افريقيا برس – الصحراء الغربية. لم تمر سويعات قليلة على حفل زفافهما حتى فاضت روحاهما اختناقا بالغاز أثناء استحمامهما، هكذا تلخصت حكاية عروسين في إحدى المدن المصرية، بدأت بالفرح والرقص والأغاني، وانتهت بعد ساعات بالحزن الذي احتل قلوب أهليهما.
تلك الحكاية على مرارتها لم تكن الأولى ولا الوحيدة فصفحات الحوادث بالصحف مليئة بعرائس وأمهات وأسر كاملة ماتوا اختناقا بسبب تسرب غاز سخان المياه أثناء الاستحمام، حتى أطلق عليه المصريون لقب “القاتل الصامت”.
لا تدعس طفلك فكيف يمكن تفادي تسرب الغاز؟ وما الأماكن المثلى لتركيب السخان؟ ولماذا يقبل المصريون على استخدام سخانات الغاز دون التي تعمل بالكهرباء رغم خطورة الأولى؟
اشتراطات الأمان
محمود عبد المتعال فني تركيب غاز في شركة لتوزيع الغاز، أكد أن شركته وضعت عدة اشتراطات يتوجب مراعاتها عند تركيب السخان الذي يعمل بالغاز الطبيعي داخل الحمام، أولها ألا تقل مساحة الحمام عن 5.6 أمتار حتى يتيح مسافة لكميات الأكسجين اللازمة للتنفس.
وأضاف عبد المتعال -في حواره مع الجزيرة نت- أن الشركة أيضا اشترطت وجود مساحة كافية بين السخان والسقف تتيح تركيب المدخنة (ماسورة لنقل العادم للخارج)، ولا ينصح بتركيب السخانات بدونها، وضرورة وجود فتحة للمدخنة وأخرى للهواية التي تقوم بعمل تجديد دائم للهواء بالمكان، وضرورة أن يكون قريبا من المنور أو الشارع، ويفضل أكثر أن يركب خارج الحمام أو في الشرفة.
كما اشترطت الشركة لضمان عدم وقوع المواطنين ضحية لمشكلة إضافية تتمثل في تسرب الغاز نتيجة انطفاء الشعلة، أن تكون شعلة الغاز في مستوى النظر، لإتاحة مراقبة المستخدم لاستمرار الشعلة وعدم انطفائها لضمان عدم التسرب.
ويجب التأكد دائما من أن لون الشعلة أزرق، فإذا لاحظ الشخص غير ذلك فعليه الإسراع بإغلاق مصدر الغاز فورا، وإذا تكرر اختفاء اللون الأزرق وظهر لون الشعلة برتقاليا فليتصل بالصيانة.
أعراض
وحدد مركز السموم التابع لمستشفيات جامعة عين شمس علامات التسمم بغاز أول أكسيد الكربون الناتج عن تشغيل سخانات الغاز بالشعور بصداع شديد ومستمر، والدوار مع الإرهاق الشديد مع صعوبة التنفس وألم في الصدر وغثيان وقيء وتشوش الرؤية.
وأوضح الدكتور ماجد.أ الطبيب بالمركز -للجزيرة نت- أن خطورة أول أكسيد الكربون أنه لا رائحة له ولا لون، وهو ما يفسر ارتفاع نسبة الوفيات في الحالات المتعرضة له لأكثر من 50%.
فاستنشاق كمية كبيرة من العادم الناتج عن السخان تحدث ارتخاء في الأعصاب وتشل القدرة على التحرك، مما يزيد من صعوبة الاستغاثة بمن معه بالمنزل لإنقاذه، وهذا هو السبب الرئيسي في ضعف فرص النجاة في الغالب، على حد تعبيره.
وبين الطبيب بمركز السموم الإجراءات الواجب اتخاذها مع من تعرض لغاز أول أكسيد الكربون بضرورة تعريضه للهواء الطلق وسرعة الاتصال بأحد مراكز السموم، مع إجراء تنفس صناعي للمصاب.
مصادر أخرى قاتلة حذر الطبيب بمركز السموم من عدم الانتباه للمصادر الأخرى لغاز أول أكسيد الكربون مثل شوايات الفحم بالمنزل، وتلك الناتجة عن إشعال الحطب للتدفئة كما يحدث بالأرياف؛ وكل ذلك ينتج عنه الغاز الذي يتسبب في مشاكل جمة للمخ والجهاز العصبي وقد يعاني المصاب من إعاقة دائمة حال نجاته من الموت.
بينما يشرح أخصائي أمراض الجهاز التنفسي إيهاب عمر للجزيرة نت كيف يحدث التسمم لدى المتعرضين لكميات كبيرة من عادم السخان، حيث يتراكم أول أكسيد الكربون في الدم، فيستبدل الجسم الأكسجين الموجود بخلايا الدم بأول أكسيد الكربون.
ويؤدي هذا الاستبدال إلى تلف بالأنسجة ويصل بسرعة إلى تلف الدماغ والإضرار بالقلب بمضاعفات تشكل تهديدا كبيرا على الحياة، على حد قوله.
بين سخان الغاز والكهرباء
اتفقت كل آراء المواطنين المصريين الذين استطلع مراسل الجزيرة نت آراءهم حول إصرار الكثير على اقتناء سخان الغاز -دون الذي يعمل بالكهرباء- رغم الحوادث الكثيرة التي تنشر بشكل دائم لضحاياه.
وجاءت إجاباتهم بأن المصريين يفضلون سخان الغاز على سخان الكهرباء، بسبب فاتورة الكهرباء الكبيرة والباهظة التي تأتيهم كل شهر، خاصة أنها شهدت قفزات في الأسعار في السنوات الأخيرة، وأن فاتورة الغاز أقل بكثير من الكهرباء، حسب رأيهم.
وقال محمد أبو السعود -وهو تاجر أجهزة كهربية منزلية- إن هناك شبه اتفاق بين أهل المقبلين على الزواج على ضرورة اقتناء سخان الغاز، وإنه كان شاهدا على خلافات لكنها قليلة تحدث عند الاتفاق على شراء السخان بالذات حيث يطمئن من ينحازون لشرائه المتخوفين من خطورته بكلمة “يبقوا يخلوا بالهم.. وربنا يستر”.
وأبدى أبو السعود للجزيرة نت تفضيله للسخان الكهربائي حتى لو كان سيزيد الفاتورة ولكنه أكثر أمانا، خاصة في شقق المصريين التي تتميز غالبيتها بصغر الحجم وقلة مساحات التهوية الكافية والتي تزيد بشكل كبير من خطورة التعرض لغاز أول أكسيد الكربون، وأن الكثير لا يعرفون ضرورة المدخنة لتصريف العادم والهواية.
خطورة أول أكسيد الكربون تكمن في أنه لا رائحة له ولا لون وهو ما يفسر ارتفاع نسبة الوفيات في الحالات المتعرضة له لأكثر من 50%
تسرب الغاز
يواجه مستخدمو الغاز (غاز الطهي) بالمنازل مشكلة أخرى تتمثل في ، وربما دون الانتباه مبكرا فيتسبب في حالات من التسمم لا تقل خطورة عن عادم السخان.
إبراهيم عليان يعمل في شركة لتوصيل الغاز للمنازل ينصح بعدة خطوات يلزم القيام بها عند اكتشاف تسرب الغاز، أهمها إغلاق المفتاح الرئيسي للغاز وفتح النوافذ مع سرعة الخروج من مكان التسرب.
الخطوة التالية -يقول عليان للجزيرة نت- هي التواصل مع الطوارئ التابعة للجهة المختصة للتعامل مع الواقعة، وسوف يمده المختصون عبر الهاتف بما يتوجب فعله، وفي كل الأحوال يجب أن يظل الشخص خارج المنزل أو مكان التسرب ولا يتعجل الدخول حتى وصول المساعدة.
ويحذر عليان من عدة أمور خطيرة يجب عدم القيام بها تحت أي ظرف، مثل أن يدفعه الفضول للبحث عن مكان التسرب ومحاولة إيقافه، أو استخدام الهاتف في نفس المكان أو فتح أو إغلاق الأضواء التي ربما تتسبب في انفجار نتيجة الشرارة الصغيرة التي تنتج خلال عملية الإنارة أو الإطفاء.
اكتشاف مبكر للتسرب
بينما يحدد ياسر طه فني تركيب وصيانة الغاز والبوتغاز أمورا يجب أن يتنبه لها المواطن للاكتشاف المبكر لتسرب الغاز بشكل عام الذي ربما يبدأ صغيرا، أهمها شم رائحة تشبه رائحة البيض الفاسد أو الكبريت.
وكذلك سماع صوت صفير قرب مصدر الغاز، أو رؤية ما يشبه الضباب قرب الأنابيب، وأيضا ذبول النباتات إن كانت موجودة بالمنزل أو بالقرب منه- أو موتها دون أسباب معتادة، وكذلك وجود فقاعات فوق المياه الراكدة، حسب حديث طه للجزيرة نت.
