ضغط الدم: كيف تتعامل الزرافات مع مشاكله التي تقتل ملايين البشر سنويا؟

12
ضغط الدم: كيف تتعامل الزرافات مع مشاكله التي تقتل ملايين البشر سنويا؟
ضغط الدم: كيف تتعامل الزرافات مع مشاكله التي تقتل ملايين البشر سنويا؟

أفريقيا برسالصحراء الغربية. تحتاج الزرافات إلى ارتفاع في ضغط الدم بسبب طولها، لكنها تتجنب المشاكل الصحية الهائلة التي يعاني منها الأشخاص المصابون بارتفاع ضغط الدم، فكيف يحدث ذلك؟

بالنسبة لمعظم الناس، تعتبر الزرافات مجرد حيوانات جميلة ذات رقبة طويلة تجتذب العدد الأكبر من زائري حدائق الحيوانات أو الراغبين في الحصول على صور بجوارها خلال الرحلات. لكن بالنسبة إلى المتخصصين في علم القلب والأوعية الدموية، فإن الأمر يتجاوز أكثر من ذلك بكثير، إذ اتضح أن الزرافات نجحت في حل مشكلة تقتل ملايين الأشخاص كل عام، وهي ارتفاع ضغط الدم.

وتشمل حلول هذه المشكلة، التي لم يفهمها العلماء إلا بشكل جزئي حتى الآن، أعضاء مضغوطة، وتغييرا في إيقاع القلب، وتخزينا للدم.

وتعاني الزرافات من ارتفاع كبير في ضغط الدم بسبب ارتفاع رؤوسها إلى أعلى، والتي ترتفع عند البالغين حوالي ستة أمتار (19 قدمًا) فوق سطح الأرض، وهو ما يعد مسافة طويلة جدا للقلب ليضخ الدم لأعلى ضد الجاذبية.

وللحصول على ضغط دم يبلغ 110/70 في الدماغ – وهو طبيعي تقريبًا بالنسبة للثدييات الكبيرة – تحتاج الزرافات إلى ضغط دم في القلب يبلغ حوالي 220/180.

ورغم أن ذلك لا يسبب إزعاجا للزرافات، فإن مثل هذا الضغط يسبب كل أنواع المشاكل للبشر، بداء من قصور القلب إلى الفشل الكلوي وتورم الكاحلين والساقين.

وبالنسبة للأشخاص، يتسبب ارتفاع ضغط الدم المزمن في زيادة سُمك عضلات القلب، ويصبح البطين الأيسر للقلب أكثر تيبسًا وأقل قدرة على الامتلاء مرة أخرى بعد كل نبضة، وهو ما يؤدي إلى مرض يُعرف باسم قصور القلب الانبساطي، والذي يؤدي إلى إصابة الشخص بالإرهاق وضيق التنفس وانخفاض القدرة على ممارسة الرياضة.

كما أن هذا النوع من قصور القلب مسؤول عن ما يقرب من نصف حالات قصور القلب البالغ عددها 6.2 مليون حالة في الولايات المتحدة اليوم.

وعندما فحصت أخصائية أمراض القلب وعالمة الأحياء التطورية باربرا ناترسون هورويتز، من جامعة هارفارد وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، قلوب الزرافات، وجدت أن البطينين الأيسرين قد ازدادا سُمكًا، لكن بدون التصلب أو التليف الذي يحدث عند البشر.

ووجد الباحثون أيضًا أن الزرافات لديها طفرات في خمسة جينات مرتبطة بالتليف. ووجد باحثون آخرون فحصوا جينوم الزرافات في عام 2016 العديد من المتغيرات الجينية الخاصة بالزرافات والمتعلقة بتطور القلب والأوعية الدموية والحفاظ على ضغط الدم والدورة الدموية.

وفي مارس/آذار 2021، كشفت مجموعة بحثية أخرى عن وجود متغيرات خاصة بالزرافات في الجينات المسؤولة عن التليف.

وهناك حيلة أخرى لدى الزرافات لتجنب فشل القلب، إذ يختلف الإيقاع الكهربائي لقلبها عن نظيره في الثدييات الأخرى.

ووجدت ناترسون هورويتز أن مرحلة ملء البطين من ضربات القلب في الزرافات تمتد لوقت أطول. ويسمح هذا للقلب بضخ المزيد من الدم مع كل نبضة، وهو ما يسمح للزرافة بالجري بقوة على الرغم من عضلة القلب السميكة.

وتقول ناترسون هورويتز: “كل ما عليك فعله هو إلقاء نظرة على صورة زرافة هاربة، وسوف تدرك على الفور أن الزرافة قد حلت تلك المشكلة”.

وتحول ناترسون هورويتز تركيزها الآن نحو مشكلة أخرى يبدو أن الزرافات قد نجحت في حلها أيضا، وهي ارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل، وهي الحالة التي تُعرف باسم تسمم الحمل.

وعند الأشخاص، يمكن أن يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة تشمل تليف الكبد والفشل الكلوي وانفصال المشيمة. لكن الزرافات لا تعاني من مشكلة في هذا الأمر، وتأمل ناترسون هورويتز وفريقها في دراسة مشيمة الزرافات أثناء الحمل لمعرفة ما إذا كان لديها تعديلات أو تكيفيات فريدة تسمح لها بذلك.

ومن المعروف أن الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم معرضون أيضًا لتورم مزعج في الساقين والكاحلين، لأن الضغط المرتفع يدفع الماء للخروج من الأوعية الدموية إلى الأنسجة. لكن عليك فقط أن تنظر إلى الأرجل النحيلة للزرافة لتعرف أنها قد حلت هذه المشكلة أيضًا.

ويتساءل كريستيان ألكير، اختصاصي فسيولوجيا القلب والأوعية الدموية في جامعة آرهوس في الدنمارك، والذي كتب عن تكيف الزرافات مع ارتفاع ضغط الدم في المراجعة السنوية لعلم وظائف الأعضاء لعام 2021: “لماذا لا نرى الزرافات بأرجل متورمة؟ وكيف تكون محمية من الضغط الهائل هناك؟”

تقلل الزرافات من التورم بنفس الحيلة التي تستخدمها الممرضات مع المرضى باستخدام “جوارب الدعم”. ومع الأشخاص، تكون هذه الجوارب عبارة عن سراويل ضيقة ومرنة تضغط على أنسجة الساق وتمنع تراكم السوائل. وتحقق الزرافات نفس الشيء من خلال لفافة محكمة للنسيج الضام الكثيف.

وقد أجرى الفريق البحثي لألكير اختبارا حول ذلك عن طريق حقن كمية صغيرة من محلول ملحي أسفل تلك اللفافة المحكمة في أرجل أربع زرافات جرى تخديرها لأسباب أخرى. ووجد الفريق أن الحقن الناجح يتطلب ضغطًا أكبر بكثير في أسفل الساق مقارنة بحقنة مماثلة في الرقبة، مشيرين إلى أن اللفافة قد ساعدت في مقاومة التسرب.

ووجد ألكير وآخرون أن للزرافات أيضًا شرايين سميكة الجدران بالقرب من ركبتيها والتي قد تكون بمثابة قيود على تدفق الدم. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى خفض ضغط الدم في أسفل الساقين، تماما كما يؤدي وجود عقدة في خرطوم مياه الحديقة إلى انخفاض ضغط الماء لكي يسقط بعد العقدة مباشرة. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الزرافات تفتح وتغلق الشرايين لتنظيم الضغط أسفل الساق حسب الحاجة.

يقول ألكير: “سيكون من الممتع أن نتخيل أنه عندما تقف الزرافة في مكانها هناك، فإنها تغلق تلك العضلة العاصرة تحت الركبة مباشرة، لكننا لا نعرف”.

ويطرح ألكير سؤالا آخر عن هذه الحيوانات الرائعة: عندما ترفع الزرافة رأسها بعد الانحناء لشرب الماء، يجب أن ينخفض ضغط الدم إلى الدماغ بسرعة – حالة أكثر حدة من الدوخة التي يعاني منها كثير من الناس عندما يقفون فجأة، فلماذا لا يحدث إغماء للزرافات؟

يبدو أن جزءًا من الإجابة على ذلك السؤال يتمثل في أن الزرافات يمكن أن تمنع هذه التغيرات المفاجئة في ضغط الدم. ففي الزرافات المخدرة التي يمكن رفع رؤوسها وخفضها بالحبال والبكرات، وجد ألكير أن الدم يتجمع في الأوردة الكبيرة للرقبة عندما تخفض الزرافات رؤوسها.

ويؤدي هذا إلى تخزين أكثر من لتر (0.2 غالون) من الدم، وهو ما يقلل مؤقتًا كمية الدم التي تعود إلى القلب. ومع توفر كمية أقل من الدم، يولد القلب ضغطًا أقل مع كل نبضة أثناء نزول الرأس. وعندما ترفع الزرافة رأسها مرة أخرى، يندفع الدم المخزن فجأة إلى القلب، الذي يستجيب بنبضة قوية عالية الضغط تساعد على ضخ الدم إلى الدماغ.

ولم يتضح بعد ما إذا كان هذا هو ما يحدث في الحيوانات المستيقظة التي تتحرك بحرية، على الرغم من أن الفريق البحثي لألكير قد سجل مؤخرًا ضغط الدم والتدفق من أجهزة الاستشعار المزروعة في الزرافات التي تتحرك بحرية ويأمل في الحصول على إجابة قريبًا.

إذا، هل يمكننا تعلم دروس طبية من الزرافات؟ لم تسفر أي من هذه الأفكار عن الوصول إلى علاج سريري محدد، لكن هذا لا يعني أن هذا لن يحدث قريبا، حسب ناترسون هورويتز.

وعلى الرغم من أن بعض التعديلات قد لا تكون لها صلة بارتفاع ضغط الدم لدى البشر، إلا أنها قد تساعد علماء الطب الحيوي على التفكير في المشكلة بطرق جديدة وإيجاد علاجات جديدة لهذا المرض الشائع جدًا.