فيروس كورونا: آثار سلبية “مخيفة” لاستخدام الأجهزة الرقمية بكثافة أثناء العمل من المنزل

2
فيروس كورونا: آثار سلبية
فيروس كورونا: آثار سلبية "مخيفة" لاستخدام الأجهزة الرقمية بكثافة أثناء العمل من المنزل

افريقيا برسالصحراء الغربية. منذ أن تفشى فيروس كورونا، أدت زيادة استخدام الأدوات الرقمية إلى زيادة ساعات العمل اليومية، وقد أثر ذلك على قدرة الدماغ على معالجة المعلومات واستيعابها، فكيف نعالج ذلك؟

في أواخر العام الماضي، لاقت تغريدة لمحررة موقع “بازفيد” ديليا كاي، تفاعلا كبيرا على موقع تويتر، إذ كتبت: “يوم آخر بدأته كالمعتاد بالتحديق في الشاشة الكبيرة بينما أتصفح المواقع على شاشتي الصغيرة حتى أكافئ نفسي على نجاحي في التحديق في شاشتي المتوسطة طوال الأسبوع”.

وربما تبدو كاي محقة في ذلك. فبعد مرور أكثر من عام على تفشي فيروس كورونا، أصبحنا نقضي أوقاتا أطول من المعتاد أمام شاشات أجهزتنا، لا لمتابعة الأفلام وتصفح موقع “تيك توك” فحسب. فمنذ أن تبنت معظم الشركات نظام العمل عن بعد، أصبحنا أكثر اعتمادا على الأدوات الرقمية للتواصل مع بعضنا بعضا وإنجاز أعمالنا.

وقد أدى نقل تفاصيل الحياة اليومية إلى العالم الافتراضي إلى ارتفاع مقلق في استخدام الأدوات الرقمية. ولم تعد الأدوات الرقمية وسيلة للاضطلاع بالأعمال فحسب، بل أيضا أدت زيادة استخدام الأدوات الرقمية إلى زيادة عدد ساعات العمل اليومية. وتتبع استطلاع للرأي أجرته شركة مايكروسوفت عادات أكثر من 30 ألف مستخدم في 31 دولة على مدى العام الماضي وكانت النتائج مخيفة.

ويقول جارد إسباتارو، نائب رئيس شركة مايكروسوفت: “زاد عدد الدقائق التي قضاها الناس في الاجتماعات على تطبيق “ميتنغ” أسبوعيا بنسبة 148 في المئة، وزاد عدد المحادثات التي يرسلها المستخدم بنسبة 42 في المئة بعد انتهاء ساعات العمل الرسمية، وبنسبة 200 في المئة في عطلات نهاية الأسبوع. وكان عدد رسائل البريد الإلكتروني التي تلقاها عملاؤنا في فبراير/شباط 2021 أعلى بنحو 40 مليون رسالة مقارنة بنفس الفترة في عام 2020″.

وهذا ينطبق أيضا على إسباتارو في شركة مايكروسوفت. فقد أمضى إسباتارو وفريقه وقتا أطول أمام شاشات أجهزتهم. ويقول إسباتارو إن الموظفين يحضرون الكثير من الاجتماعات، وبعضها لا طائل منه، لمجرد إثبات الحضور والتفاعل. وعن تجربته الخاصة العام الحالي يقول إسباتارو: “لم أحضر في حياتي هذا العدد من الاجتماعات الفردية قط”. ويعزو ذلك إلى أن البشر يتوقون دائما للتواصل.

لكن هذا التحديق المتواصل في الشاشات يفرض عبئا معرفيا ثقيلا على الذاكرة العاملة. وثمة حلول سريعة للحد من الاعتماد على الأدوات الرقمية، لكن هذه المشكلة أثارت جدلا أوسع حول شكل التواصل والوظائف بشكل عام في بيئة العمل الجديدة.

عبء معرفي ثقيل

ليس من المستغرب أن يؤدي العمل عن بعد إلى قضاء وقت أطول أمام الشاشات، فالاجتماعات كانت تعقد وجها لوجه لكن الآن الخيار الوحيد بات التفاعل الافتراضي.

غير أن كيت ليستر، رئيسة شركة “غلوبال ويركبليس أناليتكس”، للاستشارات في مجال العمل عن بعد بسان دييغو، تشكك في نتائج تقرير مايكروسوفت. وترى أن العمل من المنزل من الطبيعي أن يتطلب أدوات افتراضية، ومن المتوقع زيادة استخدام تطبيق “مايكروسوفت تيمز”، للاجتماعات المرئية عبر الإنترنت (أو ما يقابله من منصات مثل “زوم”) التي لم يكن أحد يحتاج لاستخدامها في الماضي.

لكن بعض البيانات التي جاءت في التقرير كانت مثيرة للقلق، على رأسها أن عدد ساعات العمل زادت بواقع ساعة يوميا في الكثير من البلدان، وأصبحت الاجتماعات أطول بنحو 10 دقائق في المتوسط.

وتقول ليستر: “إن الإفراط في العمل حقيقي، ومرده إلى وجود الشاشات أمامنا طوال اليوم. فبيئة العمل عن بعد تفتقد لتلك العلامات الاجتماعية التي كانت تنبهنا في الشركات للحصول على وقت الراحة أو مغادرة مكاتبنا في نهاية اليوم. وبسبب غياب هذه العلامات أصبحنا نعمل ليلا ونهارا”.

وقد أسهمت أيضا المحادثات عبر الإنترنت مع الزملاء وإرسال رسائل عبر البريد الإلكتروني وعقد المزيد من الاجتماعات معهم في زيادة عدد ساعات العمل اليومية. فقد أصبحت هذه المحادثات الافتراضية بديلا عن التواصل وجها لوجه مع الزملاء في أروقة الشركة أو على المكاتب المجاورة.

وربما كنا قبل الوباء نترك المنصات الرقمية لحضور اجتماع مع الفريق في الشركة أو لتناول الغداء أو في الطريق من المنزل إلى العمل أو العكس، لكن الآن أصبحت هذه الأدوات الرقمية رفيقنا الدائم. ويؤثر هذا التنقل المستمر بين البريد الإلكتروني ومتصفح الإنترنت وتطبيق سلاك وغيرها من التطبيقات الرقمية سلبا على العمليات المعرفية والسعة العقلية.

ويقول دكتور مايكل بوهان، مدير معمل ميكروسوفت لهندسة العوامل البشرية: “إن أدمغتنا في الواقع، ليست مهيأة للنظر إلى صورة مسطحة لشخص في مربع صغير، بل إن الدماغ مصمم للاستدلال بالإيماءات والتعبيرات في الواقع، في عمليات معالجة المعلومات والتواصل”.

ولهذا تبذل أدمغتنا مجهودا مضاعفا في الاجتماعات الافتراضية مع عدة مشاركين في صناديق صغيرة، لمعالجة المعلومات من كل مشارك على حدة، سواء بالاستماع إليه أو فهم تعبيراته وإيماءاته وتفسيرها. ويقول بوهان: “إن العمل أمام الشاشة، حتى لو لم تكن مدركا أنك تعمل، يفرض عبئا معرفيا هائلا على الدماغ”.

وأجرى بوهان وأعضاء فريقه البحثي دراسة راقبوا خلالها أنشطة الدماغ أثناء مجموعة من الاجتماعات الافتراضية. وتتبعوا موجات ألفا التي تنتجها الدماغ في حالة الراحة وموجات بيتا التي تظهر في الدماغ أثناء العمل الشاق. واكتشفوا سلسلة لا نهاية لها من موجات بيتا على مدار يوم من الاجتماعات المتواصلة. ويقول بوهان: “لاحظنا في نهاية اليوم أن تراكم موجات بيتا يرتبط ارتباطا وثيقا بالإنهاك والقلق”.

وينتج الدماغ موجات بيتا في كل مرة يعالج فيها الكثير من المعلومات دفعة واحدة، وبعبارة أخرى، كلما حدقت إلى الشاشة. وبعد فترة من إنتاج موجات بيتا باستمرار، تتراجع قدرة الدماغ على معالجة المعلومات. وكلما أجهدت نفسك لإنجاز المزيد من المهام، زادت صعوبة معالجة المعلومات.

حلول قصيرة الأمد

ثمة حلول بسيطة، إذا وظفت بطريقة صحيحة، قد تخفف آثار الاستخدام المكثف للأدوات الرقمية. فالحصول على استراحة لمدة 10 دقائق أثناء الاجتماعات الطويلة أو أثناء العمل أمام الشاشة قد يقلل إنتاج موجات بيتا.

ويقول بوهان: “إذا أخذت قسطا من الراحة ووظفتها في التأمل أو القراءة أو الرسم أو أي شيء يساعد على الاسترخاء، سينتج الدماغ موجات ألفا. وستستعيد بعد هذه الفترة من الراحة، تركيزك وتصبح أكثر تفاعلا مع الآخرين. فأخذ فترات الراحة بشكل منتظم يسهم في تصفية الذهن ويحافظ على صحة الدماغ طوال اليوم”.

وبينما قد يبدو أن ممارسة التأمل وسط أعباء العمل المتزايدة بسبب صعوبة العمل الافتراضي وضيق الوقت، تعد شكلا من الرفاهية المستحيلة، فإن أخذ وقت راحة له فوائد كبيرة، إذ يسهم إنتاج موجات ألفا في تعزيز الوظائف المعرفية وتحسين الأداء.

ويقول إسباتارو إن شركة مايكروسوفت طورت برامج جديدة لتخفيف العبء المعرفي الناتج عن المحادثات المرئية، مثل فلتر “توغيذر مود”، في تطبيق “تيمز”، الذي يدمج المشاركين في الاجتماع في بيئة مشتركة دون حواجز (وأضاف تطبيق زوم خيارا مشابها). فإزالة الصناديق والخلفيات من صور المشاركين، يسهم في الحد من عمليات المعالجة اللاشعورية التي تسهلك الطاقة العقلية للمشاركين.

لكن إسباتارو يقول إن هذه التغييرات في منصات محادثات الفيديو ليست كافية، مشيرا إلى أن جزءا من المشكلة هو أننا نحاول نقل أنماط العمل القديمة في الشركات بكل تفاصيلها إلى بيئة العمل الجديدة من المنزل.

ويقول إسباتارو: “لقد دخلنا عصرا جديدا، ونحتاج لعادات وممارسات جديدة وفهم ثقافي جديد، ونحتاج لتعلم مهارات وأنماط جديدة ووضع أعراف ثقافية جديدة”. وبدلا من التعامل مع العاملين على أنهم “أجهزة روبوت في مصنع”، ينبغي أن نبني ثقافة جديدة يكون فيها العاملون “كصفوة الرياضيين”، بحيث يُطبق على العاملين نفس قواعد التدريبات الرياضية، بمعنى أن يخضعوا لجلسات عمل مكثفة، ثم يسمح لهم بالتعافي. ولا يقل التعافي أهمية عن التدريبات.

إنجاز العمل بطريقة أفضل

ترى ليستر أن التغيير ينبغي أن يبدأ بإعادة النظر في طرق التواصل في العمل، وتقول: “يجب أن نجد طرقا بديلة للتحدث إلى الزملاء، غير الاجتماعات المرئية عبر الإنترنت، إذ يتحدث شخص واحد في اجتماعات طويلة وينصت الآخرون”.

وترى أن معظم الاجتماعات، سواء في الواقع أو في العالم الافتراضي، تهدر الوقت. وعندما تعقد على الشاشة، يجلس معظم المشاركين وينهمكون في أنشطة أخرى، وهذا يضاعف العبء المعرفي. وتتساءل ليستر: “إذا كانت الاجتماعات أثبتت أنها غير مجدية منذ وقت طويل، فلماذا ننقلها إلى العالم الافتراضي؟”

وترى ليستر أن الشركات يجب أن تضع سياسات وتوقعات واضحة للعاملين، وتقول: “إن بعض الناس يعملون بكفاءة في الساعة الثالثة صباحا لكن إذا تلقيت رسالة في الثالثة صباحا من مديري ولم أقرأها إلا في الثامنة، فسأشعر أنني مقصرة في العمل. ولهذا يجب أن تقول الشركات بوضوح للموظف إنها لا تتوقع أن تتلقى ردا على الرسالة في الثالثة”.

وترى ليستر أن إدارة الموظفين بحسب الحضور، تدفع الناس لقضاء وقت أطول في مكالمات الفيديو والمحادثات. فالتخلص من ثقافة الحضور الشكلي والإدارة التفصيلية سيشجع الموظفين على التوقف عن العمل في وقت محدد والابتعاد عن الأجهزة دون أن يشعروا بوخز الضمير.

وسيعود العثور على طرق جديدة للتواصل مع الزملاء والحد من عدد الاجتماعات اليومية ورسائل البريد الإلكتروني والحضور الافتراضي في الاجتماعات بفوائد عديدة على الموظفين، أهمها أنه سيمهد الطريق لإقامة بيئة عمل ما بعد الوباء، التي يتوقع معظم الناس أن تكون مزيجا بين أنظمة العمل القديمة والجديدة.

وتقول ليستر: “يجب أن نعيد النظر في جميع ممارساتنا في العمل وأن نتساءل: لماذا نتبنى هذه الممارسات؟ وهل هناك طرق أخرى أكثر كفاءة لإنجاز العمل؟ وينبغي أن نتوقف عن نقل أنظمة العمل في الواقع إلى العالم الافتراضي”.