آثار لبدة الليبية على شاطئ المتوسط: “روما أفريقيا” المنسية

16
آثار لبدة الليبية على شاطئ المتوسط:
آثار لبدة الليبية على شاطئ المتوسط: "روما أفريقيا" المنسية

أفريقيا برسالصحراء الغربية. يقتصر عدد المسجلين على بضع عشرات في دفتر زوّار موقع لبدة الأثري الواقع في غرب ليبيا، مع أن هذا المعلم التاريخي المنسي الذي يوصف بأنه “روما أفريقيا” يتمتع بمقومات يمكن أن تجعله وجهة سياحية من الدرجة الأولى.

لا يستقطب هذا الأثر الروماني المهمّ المشرف على البحر في مدينة الخُمس (غرب ليبيا) سوى قلّة من الزوار، وبالكاد يطوف عدد محدود منهم في ممرّات الموقع المدرج على قائمة يونسكو للتراث العالمي.

ويقول الليبي الستيني عبد السلام ويبة لوكالة فرانس برس خلال زيارته المكان: “عندما تدخله، كأنك تعود قروناً إلى الوراء”.

شيّد الفينيقيون “لبتيس ماغنا” المعروفة بـ”لبدة الكبرى”، ثم احتلها الرومان، وفيها ولد الإمبراطور سيبتموس سيفيروس الذي حكمها بين عامي 193 و211 وجعل منها إحدى أجمل مدن الإبراطورية الرومانية آنذاك، بحسب منظمة يونسكو.

وشيّد فيها الإمبراطور بازيليكا وميداناً لسباقات الخيل، ومسرحاً يستوعب 15 ألف متفرج ويوفر إطلالة خلّابة على البحر الأبيض المتوسط.

ويرى أحمد العميم، وهو ليبي كمعظم زوار المعلم الأثري، أمام نصب يشبه قوس النصر الباريسي، أن السياح الذين يزورون ليبيا “من الضروري أن يمروا” بموقع لبدة الذي تبلغ مساحته نحو 50 هكتاراً.

“تقريباً غير مستكشفة”

أما ايهاب، فجاء مع عائلته من العاصمة طرابلس التي تبعد 120 كيلومتراً عن المكان، ويتذكر أنه زار لبدة صغيراً، ويقول: “كنت تلميذاً واليوم أعود مع أبنائي”.

ويلاحظ الطبيب البالغ الرابعة والثلاثين أنها “مدينة جميلة، وهي أجمل موقع روماني خارج إيطاليا”، مشيراً إلى أنها “تقريبا غير مستكشَفة”.

أثار تدهور الوضع الأمني والفوضى في البلاد منذ عشر سنوات مخاوف حول مصير هذا التراث المهمّ، الذي صنفته منظمة يونسكو عام 2016 مع ثلاثة مواقع أخرى من بين أهم الأماكن التراثية العالمية المعرّضة للخطر.

ونجا موقع “لبتيس ماغنا” بآثاره الأخاذة من الصراع المسلح الذي شهدته ليبيا منذ سقوط نظام الرئيس السابق الراحل معمّر القذافي.

ويؤكد رئيس مصلحة الآثار في الموقع عزالدين الفقيه لوكالة فرانس برس أن “المدينة لم تتعرض رغم الحروب لأي هجوم أو تهديد مباشر بعد الثورة”.

شيّد الفينيقيون “لبتيس ماغنا” المعروفة بـ”لبدة الكبرى”، ثم احتلها الرومان، وفيها ولد الإمبراطور سيبتموس سيفيروس

غير أن الموقع مهمّش ويشكو “نقصاً في الموارد والدعم الحكومي منعدم”، بحسب الفقيه. ويتابع: “في العام 2020، تمكنّا مع ذلك من إطلاق مشاريع كان من المفترض تنفيذها قبل خمسين عاماً، كغلق المنطقة الشرقية، وتركيب مرافق حيوية وهي حمّامات عامة ومكاتب إدارية، لكن الحفريات توقفت، وأعمال الصيانة تبقى سريعة ومستعجلة”.

ويوضح المسؤول أن “ثمة مشاكل أكبر” ينبغي حلّها، بالنسبة إلى الحكومات الحالية. وتوقف عمل بعثات الحفريات الأوروبية وخصوصاً منها الايطالية والفرنسية بسبب انعدام الاستقرار في البلاد.

وشهد القطاع السياحي في لبيبا طفرة خجولة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكنه يبقى اليوم مغيّباً في هذا البلد الذي لا يزال سلامه هشّاً ويعتمد اقتصاده أساساً على النفط.

وكان أصبح بالامكان في تلك المرحلة زيارة ليبيا بعد عزلة طويلة عن المجتمع الدولي. فعلى إثر رفع الحظر الأممي عليها عام 2003، تم منح تأشيرات سياحية للمرة الأولى، واستُحدثَت وزارة خاصة بهذا القطاع الاستراتيجي بهدف دفعه وتطويره.

وتوقف كل شيء في العام 2011 مع سقوط نظام القذافي ومقتله. إلا أن أمام “روما أفريقيا” فرصة اليوم في ظل استعداد ليبيا لطيّ صفحة عقد من الفوضى، ويرى الفقيه أن هذا الموقع يمكن أن يشكّل للبلد الذي يبلغ عدد سكانه سبعة ملايين نسمة “مصدر دخل” وأن “يوفّر آلاف الوظائف، إذا تم استغلاله بالطريقة الصحيحة”.ويضيف أنه قادر على استقطاب “ملايين السيّاح”، مما يساهم في ضخّ “مليارات الدولارات في رصيد الدولة”.

ويعتبر أن “مدينة لبدة تزداد أهمية بمرور الزمن، وسيأتي يوم يختفي فيه النفط لكن لبدة باقية”.

ويدعم عمر حديدان (49 عاماً) هذا التوجه ملاحظاً أن المدينة “أهملت دائماً من قبل الدولة، ولا توجد حفريات، ولا اكتشافات جديدة، ولا حملة سياحية”. ويخلص حديدان إلى أن “لبدة أفضل من عشر آبار نفطية”.