إعلان ترامب حول الصحراء الغربية ” رب ضارة نافعة”.بقلم محمد لحسن.

16
إعلان ترامب حول الصحراء الغربية ” رب ضارة نافعة”.بقلم محمد لحسن.
إعلان ترامب حول الصحراء الغربية ” رب ضارة نافعة”.بقلم محمد لحسن.

افريقيا برسالصحراء الغربية. أدى قرار ترامب، المتمثل في الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية مقابل التطبيع المغربي مع إسرائيل، إلى نتيجة عكسية سواء داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو خارجها، فبعد ما ظلت القضية الصحراوية لسنوات طويلة ملف يعلوه الغبار داخل ادراج الأمم المتحدة أصبحت منذ لحظة الاعلان عن القرار حديث العام والخاص في كل أنحاء المعمورة، حيث تذكر العالم كله شرعيتها والظلم الذي تعرض له اهلها من تشريد وتهجير وقمع طيلة هذه العقود من طرف الإحتلال المغربي.

على المستوى الداخل الأمريكي:

أول المواقف الرافضة لهذا القرار الأرعن جاءت من داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وبالضبط من داخل المؤسسات المسؤولة عن صناعة القرارات الاستراتيجية حيث عبر رئيس لجنة الدفاع في الكونغرس الأمريكي السيناتور جيم إينهوف عن رفضه لقرار ترامب في بيان أصدره مباشرة بعد إعلان القرار قال فيه: أن قرارا دونالد ترامب الذي يزعم سيادة المغرب على الصحراء الغربية صادم ومخيب للآمال.

مؤكدا أن “إعلان اليوم لا يغير مواقف الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي ولا ميثاق الاتحاد الإفريقي ولا رأي [محكمة العدل الدولية] – فلا بد من إجراء استفتاء”. “إنني أحث هذه المنظمات على الوقوف بقوة لدعم حق الصحراء الغربية في تقرير المصير وأنا واثق من أن الولايات المتحدة ستكون قادرة على العودة إلى السياسة التي انتهجناها منذ عام 1966”.

كما عبر السيناتور باتريك ليهي هو الاخر عن رفضه لقرار ترامب وصرح قائلا : “ترامب بعد خسارته للانتخابات لا يمكنه “بإعلان” نفي القانون الدولي أو حقوق شعب الصحراء الغربية الثابتة، الذي يحق له تقرير مصيره عبر تصويت حر عادل ونزيه”.

وكذلك عبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، إليوت إنجل، عن رفضه لإعلان ترامب في بيان أصدره قال فيه. أن قرار إدارة الرئيس، المنتهية ولايته، دونالد ترامب بالاعتراف بالسيادة المزعومة للمغرب على أراض متنازع عليها في الصحراء الغربية “يهدد جهود الدبلوماسية الدولية لحل النزاعات طويلة الأمد”.

ردود الفعل الرافضة لقرار ترامب داخل الولايات المتحدة الأمريكية لم تختصر على الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ بل عبر عنه الكثير من الساسة الكبار أمثال وزير الخارجية الأمريكي السابق جيمس بيكر، ومستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون، وكذا السفير الأمريكي السابق والمبعوث السابق للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية السيد كريستوفر روس. الذين أجمعوا على أن قرار ترامب قرار خاطئ بل وصفه أحدهم بالاحمق، ويجب تصحيحه.

الرفض الأمريكي لقرار ترامب حول الصحراء الغربية تمظهر في كل مؤسسات صنع القرار داخل المجتمع الأمريكي، إضافة إلى المؤسسة التشريعية ظهر ايضا في الاعلام، و في مراكز الدراسات و حتى لدى الفلاسفة والمفكرين امثال الفيلسوف نعوم تشومسكي.

هذا الرفض الكبير لقرار ترامب داخل المجتمع الأمريكي يمكن إرجاعه لسببين رئيسيين:

الأول اخلاقي يتمثل في رفض صفقة تقايض مصير شعب صغير محتل و مشرد منذ عقود بالتطبيع مع إسرائيل . والثاني قانوني يتمثل في كون هذا القرار كقرار الاعتراف بسيادة اسرائيل على الجولان، يشكل خطر على النظام الدولي الذي وضعت الولايات المتحدة الأمريكية أسسه سنة 1945، و الذي رغم هشاشته إلا أنه منع حتى الآن نشوب حرب عالمية ثالثة قد تكون مدمرة للعالم كله.

كل الساسة الأمريكيين يعلمون هذا جيدا، ويعملون على خدمة المصالح الأمريكية بإبداء الحد الأدنى من الاحترام للقانون الدولي، لأن ازدراء القانون الدولي سيجعل بالضرورة قانون الغاب بديلا عنه وهو ما يهدد السلم والأمن الدوليين. الكل يعي هذا جيدا إلا ذاك الشعبوي المدعو دونالد ترامب، الذي لا يهمه سوى إرضاء نتانياهو والبقاء في البيت .

أما على المستوى الدولي:

فقد كان الرد على قرار ترامب حول الصحراء الغربية سريع حاسم، وواضح، حيث ردت هيئة الأمم المتحدة على لسان الأمين العام للأمم المتحدة نفسه السيد أنطونيو غوتيريش الذي قال للقدس العربي: “كما قلنا ذلك من قبل وعبرنا عنه بطريقة واضحة تماما بالنسبة لنا الموقف من الصحراء الغربية لم يتغير وستبقى الأمور على حالها كما كانت. فالحلول في مسألة الصحراء الغربية لا تعتمد على اعترافات أحادية للدول بل على تنفيذ قرارات مجلس الأمن والتي نعتبر أنفسنا حماة لها”.

وكذا من خلال إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة للائحة تدعم فيها الحل الذي يضمن للشعب الصحراوي حقه في تقرير المصير، تؤكد على مسؤولية الأمم المتحدة تجاه شعب الصحراء الغربية.

كما عبر الاتحاد الاوروبي عن تشبثه بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة و مجلس الامن الدولي حول القضية الصحراوية، مؤكدا أن الوضع القانوني للنزاع لم يتغير.

اضافة موقف الاتحاد الافريقي المنافح اصلا عن القضية والذي كلف مجلس السلم والأمن الأفريقي و مجموعة الرؤساء الثلاثة “الترويكا” بالاجتماع والتقرير للقمة القادمة عن تطورات القضية

الموقف الرافض لإعلان ترامب والمتشبث بالشرعية الدولية، عم كل العواصم الكبرى في العالم تقريبا انطلاقا من موسكو مرورا بلندن، ومدريد، وبقية العواصم الأوروبية، وصولا إلى أهم العواصم الافريقية من الجزائر إلى بريتوريا. وكل وسائل الإعلام الفاعلة في العالم.

على المستوى العربي :

شكل قرار ترامب اختراقا غير مسبوق في الرأي العام العربي حول الصحراء الغربية، هو الذي ظل منذ بداية النزاع موالي للاحتلال المغربي بكل أطيافه ويغض الطرف عن كل الجرائم التي يرتكبها في حق الشعب الصحراوي. لأن التيارات المؤثرة في صناعة الرأي العام العربي والتي يمكن اختصارها في ثلاث تيارات: القوميين العرب، الإسلاميين ،الأنظمة الحاكمة .

إستطاع أن يضمها المغرب الى جانبه رغم تناقضاتها بتحالفه مع الأنظمة الحاكمة وخاصة الملكية منها وما ينتج عن ذلك من السيطرة على الإعلام العام من جهة، ومن جهة أخرى استغلاله لعاطفة الوحدة المنشودة لدى التيارين القومي والإسلامي، التي يسعى كل واحد منهما إلى تحقيقها وفق منظوره الخاص، و واحسن العزف على وترها.

مستعملا في ذلك شعار القدس ( لجنة القدس ) القضية المقدسة لدى التيارين على حد سواء، وإمارة المؤمنين المهمة للتيار الإسلامي والصوفي خاصة، وبهذه الطريقة ظل يستحوذ على الرأي العام العربي كله تقريبا ويسد كل ابوابه في وجه الشعب الصحراوي وقضيته العادلة إلى أن جاء إعلان ترامب .

فأسقط كل الأقنعة عن حقيقة النظام المغربي و أظهره على حقيقته نظام توسيعي لا عهد له ولا مبدأ خائن لقضايا الأمة، يحتل شعب صغير ويقايض مصيره ببيع مقدسات الأمتين العربية والإسلامية في صفقة خسيسة تتجرد من كل الاخلاق والقيم الإنسانية.

إكتشف العرب اخير حقيقة القضية الصحراوية، أنها قضية عادلة، وان كفاح شعبها من أجل الاستقلال كفاح شرعي ومشرف وأنها لا تقف في وجه أحلامهم بالوحدة، بل تسعى إلى إقامتها على أسس متينة أسس تحترم خصوصيات الشعوب وثقافتها. وتحقق أهداف الأمة العربية بالوحدة الطوعية كما حدثت في أوربا وأن تلك الوحدة لا يمكن أن تتحقق في ظل الاستبداد و التوسع والاحتلال.

وان الذي يقف في وجه احلام القوميين العرب ليس القضية الصحراوية بل النظام التوسعي في المغرب الذي طال طيشه كل جيرانه بدءا من الجزائر التي طالب بنصف أراضيها تقريبا، مرورا إلى موريتانيا التي طالب بها كلها، وصولا إلى الصحراء الغربية التي قام بإحتلالها وتشريد شعبها. والذي يزرع بذور الشقاق والكراهية بين شعوب المنطقة المغاربية.

وتأكد الإسلاميون ايضا، أن القضية الصحراوية لا تقف في وجه مشروعهم وأنها قضية عادلة، وكفاح شعبها، كفاح مشروع وفق كل الشرائع السماوية و القوانين الأرضية، كما عبر عن ذلك العلامة ولد الددو. وان النظام المغربي الذي ظل يتاجر بقضايا الأمة الإسلامية قد اتضح على حقيقته أنه نظام خائن مخادع .

كل هذا ما كان ليحدث لو لا قرار ترامب الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية مقابل التطبيع المغربي مع إسرائيل. فهذه الصفقة الدنيئة أعطت دفعا للقضية الوطنية على المستوى الدولي لم يكن يحلم به أكثر المتفاليين، هذا القرار لم يُعيد القضية الصحراوية إلى الواجهة فحسب، بل أعاد صقلها لتبدو عدالتها و شرعيتها أكثر توهجا ولمعان من أي وقت مضى. لتدخل بذلك منعطف تاريخي يجعلها غاب قوسين أو أدنى من تحقيق أهدافها.

فهل يجب أن نشكر ترامب على قراره الأرعن هذا ؟؟ أعتقد أن الإجابة نعم .

بقلم: محمد لحسن