الرابحون والخاسرون بعد عام على «الاتفاقيات الإبراهيمية»

11
الرابحون والخاسرون بعد عام على «الاتفاقيات الإبراهيمية»
الرابحون والخاسرون بعد عام على «الاتفاقيات الإبراهيمية»

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. عام مرَّ على اتفاقيات التطبيع بين “إسرائيل” وعدد من الدول العربية. خلال هذه الفترة، القصيرة في حياة الأمم ومسارات العلاقة بين الدول، جرت غربلة تبيّنَ بموجبها أن قاطرتي التطبيع هما الإمارات والمغرب. الأولى فتحت الأفق ل”إسرائيل” شرقا والثانية غربا. بينما يمكن تصنيف السودان ومملكة البحرين ضمن فئة «المقطورات».

بالنسبة ل”إسرائيل”، لا يقل التطبيع مع السودان والبحرين، وأيّ دولة أخرى، أهمية عن التطبيع مع أكبر الدول العربية وأكثرها وزنا وتأثيرا. لا يهم اسم الدولة وحجمها، بالنسبة ل”إسرائيل”، بقدر ما يهمّ الانجاز (الاختراق). المسألة تتعلق بالرمزية وبتحييد الخصوم (أو الذين كانوا يوصفون بالخصوم قبل التطبيع) وتحقيق المزيد من الشقاق والفرقة بين الدول العربية حتى لا تبقى “إسرائيل” هي العدو الأول والشغل الشاغل.

بلغة الربح والخسارة، وفي المطلق، جرى تطبيع العام الماضي في صيغة «رابح رابح». نظريا، الكل مستفيد، لكن بدرجات ومستويات متفاوتة. هناك خسائر، قد لا تكون بالضرورة مادية وآنية، لكنها حتما موجودة وإن تأخرت في الظهور.

“إسرائيل” هي الرابح الأكبر. إذ حتى لو كان التطبيع بدون أيّ مقابل ملموس لها، ف”إسرائيل” رابحة منه في نهاية المطاف. أرباحها اقتصادية ومادية واستراتيجية، لكن المكاسب المعنوية لا تقل أهمية وربما أكثر وقعًا. يكفي أن هذه الدولة حققت في 2020 ما عجزت عنه منذ 1948، ووصلت هذه إلى حيث لم يكن أكثر قادتها تفاؤلا يحلم بالوصول. بالنسبة للمعسكر المقابل، الإمارات والمغرب والسودان والبحرين، ما من شك في أن التطبيع حقق مكاسب مادية في شكل تعاون اقتصادي وأمني وعلمي وزراعي وغيره. بقي التساؤل عن الكلفة المطلوبة وهل تستحق فعلا عناء المغامرة.

بالنسبة للمغرب، حقق التطبيع المكاسب المذكورة أعلاه، لكنه عمّق الخلاف مع الجزائر، ولم يحل مشكلة الصحراء الغربية التي كانت محركا رئيسيا للمغرب في قرار التطبيع. نعم، حقق التطبيع زخما دبلوماسيا دوليا للقضية، ومنح الرباط اليد العليا، لكن المشكلة على الأرض لم تحل. وفي المؤسسات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، لا تزال القضية عالقة في حاجة إلى تسوية. موضوع الصحراء الغربية لم يتحرك مترا واحدا نحو الأمام منذ قرار الرئيس ترامب الاعتراف بسيادة المغرب على الإقليم المتنازع عليه. واضح أن إدارة جو بايدن اختارت مسك العصا من الوسط: عدم التراجع عن قرار ترامب، وفي الوقت ذاته الامتناع عن المضي في تنفيذه. حتى موضوع القنصلية الأمريكية في مدينة الداخلة بالصحراء الغربية، لم يتقدم، وليس محل إجماع صريح في أوساط المشرّعين في واشنطن الذين يوجد بينهم مَن يحاول منع تمويل القنصلية الموعودة ويعارضون في المجمل خطوة ترامب.

أكثر من ذلك لا يوجد في الأفق ما يؤشر إلى أن الموقف الأمريكي سيتغيّر في المدى المنظور. نزاع الصحراء الغربية ليس أولوية في جدول اهتمامات السياسة الخارجية الأمريكية، وسيبقى كذلك طالما أن هذا النزاع لا يشكل خطرا على الاستقرار الإقليمي وعلى حركة التجارة العالمية وعلى أمن حلفاء أمريكا، وليس مصدرا محتملا للإرهاب العالمي.

بالنسبة للإمارات و”إسرائيل”، البهجة لم تُعمّر طويلا. سرعان ما تبيّن أن طريق التطبيع ليس خاليا من المطبَّات. بسرعة غير متوَقّعة اصطدمت الإمارات و”إسرائيل” بسياسة الإدارة الأمريكية الجديدة الأقل عداءً لإيران. هذا المتغيّر أفقد التطبيع الإماراتي ال”إسرائيل”ي حماسه الأول، لأن الإمارات التي اهتزت ثقتها في سادة البيت الأبيض الجدد، وجدت نفسها مضطرة لبحث فرص التهدئة مع إيران. والتهدئة تعني وقف التحريض السياسي والإعلامي وتبادل الزيارات والتراجع عن لغة الحرب. من الطبيعي أيضا أن يثير التحول الأمريكي حنق “إسرائيل” التي تتساءل اليوم مع مَن ستحارب إيران إذا كانت واشنطن غير متحمسة والإمارات تجنح للتهدئة. هناك شوائب أخرى بين واشنطن وأبوظبي غير إيران. موضوع مقاتلات «إف35» الأمريكية الذي كان أحد محفزات الإمارات للتعجيل بالتطبيع لا يسير على ما يرام. الإدارة الأمريكية وضعت شروطا لاستعمال المقاتلات المتطورة، متذرعة بمخاوف من التكنولوجيا المدنية والعسكرية الصينية التي تستعملها الإمارات واحتمال تجسسها على مكونات الـ»إف35». هذه المخاوف والشروط اضطرت الإمارات إلى طلب مراجعة الصفقة بشكل قد يقود إلى إلغائها. الشوائب مع أمريكا تؤثر بشكل من الأشكال على التطبيع، لأن أمريكا هي راعيه الأول، ولأن المسؤول العربي «يطبّع» في تل أبيب وعينه على واشنطن.

كل ما سبق يدل على أن لمسار التطبيع ثمنا يتوجب دفعه. لكن هذا لا يعني فشل التطبيع أو التراجع عنه. لا أحد في المعسكرين يريد التراجع، أو يستطيع حتى لو أراد، خصوصا في غياب قوى داخلية أو خارجية ضاغطة ومؤثرة من شأنها وقف سير الأحداث أو قلب الموازين من قبيل عرقلة سير قطار التطبيع.

داخليا في الدول العربية «المطبّعة» لا يوجد رأي عام أو مجتمع مدني قادر على إجبار السلطات على التراجع عن التطبيع أو غيره. حتى في المغرب حيث ينتشر دعم شعبي واضح للفلسطينيين، وكذلك في السودان حيث لا يقل التعاطف مع الفلسطينيين عنه في المغرب أو الجزائر، اختفت الأصوات المناهضة للتطبيع وارتفعت الداعمة له باعتباره حنكة وواقعية سياسية ومصلحة قومية. ولا غرابة أن نسمع قريبا عن محاكمات لصحافيين أو مدوّنين انتقدوا “إسرائيل” أو هاجموا رئيس وزرائها.

خارجيا، التطبيع أصبح هو القاعدة والمقاطعة الاستثناء. من الصعب العثور على أيّ تكتل مناهض للتطبيع، قومي أو ديني أو سياسي أو اقتصادي، إقليمي أو عالمي. الموجود كله مخترَق وغير الموجود ليس سهلا تشكيله.

هناك خاسر آخر لم يُسمع له صوت: الفلسطينيون. وهناك ثمن دفعته قضيتهم التي خسرت مساحة أخرى لأن التطبيع حوَّلها إلى قضية داخلية تتولاها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية ال”إسرائيل”ية باعتبارها مسألة شغب وأمن عام.

كاتب صحافي جزائري

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس