ورقة النفخ في صراع موهوم على مواقع المسؤولية سقطت في الماء، واختيار الاصلح سيكون على محك الاستعداد للتضحية وقوة الالتزام والانضباط.

25
راي صمود: ورقة النفخ في صراع موهوم على مواقع المسؤولية سقطت في الماء، واختيار الاصلح سيكون على محك الاستعداد للتضحية وقوة الالتزام والانضباط.
راي صمود: ورقة النفخ في صراع موهوم على مواقع المسؤولية سقطت في الماء، واختيار الاصلح سيكون على محك الاستعداد للتضحية وقوة الالتزام والانضباط.

أفريقيا برسالصحراء الغربية. لا يخفي بعض الشباب الصحراوي الرغبة الجامحة في الوصول الى مواقع المسؤولية باي ثمن، تلك الرغبة التي سلكوا بهدف اشباعها كل المسالك وركبوا جل المطايا.

ولا نختلف في القول بان هذا حق طبيعي وطموح مشروع لا يمكن ان يعاتبهم عليه عاقل، ولكن للسياسة احكام، لعل اكثرها قسوة ان يحظى الراغبون في الوصول الى مواقع المسؤولية, بدعم شعبي واسع، او باختيار واختبار تحكمه مقاييس ومعايير قادة تمكنوا في وقت كانت فيه جبهات القتال تصنع الحدث, وتنتقي القيادات, وتفرز النخب، على معايير الشجاعة والاقدام او الكفاءة والمؤهلات، وكانت الرغبة في ارتياد مواقع المسؤولية، شبه منعدمة، لان المرشحين لها مطالبون بمزيد من الاستعداد للتضحية، ومزيد من الصبر على تحمل الشدائد، وإدارة المعارك بمعنويات مرتفعة وبامكانيات قليلة, في مختلف المجالات او الجبهات التي اختيروا لها على مضض، لأنهم لم يكونوا انذاك مخيرين امام ما يقتضيه الالتزام والانضباط لاي تكليف مهما بلغت مخاطره.

ونحن هنا نقصد بالمسؤولية مراكز القرار وهي محدودة، وهي ما يقصد الطامحون والطامعون أيضا، وحين وضعت الحرب اوزارها، وانفتحت المخيمات على محيطها، اقتضت الضرورة وفق رؤية القيادة السياسية ان في تمكين القاعدة من اختيار من يدير شؤونها في مرحلة اللا حرب واللا سلم، عبر انتخابات مباشرة خطوة تستدعيها المرحلة، فتنازلت عن تكليف ظل يثقل كاهلها.

وهكذا برزت معايير جديدة تحكمها في الغالب نزوات عاطفية بوعي او بدونه، فجاءت اختيارات القاعدة واختيارات من اختارتهم في إطار الصلاحيات المخولة لهم، مخالفة في الغالب لمعايير انتقاء واختيار الانسب والاقدر على تحمل المسؤولية, وانقلبت القاعدة الذهبية ” السلطة تكليف وليست تشريف” راسا على عقب.

وبدا الابتعاد تدريجيا عن اختيار النخب والطلائع على محك التجربة والكفاءة والتدرج، لإدارة الشؤون العامة في مجالات حيوية, ان لم نقل مصيرية لارتباطها بحياة المواطنين وتطلعاتهم, فتأثرت الخدمات, و بدأت الهوة تتسع بين القيادة و القاعدة, مما فتح الباب على مصراعيه امام الطامحين والطامعين, وكانت الفرصة مواتية أيضا لأعداء المشروع الوطني للعبث بالمنجزات والمكاسب التي تحققت بتضحيات جسام, بإيعاز من المحتل المتربص.

لا يمكن ان ننكر ان هذه التجربة التي كنا ولا زلنا نمر بها طبيعية أيضا، ورغم ما فيها من عيوب نعتقد جازمين انها جديرة بان تجعلنا في المستقبل نحتاط من عواقب تعطيل آلية فرز النخب والقيادات وانعكاساتها غير المحمودة.

اننا ندرك بفعل العامل البيولوجي للنخب، اننا بدأنا فعلا ندفع ثمن تعطيل آلية فرز النخب الطبيعية، التي فقدنا بسببها جيلا ان لم نقل اجيالا كانت بتجربتها الفريدة من نوعها ستضمن الانتقال السلس للمسؤولية فيما بين الأجيال، ناهيك عن ضمان التطور التدريجي للبناء المؤسساتي للدولة، وتدفع عجلة حسم صراعنا مع العدو المغربي الغازي الى الامام، كونها القادرة على فعل المستحيل بإمكانيات قليلة وبجهد اقل كما فعلت في السابق.

ان رغبة الجيل الجديد المتطلع الى القيادة والريادة مرهون بقدرته على كسب ثقة القواعد الشعبية، او ثقة من اختارتهم وفق معاييرها، او ثقة القيادة التاريخية التي من قدرها ان تقود في درب شقته بوعي وإدراك, ولا يقبل منها اطلاقا التحلل من مسؤولياتها تحت اية ذريعة، رغم ما يحسب عليها.

فالرغبة في جني ثمار تضحيات جماعية لم تنضج بعد، من امراض عصرنا الفتاكة، وهي عادة الانتهازيين والوصوليين، وحبائل وشراك يتقن الأعداء ومن والاهم استعمالها والاستفادة منها، والاسلم والانسب هو احترام الانتقال السلس واظهار القدرة على الصبر والمثابرة والتحمل، والاستعداد للتضحية أولا من اجل وصول السفينة الى بر الأمان ليطمئن الجميع وليسعد الجميع.

ان الاعتبارات التي راهنت في السابق على نضج القاعدة، اثبتت ان الرهان الاسلم هو في فرض احترام البناء المؤسساتي كرهان لربح معركتي التحرير والبناء على حد سواء، والذي يقوم على قاعدة القانون فوق الجميع، واختيار الشخص المناسب للمكان المناسب، وفق قوانين صارمة، تضمن الانتقال السلس للأجيال المتلاحقة، وتحمي الإمكانيات العامة من التصرف غير المشروع، وهي الشروط الموضوعية للوصول الى تحقيق الأهداف الكبرى سواء منها ما يتعلق بالتحرير او بالبناء.

واليوم فتح الله لنا فتحا مبينا بعودة الكفاح المسلح, الذي بإمكانه إذا توفرت الإرادة ان يعيد العمل بالقاعدة الذهبية ” المسؤولية تكليف وليست تشريف”, على أساس ان الاستعداد للسخاء بالدم إذا اقترن بالشجاعة والاقدام والقدرة على الصبر والتحمل ونكران الذات، هو السبيل الاسلم والأنجح لفرز النخب والقيادات، مثلما سيكون عليه الحال في باقي المجالات والجبهات.

اننا نعتقد جازمين بانه مع عودة الكفاح المسلح سيخفت دون شك هوس التهافت على مواقع المسؤولية، والتي عادة يعتمدها أعداء المشروع الوطني لبث الفرقة والشتات بيننا، لذلك أصيب الاحتلال المغربي ومعه اتباعه بهيستيريا عندما أطلق صوت البنادق, دون ان تكون له تبعات على الشعب الصحراوي وطليعته الصدامية الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب, وبالتالي فرهانهم على التناحر والتنافر بين الصحراويين على مواقع المسؤولية، ورقة سقطت في الماء, وبقي الاستعداد للتضحية هو المعيار الوحيد والاوحد الذي يقاس عليه، وما دون ذلك لن يجد اذانا صاغية، لانه بكل تأكيد لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.

وعلى الشباب الطموح ان يثبت جدارته واستعداده وقدرته على التحمل بالالتحاق بجبهات القتال بدون شروط مسبقة، ليصنع هناك مستقبله ومستقبل نخبه، ويباشر التغيير او الانتقال السلس للمسؤولية بين الاجيال من هناك، وما دون ذلك لا قيمة له بعد الان على الاطلاق.