السر الأمني!

11
السر الأمني!
السر الأمني!

أمبارك سيداحمد مامين

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. العقلية الأمنية في المغرب تعتمد دائما منهجية “تقسيم مصدر الخطر إلى أجزاء”، وفي أحسن الحالات خلق الشرخ لجزئين متنافرين في الجسم الواحد، وهذا جُرِّب مع عدة تيارات مغربية كانت تشكل خطراً على النظام الحاكم في المغرب، حتى أن الأجهزة المغربية استطاعت تقسيم تنظيمات مُحكمة تنظيميا وتتميز بسرية عالية، خاصة فترة سبعينيات القرن الماضي؛ وهنا اكتسبَت دار المخزن خبرة كبيرة في هذه المنهجية، ولكن كل تلك الخبرة كانت تتوقف عند التجربة الصحراوية، حيث فشلت أجهزة الإحتلال في تحقيق أي هدف استراتيجي يضرب قوة البوليساريو وتماسكها التنظيمي خارج الأرض المحتلة، رغم نجاحها في تقسيم تجمعات صحراوية أخرى، خاصة تلك التي تشتغل من الداخل المحتل كالإطارات السياسية وتجمعات المعطلين نموذجاً.

فاليوم لايجد المتابع العادي تفسيراً دقيقا لغياب الاطارات المعطلة عن الساحة الميدانية بالمدن المحتلة، وهو تواجد كان ملفتاً خلال سنوات خلت، رغم أن أسباب الاحتجاجات، ذات المطالب الاجتماعية والاقتصادية، تبقى موجودة، بل أن الأوضاع أكثر تدهوراً من السابق، أي أن الوقوف بالشكل الدقيق على “السر الأمني” والمنهجية الأمنية التي أقبرت المعطلين والمنهجيات المستعملة، كان بحثاً غائبا ولازال، رغم موقفي من تلك الطرق النضالية، ولكن يبقى لفت الانتباه لهذا الأمر ضرورياً.

من جهة أخرى، لم تحقق الآليات الايديولوجية وسياسة الجزرة المرفقة بسياسة العصى أي نتيجة تجاه الصحراويين بالمدن المحتلة، خاصة استراتيجية أَدْلَجَة الأجيال الصاعدة وإبعادها عن فكر جبهة البوليساريو، حيث كانت مراحل التقييم التي تقوم بها دولة المخزن بشكل دوري للوقوف على مدى تأثير تلك السياسات، تجعلها تستنتج عدة استنتاجات خاطئة، وكأن الحال الهادئ وتجول الناس بشكل عادي في الشارع دون تصادم مع قوة القمع يوهم المخزن أن تلك الاستراتجيات تعطي ثمارها وأن الصحراويين أصبحوا غير مهتمين بالانتفاضة، ولكن عادة ما تكون الصدمة قوية عندما تجد الجماهير فرصة للتحشد لتغلق الشوارع بالحشود المنتفضة ضد الإحتلال وبغضب شديد يتطور أحيانا لمهاجمة القوات المغربية وحرق سيارات القمع، وهذا حدث أكثر من مرة، كان آخرها ما حدثت السنة الماضية بعد مباراة المغرب والجزائر، وفوز الأخيرة؛ وقد يقول بعضنا أن ما حدث لا يدخل في إطار سياسي، ولكنّ أصحاب هذا الرأي لا ينتبهون إلى أن حشود الصحراويين خرجت للاحتفال بفوز المنتخب الجزائري -حليف الشعب الصحراوي- على منتخب الإحتلال، فكان المخزن حينها لا يجد ما يبرر به ما حدث، خاصة وأنه يقول أن “الصحراويين مغاربة”، إذن كيف لمغاربة أن يخرجوا للإحتفال بخسارة ما يُقال أنه منتخب بلدهم!؟.

وبما أني وُلدت في الأرض المحتلة، ومرتبط اجتماعيا بالناس هناك، وأعرف واقعهم جيدا وظروفهم ونواياهم، فإنني سآخذ مثالاً قريباً؛ اليوم المواطن الصحراوي العادي الذي لا يخرج في المظاهرات بشكل يومي إلا إذا حدثت انتفاضة كبيرة، وحتى الصحراويين الذين يشتغلون في الإدارات المغربية والتجار، عندما تتحدث معهم عن موضوع الساعة المتمثل في “مسرحية كناريا”، يقولون لك “يطيرهم جماعة من عملاء المخزن”، حتى أن بعض صعاليك السلام يجدون مشاكل مع محيطهم العائلي القريب الرافض لما يقوم به الصعاليك؛ هذا بالإضافة للمعطيات السابقة كلها مؤشرات تؤكد أن الوعي الجماعي ما يزال بخير بشكل عام، رغم مخططات تم الإشتغال عليها استراتيجيا من طرف المخزن، موظفا لذلك خبراء في المجتمع الصحراوي ودكاترة علم الإجتماع والنفس… إلخ؛ لهذا كان الإستنتاج الحاصل عند الأجهزة المغربية هو أن الأوضاع الهادئة شعبيا لا تعني غياب الوعي الجماعي المتمثل في أن المغرب عدو، وبالتالي القناعة الراهنة عند المخزن هي أن “الصحراويين كلهم بوليزاريو”، وفي أي فرصة يجدونها سيخرجون للتظاهر وتدمير سيارات الشرطة وحرقها كما يحدث على الأقل كل سنة أو سنتين، وهي أحداث كان آخرها في ديسمبر 2021.

ورغم أن هذا “السر الأمني”، الذي لايزال يتطلب منا بحثاً معمقاً في تفاصيله، يرتكز على المقاربة القمعية والاقتصادية، كمنهجية رئيسية لإقبار الفعل السياسي وبعد ذلك الاجتماعي، أو كلاهما معاً، إلا أن هذه المنهجية ربما كانت من أسباب القضاء على المجموعات المعطلة، بالإضافة لإضعاف الإطارات السياسية والحقوقية، خاصة في الشق المتعلق بدورها الميداني، ولكن تبقى هذه المنهجية “القمعية-الاقتصادية” فاشلة أمام الفعل الفُجائي الذي تقوده الجماهير من تلقاء نفسها ولو بشكل موسمي، رغم فاعلية مقاربة المخزن أمام الأدوات التي تقود التجمعات المنظِمة المؤطرة للفعل السياسي والنقابي والاجتماعي.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس