بلة لحبيب ابريكة
أفريقيا برس – الصحراء الغربية. أصدرت كينيا مذكرة رسمية، وجهتها لجميع مديرياتها وبعثاتها الدبلوماسية عبر العالم يوم 16 سبتمبر الماضي، فندت فيها المزاعم التي راجت يوم 14 سبتمبر بخصوص “سحب” اعترافها بالجمهورية الصحراوية، بسبب تدوينة نشرت ساعات قليلة على حساب الرئيس الكيني الجديد، ويليام روتو، في اليوم الأول من تنصيبه قبل أن تحذف دون تفسير حينها. وأعربت الوزارة عن موقفها الثابت من الاعتراف بالجمهورية الصحراوية، ووقوفها مع حق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف في تقرير المصير، تماشياً مع مقتضيات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.
وقد كان لهذه الخطوة تأثير بالغ على سمعة الدبلوماسية المغربية، وشكلت صفعة مدوية لصورة البلاد على المستويين الداخلي والخارجي، من شأنها أن تعمق عزلة الرباط، وتضع مصداقيتها على المحك.
الظاهر أن طموحات وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، كانت مفرطة في التفاؤل، إذ ذهب به الاعتقاد أنه فور انتخاب الرئيس الكيني الجديد، الذي تشير بعض المصادر أن الرباط مولت حملته الإنتخابية، سيتمكن من تغيير موقف بلاده من الجمهورية الصحراوية، وإلغاء تمثيلها الدبلوماسي في البلد “بشكل فوري” كما ادعت التدوينة. وهذا ما أدى ببوريطة إلى القيام بزيارة خاطفة إلى كينيا، أعلن لتبريرها أنه يحمل رسالة من ملك المغرب محمد السادس للرئيس الكيني، في محاولة تغطية من بوريطة أراد بها أن ينسب إلى الملك ما كان يتمنى أن يكون اختراقا تاريخيا في الموقف الكيني لصالح الرباط.
ومن الواضح أن بوريطة كان يمني النفس بأن “سحب” كينيا اعترافها بالجمهورية الصحراوية، سيشكل نجاحا دبلوماسيا كبيرا للمغرب، من شأنه أن يغطي على الإخفاقات الدبلوماسية المتتالية لبلاده، ويحفظ ماء وجهه. ويرى الكثير من المراقبين أن افتعال الرباط أزمة دبلوماسية مع تونس على إثر استقبال الرئيس قيس سعيد نظيره الصحراوي إبراهيم غالي أثناء قمة الشراكة الإتحاد الإفريقي- اليابان بتونس( تيكاد 8)، ومقاطعته لها، وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين كولومبيا والجمهورية الصحراوية، وتصحيح البيرو لموقفها الداعم لقضية الصحراء الغربية، كانت جميعها مؤشرات خطيرة على تراجع دور الدبلوماسية المغربية، وركونها إلى سياسة رد الفعل، والرشاوى، والضغوطات بأوراق ابتزاز لطالما استعملتها الرباط ضد خصومها، لاسيما أوراق الهجرة السرية، والمخدرات، والارهاب.
وبالفعل تعرض بوريطة لانتقادات لاذعة داخل المغرب في مسألة إدارة ملف السياسة الخارجية للبلاد، وبالخصوص ملف الصحراء الغربية، وتوالي النكسات الدبلوماسية على المغرب، الأمر الذي جعله ينظر إلى انتخاب الرئيس الكيني الجديد كقضية حياة أو موت، وهذا ما أدى بالرباط إلى الارتجال وسوء تقدير الموقف، إذ جعلها تبدو دولة منبوذة داخل أوساط النخب الكينية بسبب سلوكها السافر للتدخل في شؤونها الداخلية، واستغلال الفترة الإنتقالية لتسليم واستلام المؤسسات والإدارة بين الرئيسين السابق والحالي لتمرير أجندتها، ولو عبر اسلوب الخداع. وهو ما أثر سلبا على صورة كينيا، إذ أظهرها هذا الاستعجال المغربي لجني انتصار، كدولة غير منسجمة في مواقفها الخارجية، بعد نشر تدوينات لصالح المغرب على صفحة الرئيس والتراجع عنها في ساعات قليلة.
الخطير في الأمر، أن يد الرباط كانت واضحة في التدوينات التي نشرت على صفحتي الفيسبوك والتويتر للرئيس الكيني الجديد، وقد تكون أوعزت إلى أحد الموظفين الذين يديرون صفحة الرئيس أو لأحد أعوانه الجدد. غاية الأمر أن التغريدات التي نشرت على صفحة الرئيس الكيني “بسحب” اعترافه بالجمهورية الصحراوية شكلت إساءة خطيرة لصورة كينيا الخارجية، خاصة أن ذلك حدث ساعات قليلة بعد مغادرة الرئيس الصحراوي إبراهيم غالي البلاد، الذي شارك في حفل تنصيب الرئيس الجديد. حيث أعطت الانطباع أن الرئيس الجديد يأتمر بأوامر محمد السادس، ويلبي رغباته بمجرد توصله برسالة منه.
لذلك كانت كينيا حريصة على أن تصدر هذه المذكرة الحاسمة بشأن موقفها من الجمهورية الصحراوية، وترد الإعتبار لسمعة بلادها. ولعل إحدى الفقرات الهامة التي وردت في المذكرة هي إشارتها إلى أن سياستها الخارجية لا تدار عبر التويتر أو غيره من مواقع التواصل الاجتماعي، في تحذير مبطن للرباط.
منذ استئناف الكفاح المسلح بين المغرب وجبهة البوليساريو، بات اسم بوريطة مرتبط بالفشل والإخفاقات الدبلوماسية. ففي ظل المتغيرات التي يشهدها العالم، والمنحى الإيجابي الذي تسلكه قضية الصحراء الغربية، لم تعد أساليب المغرب القديمة ناجعة ومجدية. وقد تجلى ذلك في بيان وزارة خارجية كينيا، أو إقالة البيرو لوزير خارجيتها، صديق بوريطة، بسبب انحيازه للرباط في قضية الصحراء الغربية.
من الراجح أن يكون بوريطة منشغلاً هذه الأيام في البحث عما يواري به سوأة الدبلوماسية المغربية، والحصول على مواقف دولية مساندة لأطروحة بلاده. ويثار تساؤل مشروع من قبيل: بمن أو بماذا سيستنجد بوريطة هذه المرة للتغطية على إخفاقات الدبلوماسية المغربية؟ مع العلم أنه لم يحصل في الآونة الأخيرة سوى على افتتاح “قنصلية” الرأس الأخضر في مدينة الداخلة المحتلة من الصحراء الغربية (إن جاز اعتبارها قنصلية)، أو تحريك السيناتور الجمهوري المتشدد، ماركو روبيو، ضد الجزائر بخصوص علاقتها الإستراتيجية مع روسيا.
المصدر: جريدة الخبر
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس





