضع خاصة بعد تهديد المغرب بفض الاعتصام بالقوة.
الأسباب غير المباشرة لاندلاع الحرب الثانية في الصحراء الغربية
الاسباب المباشرة
شكل الهجوم المسلح الذي نفذه الجيش المغربي بتاريخ 13 نوفمبر 2020 ضد المعتصمين الصحراويين بالمنطقة العازلة بالكركرات السبب المباشر لاندلاع الحرب، حيث اعتبرت جبهة البوليساريو الهجوم عملا عدوانيا وانتهاكا صارخا لوقف إطلاق النار، فرض على قوات الجيش الصحراوي التي كانت مرابطة بالمنطقة الرد والدخول في الاشتباك مع القوات المغربية دفاعاً عن النفس وحماية المدنيين ([5]) .
لقد شكل الهجوم المغربي الفرصة المناسبة التي طالما انتظرتها جبهة البوليساريو منذ سنوات للتخلص من اتفاق وقف اطلاق النار، الذي كبل تحركاتها ومنعها من ممارسة الضغوط المناسبة للرد على المحاولات المتكررة للمغرب لفرض سياسة الامر الواقع([6]) حيث اعلنت جبهة البوليساريو من خلال مرسوم رئاسي تحللها نهائيا من اتفاق وقف إطلاق النار وبدء استئناف الكفاح المسلح.
الحرب … اختبار لجبهة البوليساريو
يعتقد خبراء في الملف الصحراوي ان احداث الكركرات تدخل في إطار مخطط اشمل بدأت معالمه تتضح مباشرة بعد استقالة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة “هورست كوهلر” ماي 2019، فعلى الصعيد الاممي لجا المغرب الى فرض شروط تعجيزية لمنع الأمين العام من تعيين مبعوث جديد الى الصحراء الغربية ([7]) وكثف من إجراءات فرض الامر الواقع، وشرع في اتصالات سرية للتطبيع مع “إسرائيل” مقابل اعتراف الولايات المتحدة الامريكية بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية.
لقد ساد اعتقاد لدى المغرب وعدد من الدول الغربية بان جبهة البوليساريو لم تعد قادرة على اتخاذ زمام المبادرة، وان الشعب الصحراوي الذي يعيش حالة احباط سيستسلم ولن يقاوم إذا ما قرر المغرب ضم أراضي جديدة من الصحراء الغربية، وفرض الامر الواقع وتجاوز الدور الاممي لحل النزاع الصحراء الغربية.
لم ينتظر المغرب نتائج الجهود الحميدة التي كان يبذلها الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريس” لإنهاء ازمة الكركرات الثانية، حيث شرع فجر يوم 13 نوفمبر 2020 في تنفيذ عدوان جديد تجسد في عملية عسكرية لتفكيك اعتصام المدنيين الصحراويين بثغرة الكركرات.
لقد فاجأ الرد السريع للجيش الصحراوي على العملية، وإعلان جبهة البوليساريو استئناف الحرب المغرب ودفعه الى الإسراع في اعلان تمسكه باتفاق وقف إطلاق النار، وتقديم تبريرات واهية كون العملية التي خرق من خلالها اتفاق وقف إطلاق النار لم تكن بنية الدخول في حرب او مواجهة مع جبهة البوليساريو.
اخلط قرار اعلان الحرب من طرف جبهة البوليساريو الأوراق، وتلاشت معه أوهام المراهنة على إمكانية ارهاق الشعب الصحراوي أو احباط معنوياته ([8]) ،وادى تهور النظام المغربي الى اشعال فتيل الحرب بالمنطقة من جديد، ومكن جبهة البوليساريو التي حافظت طيلة ثلاثة عقود على ضبط النفس امام خروقاته المتكررة, للخروج بسلام من وضعية الجمود واستعادة زمام المبادرة قبل فوات الاوان([9]).و شكل اعلان الرئيس الصحراوي “ابراهيم غالي” بداية مرحلة جديدة في تاريخ الشعب الصحراوي الذي فقد الثقة تماما في الامم المتحدة وجهودها للتوصل الى حل، وحفز الصحراويين الى توحيد الصفوف، ونبذ الخلافات، والالتفاف حول جبهة البوليساريو الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الصحراوي.
اخلط قرار اعلان الحرب من طرف جبهة البوليساريو الأوراق، وتلاشت معه أوهام المراهنة على إمكانية ارهاق الشعب الصحراوي أو احباط معنوياته
لقد خلقت الوضعية الجديدة ردود فعل غير مسبوقة بين الصحراويين الذين انخرطوا بشكل كامل في دعم وتأييد القرارات التي اتخذتها جبهة البوليساريو([10])وظهرت تجليات ذلك في انضمام اعداد كبيرة من الشباب الى صفوف الجيش الصحراوي الذي واجهت مدارسه العسكرية تحديا في كيفية التعامل مع الالاف المتطوعين([11]).
بدأت جبهة البوليساريو فعلا الاستعداد لحرب طويلة قد تكون مشابهة للحرب الأولى التي امتدت لأكثر من 16 سنة وانتهت بتوقيع المغرب على وقف إطلاق النار، ومن بين المؤشرات القوية على ذلك اعلان حالة الطواري وتشكيل قوات للدعم والاحتياط وذلك في إطار استكمال الجاهزية العسكرية في مختلف القطاعات ([12])
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس