
أفريقيا برس – الصحراء الغربية. اٍختط الشهيد الولي مصطفى مفجر ثورة 20 ماي الخالدة, المسلك السالك ووضع الاشارات المحذرة من منحدراته ومنعرجاته, وقاد معركة التحرير ضد الاستعمار الاسباني والاحتلالين المغربي والموريتاني, يقول في خطاب الاطر : ” يرتكز الجانب العسكري على مسألتين مهمتين, اولاهما : الاقتصاد في الوسائل او بالاحرى الدقة في تنظيم الوسائل, والجانب الثاني : هو ديمومة العمل المسلح وهذا مهم جدا ” ويضيف ” يفرض علينا الجانب السياسي ان نستغل استغلالا كبيرا كل عثرات العدو , سواء تلك المترتبة عن عملية مسلحة قمنا بها وكان لها وقع عليه, او تلك التي تاتي نتيجة تراكم تاثير الكثير من الاعمال التي قمنا بها سابقا, والتي لم يظهر مفعولها على العدو الا فيما بعد, وهذا سوف يحتم علينا مسألة التخطيط, اي ان عملنا السياسي يجب ان يخضع للتخطيط “.
مثلما قاد معركة البناء مراهنا على القوة الذاتية وعلى العنصر البشري تحديدا, لخلق تنظيم قادر على تطوير وتجديد الاساليب, وتحريك البنيات الراكدة, يقول “بطبيعة الحال الوسيلة الاولى التي بدونها لا يمكن الحصول على اي شيء هي خلق القوة الذاتية التي تعتمد اساسا على خلق عنصر بشري من نوع خاص(…)خاصيات الانسان المطلوب بالنسبة لنا ان يكون انسانا قادرا على صنع ما يقول الناس انه مستحيلا (…) بعد خلق القوة الذاتية علينا مباشرة خلق التنظيم الذي يجب ان يكون نابعا من وعي حي متجدد حسب المكاسب والمراحل والمتطلبات, وهذا الوعي الحي يجب ان يكون مرتكزا على ما نريد وبعد ذلك على الكيفية التي يمكننا بها تحقيقه “.
لقد راهن الرجل منذ البداية على ربح معركتي التحرير والبناء معا, ليصنع للثورة الصحراوية خصوصيتها وتميزها, وهو الذي استفاد من تراكمات تجربة المقاومة الصحراوية المسلحة على امتداد عقود بل قرون من الزمن, واستقى ممن ادرك على قيد الحياة من قادتها الميدانيين تفاصيلها الدقيقة, واستقوى بالجيل الذي حذى حذوهم, وبرفاقه لشق طريقها السالك برؤية القائد الملم بالاوضاع الاقليمية والجهوية والدولية .
مثلما راهن على الاطر وعلى رفاقه ايضا لارساء اسس مشروع الدولية الصحراوية بعد اعلانها .
وبالرغم من انه فارق شعبه وهو في بداية مشواره, الا انه رسم الطريق الى النصر , وحدد المعركة مع نظام الاحتلال المغربي باعتياره العدو الوجودي للشعب الصحراوي ولكيانه المستقل, بعد ان وضع بمعركة “نواكشوط ” التي قادها بنفسه واستشهد في اتونها , بداية العد العكسي لخروج موريتانيا من حربها ضد الشعب الصحراوي, و لعزلة نظام الاحتلال المغربي جهويا, التي ستتوسع فيما بعد قاريا ودوليا.
كما شخص واقع الشعب الصحراوي بعناية فائقة, واصفا اياه بالواقع المرفوض, وحدد المخاطر المحدقة بمقاومة الشعب الصحراوي التي تحمل مشروعا وطنيا بديلا, ووضع القبلية في مقدمة تلك المخاطر باعتبارها كما قال : ” اللغم الموضوع تحت اقدامنا والممكن ان ينفجر بنا في اي وقت ” .
لقد اٍستمات رفاقه على الطريق التي رسمها , بالمحافظة على طلائعيتهم في معركة التحرير, وحذى حذوهم جيل الشباب, فصنعوا ملاحم بطولية ادخلت الشعب الصحراوي التاريخ من بابه الواسع مستنيرين بتعليماته وتوجيهاته, وهو القائد العسكري المستطلع لتحركات العدو وسكناته, المتربص بثغراته ونقاط ضعفه, والملم بالوضع الدولي لاختيار الوقت المناسب للهجوم عليه, و استثمار المكاسب الميدانية اعلاميا و سياسيا وديبلوماسيا, مثلما استفادوا من تراكمات تجربة المقاومة الوطنية, خصوصا في المعرفة الدقيقة بمسالك الصحراء ومناخها المتقلب, والقدرة على تحمل مشاقها من عطش وجوع بصبر لا يضاهى.
واذا كانت معركة البناء قد اعتمدت بالاساس على رؤيته التي تجلت ملا محها في العديد من خطبه, وبشكل خاص في خطاب الاطر , الذي عكس حرسه الكبير على تبسيطها وتكييفها مع الوضع القائم, بما يساهم في استعابها وأجرأتها, فان غيابه المبكر, وعدم وجود تراكمات لتجارب مسبقة في مجالات التنظيم و التسيير والتدبير, فتح الباب على مصراعيه امام اجتهادات فردية, واقتباسات واسقاطات من تجارب الشعوب المختلفة ظلت فوقية, و لم تتمكن من خلق الاداة القادرة على تجديد الاساليب وتطويرها وفق شروط الواقع المعاش, بما يمكن من زعزعة البنيات العتيقة, التي ظلت تحافظ على تماسكها الداخلي, امام زخم معركة التحرير, التي اسهمت في تاخير بروز تناقضلتها ونقاط ضعفها, التي ستطفوا بحدة على السطح بعد وقف اطلاق النار مباشرة, ان لم يكن قبلها بسنوات.
واليوم تحل ذكراه وشعبنا اكثر اصرارا على انتزاع استقلاله الوطني كاملا غير منقوص, والدولة الصحراوية تحتل مكانتها كعضو مؤسس للاتحاد الافريقي الذي يشكل قوة اقتصادية وسياسية واعدة, والمجتمع الدولي بدوله ومنظماته يعترف للشعب الصحراوي بحقه في تقرير مصيره واختيار مستقبله بكل حرية, ويضع المغرب في خانة المحتل الغاصب, وحليفنا الاستراتيجي في وضع جهوي وقاري ودولي متميز.
وحدها معركة البناء , تشعرنا باننا لازلنا في بداية الطريق , وبان مسؤولياتنا كأطر وقيادات, كبيرة وجسيمة, وان الطريق الى تحقيق “شعب حر, كريم , مستقل, موجود على ارضه” كما اراد الشهيد الولي, لازال طويلا ويستدعي تضحيات جمة, كما تشعرنا بضياع الكثير من الفرص, حين نقارن بين ما هو كائن و ما يجب ان يكون, او بين طاقاتنا وامكانياتنا , وبين حصائلنا وانجازاتنا في مضمار البناء , فهل سنسلك الطريق السالك, الذي رسمه ابن الشعب البار, ونجعل من فكره وتجربته ملهما لنا , ومن طلائعيته وتضحياته نموذجا وقدوة ؟.