محمد البخاري
أفريقيا برس – الصحراء الغربية. تعلمنا من التاريخ السياسي العالمي، القديم والحديث، أن الإستعمار يحتاج دائما إلى ارتكاز محلي لضمان استمراريته أو للحفاظ على جزء من مصالحه بعد الرحيل.
فتصرف إسبانيا الاستعمارية فى مواجهتها للكفاح الوطني التحريري، الذي خاضه الشعب الصحراوي، بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، منذ إطلاق الشرارة الأولى للبندقية الصحراوية، بالخنگة يوم 20 مايو 1973، ليس استثناء عن هذه القاعدة العامة.
لقد شكل قيام الإدارة العسكرية الاستعمارية الاسبانية بتفريخ لقيط من أحشائها، تحت إسم صحراوي، وإسراعها في البحث له عن شرعية داخلية وخارجية، لمواجهة ثورة ال20 مايو، المثال الملموس على صحة القاعدة المذكورة آنفا.
عندما وقعت القوة الاستعمارية الاسبانية على خيانتها للشعب الصحراوي، وفشلت في تجسيد التزاماتها تجاهه، وفي تحمل مسؤولياتها أمام المجتمع الدولي، باعت مستعمرتها، شعبا وأرضا، ومن ضمن ما قايضته مع شركائها فى عدوان 14 نوفمبر 1975، كان بيعها للدكان السياسي الذي فتحته، والذي أصبح بدون رصيد بعد رحيلها النهائي يوم 28 فبراير 1976.
تجدر الإشارة هنا كذلك إلى أن المحتلين الجدد سارعوا إلى إنشاء كيانات أخرى بأسماء محلية، على غرار ما تقوم به كل القوى الاستعمارية في جميع أرجاء المعمورة، وعبر كل مراحل التاريخ.
فقارتنا الإفريقية التي تقاسمتها القوى الاستعمارية خلال مؤتمر برلين سنة 1884، كانت ومازالت تعاني من مخططات تلك القوى التى اعتمدت في البداية على أعوان إداراتها من الشعوب المستعمرة ووزعت عليهم الألقاب والرتب والامتيازات، وخصصت لهم مقاعد في برلماناتها وحكوماتها الوطنية، في محاولة للإبقاء على تبعية ما كانت تسميه آنذاك بأقاليم ما وراء البحار.
ولعل أقرب أمثلة في هذا المضمار، هو ما أقدمت عليه فرنسا مع مطلع القرن الماضي وحتي الخمسينيات عند إنشائها لما أسمته “منظمة أفريقيا الغربية الفرنسية” لتأمين مصالحها وتعزيز هيمنتها وراء أقنعة إفريقية.
كان احتياج فرنسا لتجميع قوتها العسكرية وتركيز مجهوداتها لمواجهة الثورة الجزائرية هو الذي جعلها تدخل تعديلات على مخططها السالف الذكر، يسمح باستقلال ولو شكلي، مضمونه ليس سوى استعمار جديد، مازالت العديد من الدول الأفريقية تعاني من تبعاته الكارثية إلى حد اليوم.
ومادمنا قد أعطينا مثالا بما قامت به فرنسا، فغير بعيد عنا خطتها في الجزائر تحت اسم “مخطط قسطنطينة” الرامي إلى سحب البساط من تحت أقدام ثورة أول نوفمبر التي ما فتئت تسجل الملاحم البطولية المتتالية والتي هزت أركان الدولة الفرنسية.
“مخطط قسطنطينة” هو المشروع الإستعماري الفرنسي الذي كان يهدف إلى ربط المستعمرة نهائيا بفرنسا عبر خطة تعتمد على تخصيص جزء من عائدات مبيعات الثروات الطبيعية الجزائرية لتمويل استيطان الكولون (المستوطنون) وإعطاء وجه محلي للإدارة الاستعمارية من خلال تعيين العملاء وأتباع المستعمر في مهام إدارية كانت مخصصة حصريا للموظفين الفرنسيين.
فالإستعمار أينما حل وارتحل يحتاج، هكذا، إلى أبواق ومكبرات صوت محلية توحي بأنه مرحب به من طرف الشعب المستعمر. ويحتاج بالتالى، خاصة عندما يواجه الصعوبات، إلى التحدث دائما بصوتين هما في الواقع وجهان لنفس العملة، لأن أحدهما ليس سوى صدى للأول.
ففي كل ما تقوم به قوى الاستعمار والاحتلال لابد لها، إذا، أن تعتمد على أتباعها وعملائها لتكوين مجموعة أو مجموعات محلية كواجهة لتبيض وتلميع صورة الإحتلال البغيضة وجعله مقبولا على الصعيدين المحلي والدولي.
ومادامت الجمهورية الصحراوية تقاوم الاحتلال الأجنبي لأجزاء من ترابها الوطني، والمجتمع الدولي مازال يحاول تصفية الإستعمار من الصحراء الغربية، فإن المحتل المغربي يحتاج إلى صوت محلي، يردد أطروحته التوسعية بعبارات جديدة لكن بمضامين مطابقة للأصل، يقوم بتسويق الإحتلال والضم بالقوة العسكرية والإلحاق اللاشرعي على أنه هو الخيار الممكن والواقعي والمقبول والتوافقي. ولهذا الغرض لابد له من الزي الصحراوي (الدراعة والملحفة) لتلميع بضاعته، فاختار جزر كناريا لمسرحيته السيئة التصميم والاخراج.
نحن هنا في الحقيقة، أمام عملية مخابراتية مشتركة من تخطيط وتنفيذ الأجهزة المغربية، بمعية أدوات ووسائط سياسية إسبانية، تعمل الآن في العلن على شكل لوبي، بعدما كانت تشتغل في الخفاء منذ فترة غير قصيرة، مقابل رشاوى وهدايا القصر، على منع استقلال الشعب الصحراوي وتمتع دولته بالسيادة الكاملة.
الخيانة الإسبانية المتجددة تذكرنا بالطابور الخامس الذي مازال، منذ الحرب الأهلية سنة 1936، متمركزا في مواقعه بمدريد ينتظر الإشارة، هذه المرة من الرباط، لتحريك الدمى المتساقطة في الرذيلة والنجاسة.
وبذلك يكون التنسيق السياسي والمخابراتي المغربي-الاسبانى للقضاء على الشعب الصحراوي ومصادرة حقوقه دخل مرحلة علنية، يدفع فيها بكل أوراقه، لأنه أضحى اليوم يواجه واقعا وطنيا صحراويا ممثلا ومجسدا فى الدولة الصحراوية التي لايمكن القفز عليها أو تجاوزها.
وهكذا، سيتم، حسب بعض المعلومات، تجميع الخونة والعملاء والمتساقطين في جزر كناريا في كرنفال مؤطر وممول من طرف لادجيد (DGED) وبرعاية وزعامة اللوبي السياسي في إسبانيا، الذي يقتات من عمالته للمحتل المغربي وخيانته، في نفس الوقت، للشعب الصحراوي وللمصالح الاستراتيجية للدولة الاسبانية.
بعد إنتهاء المسرحية الفكاهية-الدرامية، التي يميزها أن اللاعبين الكبار من الجنسية الإسبانية، والذين يقفون وراء الستار أو الذين سيصعدون على الخشبة مباشرة إلى جانب الدمى المتساقطة، أنهم كلهم، بعد قضاء ليلتهم الأولى، سيتأكدون أنهم بالفعل خونة وليست لهم خلفية غير الإرتزاق.
إن المشروع الإستعمارى الإلحاقي المغربى-الاسباني المشترك ولد ميتا ولن يكتب له النجاح أبدا.
زهاء خمسة عقود تثبت أن الشعب الصحراوي لن يقبل بديلا عن الاستقلال الوطني، و أن الجمهورية الصحراوية ستتبوأ مقعدها بين أعضاء الأمم المتحدة، مهما كانت العراقيل، وأن المجتمع الدولي، منظمات ومحاكم لن يعترف للمغرب بالسيادة على الصحراء الغربية مهما طال الزمن.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس