أفريقيا برس – الصحراء الغربية. سنة2021 كانت حبلى بالأحداث في الجزائر، على الصعيدين الداخلي والخارجي، عرف خلالها الجزائريون أوقات صعبة خاصة بسبب ما خلفته موجة حرائق الغابات من خسائر بشرية ومادية، والتي كانت الفتيل التي احترقت معه خيوط العلاقات الجزائرية المغربية وامتدت لتطال العلاقات مع فرنسا، سنة شهدت استكمال المسار لانتخاب مؤسسات جديدة، كقطيعة مع مؤسسات حقبة الرئيس بوتفليقة الذي أراد القدر أن تكون أيضا نهاية دورة حياته، وفيها أغلق قوس خروج مسيرات الحراك الشعبي، وتواصلت محاكمات ما يعرف بالعصابة.
وطغت الأحداث السياسية والأزمات الداخلية والخارجية على المشهد العام، وكان مسلسل الحرائق المتزامنة واحدا من أكثر الأحداث حزنا على قلوب الجزائريين، حيث كانت البداية بحرائق ضربت محافظة خنشلة بمنطقة الأوراس شهر تموز/يوليو وأتت على مئات الهكتارات من الثروة الغابية، لكن الخسائر الأكبر، كانت بسبب الحرائق التي ضربت محافظات تيزي وزو وبجاية والبويرة وجيجل وعدة محافظات بشرق البلاد وخلفت وفاة 69 شخصا من بينهم 28 عسكريا.
وكان وقع حادثة قتل الشاب جمال بن إسماعيل والتنكيل بجثته كبيرا على الجزائريين، وبينت التحقيقات الأمنية ان الحرائق ومقتل الشاب جمال كانت من تدبير عناصر تنتمي إلى منظمة «الماك» الانفصالية التي صنفتها الجزائر إرهابية إلى جانب تنظيم «رشاد».
ووجهت الجزائر اتهامات للمغرب بالتورط في الحرائق عرفتها من خلال التنسيق مع منظمة «الماك» إلى جانب دولة الاحتلال ال”إسرائيل”ي، هذه الاتهامات جاءت في سياق أزمة متصاعدة بين البلدين فجرتها تصريحات سفير المغرب لدى الأمم المتحدة خلال قمة لدول عدم الانحياز منتصف تموز/يوليو دعا فيها لدعم انفصال منطقة القبائل، ما دفع الجزائر لسحب سفيرها من الرباط، قبل أن تقرر قطع العلاقات الدبلوماسية شهر اب/أغسطس ومنع الطائرات المغربية المدنية والعسكرية من التحليق في الأجواء الجزائرية وإلى جانب عدم تجديد اتفاقية نقل الغاز إلى إسبانيا عبر الأنبوب المار عبر المغرب.
واستمر مسلسل الأزمة بين الرباط والجزائر ليصل إلى مستويات خطرة بعد قصف شاحنتين جزائريتين على الحدود بين الصحراء الغربية وموريتانيا خلفت مقتل ثلاثة سائقين جزائريين في نفس اليوم الذي كان يحتفل فيه الجزائريون بعيد انطلاق ثورة تشرين الثاني/نوفمبر، واتهمت الجزائر المغرب بالوقوف وراء العملية وأكدت بان هذا الاعتداء لن يمر بدون عقاب.
وزاد تطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني في تعميق الأزمة مع الجزائر خاصة مع زيارات مسؤولين من دولة الاحتلال المغرب على غرار وزير الخارجية يائير لبيد الذي هدد الجزائر من الرباط إلى جانب زيارة وزير الدفاع بيني غانتس، وتوجت بعقد اتفاق دفاعي وأمني بين البلدين، وهو ما اعتبرته الجزائر بأنها المستهدفة من وراء تسريع التطبيع وسعي الجار لأن يستقوي بحليفه الصهيوني ضدها.
أزمة دبلوماسية أخرى كانت ساحتها العلاقات الجزائرية الفرنسية، فبالرغم من أن بداية السنة كانت تبدو واعدة بالنسبة للعلاقات بين البلدين في ظل الخطوات الفرنسية تجاه تسوية ملف الذاكرة مع الجزائر، إلا ان قضية خفض عدد التأشيرات بالنسبة للجزائريين والتصريحات التي صدرت عن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون طعن فيها بتاريخ الأمة الجزائرية، كانت كافية لتنسف كل خطوات التقارب ودفعت بالعلاقات إلى بين البلدين إلى القطيعة، بعد ان قامت الجزائر بسحب سفيرها لدى باريس ومنع الطائرات الفرنسية العسكرية من التحليق فوق الأجواء الجزائرية، ورغم زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى الجزائر شهر كانون الأول/ديسمبر وتعبيره عن رغبة فرنسا بفتح صفحة جديدة إلا ان ذلك لم يغير شيئا من واقع العلاقات المكهربة بين العاصمتين.
في الذكرى الثانية لانطلاق الحراك الشعبي بالجزائر الذي تفجر في 22 شباط/فبراير 2019 وكان وراء سقوط نظام بوتفليقة، عاد أنصار الحراك للخروج مجددا إلى الشوارع يوم 26 شباط/فبراير 2021 بعد ان توقفوا حوالي سنة بسبب الظروف الصحية إثر انتشار جائحة كورونا، لكن هذه المسيرات التي عرفت مشاركة كبيرة من طرف «الحراكيين» لم تعمر أكثر من ثلاثة أشهر، بعد أن عمدت السلطات الجزائرية إلى منعها، بداية بمسيرات الطلبة التي كانت تنظم كل يوم ثلاثاء، وليشمل المنع مسيرات الجمعة، حيث اشترطت السلطات طلب ترخيص من مناصري الحراك لتنظيم المسيرات، وتم اعتقال العشرات من المواطنين بتهمة «المساس بسلامة وحدة الوطن» واشتكى أنصار الحراك من التضييق عليهم ومن الاعتقالات العشوائية، وهو ما تنفيه السلطات، والتي حذرت من اختراق الحراك من طرف منظمات «الماك» و«رشاد» التي صنفتهما كمنظمتين إرهابيتين وأصدرت ضد قياديين في التنظيمين مذكرات توقيف دولية.
وكان الرئيس عبد المجيد تبون أطلق سراح العشرات من معتقلي الحراك عشية الذكرى الثانية لانطلاق الحراك من بينهم الصحافي خالد درارني والناشط السياسي رشيد نكاز.
وخلال سنة 2021 شهدت الجزائر تنظيم انتخابات تشريعية في حزيران/يونيو قاطعتها أحزاب التيار الديمقراطي، فازت بها حزب جبهة التحرير الوطني متبوعا بالتجمع الوطني الديمقراطي والأحرار، وهذه الانتخابات هي الثانية التي تقام منذ وصول الرئيس تبون إلى الحكم، بعد الاستفتاء على الدستور في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 في إطار تعهداته بإدخال تعديلات دستورية وإقامة مؤسسات منتخبة شرعية، وكانت الانتخابات المحلية والولائية التي نظمت في تشرين الثاني/نوفمبر آخر محطة انتخابية، وعرفت تقريبا نفس النتائج التي أفرزتها التشريعية بفوز حزب جبهة التحرير الوطني متبوعا بحزب التجمع الوطني.
توجه نحو الأسواق الإفريقية
واجهت خطط الرئيس تبون لإعادة دفع عجلة الاقتصاد الجزائري التي رفعها خلال حملته الانتخابية وتضمنها برنامجه الاقتصادي بإصلاح ما أفسدته سياسات نظام الحكم السابق وما «خربته العصابة» العديد من التحديات وعلى رأسها انتشار جائحة كورونا التي فرضت إغلاقا اقتصاديا واسعا دام أكثر من سنة، وتراجع أسعار النفط التي تعد المورد الرئيسي للعملة الصعبة. لكن مع تراجع نسبة الإصابات بالفيروس ورفع القيود الصحية التي رافقها تحرك أسواق النفط العالمي، سجل الاقتصاد الجزائري انتعاشا طفيفا عززته ارتفاع الصادرات خارج المحروقات لأول مرة والتي تجاوزت 4.5 مليار دولار، مع تقديرات بوصول نسبة النمو إلى 3.6 في المئة.
وتبقى الأزمة الاقتصادية قائمة في ظل التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية وتسجيل الندرة في بعض منها كزيت المائدة، والبطاطا التي بلغت أسعارها مستويات قياسية، واتهمت السلطات المضاربين بالوقوف وراء الندرة، إلى جانب من يطلق عليهم بقايا العصابة الذين يحاولون حسبها، اختلاق المشاكل وإثارة البلبلة في البلاد.
على الصعيد الخارجي تحاول الجزائر التوسع في الأسواق الأفريقية بداية من دول منطقة الساحل وبالأخص مالي والنيجر، في اتجاه أسواق أفريقيا الغربية عبر محور موريتانيا والسنغال.
وأحيت في السياق مشروع الطريق العابر للصحراء الذي يربط ست دول أفريقية، مالي والنيجر والتشاد ونيجيريا وتونس بالإضافة إلى الجزائر، والذي تعزز ببدء تنفيذ الربط الغازي بين نيجيريا والجزائر والذي سيتم من خلاله تصدير الغاز النيجيري إلى أوروبا، ويعرف المشروع تقدما كبيرا من ناحية الإنجاز، مع الإعلان عن انتهاء الدراسات.
راحلون:
اختار القدر ان يكون 2021 سنة رحيل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أكثر رؤساء الجزائر بقاء في الحكم حوالي 20 سنة والأكثر إثارة للجدل، بسبب طريقة إدارته للحكم خاصة بعد مرضه سنة 2013 وتحول شقيقه الأصغر السعيد بوتفليقة الذي شغل منصب المستشار الخاص إلى الرئيس الفعلي للبلاد، ما أدخل البلاد في مرحلة شك.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس