كيف تخطط اليابان للاستفادة من المعادن في قاع المحيطات؟

13
كيف تخطط اليابان للاستفادة من المعادن في قاع المحيطات؟
كيف تخطط اليابان للاستفادة من المعادن في قاع المحيطات؟

أفريقيا برسالصحراء الغربية. توجد قبالة ساحل أوكيناوا في جزر ريوكو جنوبي اليابان وعلى عمق آلاف الأمتار تحت سطح البحر “فتحات حرارية مائية” أشبه بفوهات خامدة تنتشر بقاع المحيط.

وأصبحت تلك الفوهات الآن محط اهتمام دولي متزايد من قبل الساعين للتنقيب عن المعادن بقاع البحر، إذ يُعتقد أن مستودعا واحدا بمحيطها يحوي ما يكفي من الزنك لسد حاجة اليابان لعام كامل. وبالنسبة لبلد يستورد معظم احتياجاته من المعادن، قد تمثل “مستودعات الكبريتيدات” بقاع البحر بديلا محليا جيدا للغاية – لكن ثمة تكلفة باهظة لاستخراج المعادن من قاع البحر تتمثل في تهديد الأحياء البحرية الفريدة والضعيفة في آن واحد.

توجد مستودعات غنية بالمعادن – تعرف بـ”مستودعات الكبريتيدات الضخمة” – بقاع البحر في مناطق شهدت من قبل تصاعد حمم مائية من شقوق بقاع المحيط عند نقاط تماس صفائح القشرة الأرضية؛ إذ تسربت مياه البحر الباردة بين الشقوق وتدفقت لتحمل معها معادن انصهرت بين الصخور مكوِّنة ما يشبه فوهات المداخن في قاع المحيط.

وقد اكتشفت تلك الفوهات عام 1977 وضمت قبل أن تخمد أنواعا شتى من الأحياء الفريدة، منها ديدان حمراء الرؤوس يصل طولها إلى مترين، وسرطانات بيضاء شاحبة وأسماك، فضلا عن كائنات دقيقة لا تحصى تفردت بالعيش في بيئة ساخنة معتمة بتلك الفوهات.

وبمرور آلاف السنين تزحزحت الفوهات بفعل حركة صفائح الأرض بعيدا عن موضعها الأصلي عند تماس تلك الصفائح، ما أدى تدريجيا لخمودها فصمتت وبردت؛ وعندئذ استقرت مستودعات من معادن مثل النحاس والزنك والرصاص والذهب والفضة على قاع البحر وأسفله.

واليوم، تنظر اليابان لتلك المستودعات على أنها مورد محتمل يسد احتياجات البلاد من المعادن الأساسية. وفي عام 2013، أطلقت الحكومة اليابانية مشروعا بحثيا لاستكشاف تلك المستودعات الضخمة، والتي رغم ضخامتها قد يصعب العثور عليها.

يقول بول لَستي، الذي يرأس فريق المستودعات المعدنية بالهيئة البريطانية للبحث الجيولوجي: “لم تعد حمم معدنية تخرج من تلك الفوهات بحيث يمكن رصدها بمعدات الاستشعار عن بعد”.

ويتابع في رسالة الكترونية بعث بها من على متن سفينة استكشاف بساحل ريو غراند رايز بالبرازيل، قائلا: “بمرور الوقت تغيرت تلك الفوهات وعلتها ترسبات دفنتها تماما فلم تعد تظهر بقاع البحر”.

كما أن التنقيب بقاع المحيط يحمل صعوبات جمة، إذ قد يصل العمق أحيانا لثلاثة آلاف متر حيث تكون التيارات المائية شديدة للغاية.

وبخلاف صعوبة الرصد يصعب أيضا تحديد حجم المستودع – الذي قد يصل عمقه لعشرات بل مئات الأمتار تحت قاع البحر – وهو الأمر الأساسي لتقييم حجم المعادن المتوقعة منه.

ويسعى الباحثون لتطوير تقنيات جديدة للتعامل مع تلك التحديات، من أبرزها الاستعانة بالموجات الصوتية. ويقول إيتشي أساكاوا، المدير العام للبحوث والتطوير بشركة “جيه جي آي” للمسح الجيولوجي بطوكيو، إنه قد جرى الاستعانة بتردد خاص تحت الماء للوصول لقاع البحر بحيث ترتد الموجات الصوتية ارتدادا جزئيا باصطدامها بخام المستودع.

ويضيف: “نستقبل عندها الترددات بدقة ونقوم بتحليلها لرسم صورة مسحية لطبقات أسفل قاع البحر في منظومة جديدة قد تكون الأولى من نوعها في العالم”.

وقد استعانت الشركة بتلك الوسائل بالتعاون مع الهيئة اليابانية لعلوم وتقنيات البر والبحر في مشروع لاستطلاع التقنيات الجديدة لاكتشاف موارد المحيط منذ 2014.

ويلجأ باحثون آخرون للتردد الكهرومغناطيسي لتحديد المستودعات. وقد استعانت المؤسسة الوطنية اليابانية للنفط والغاز والمعادن بتلك التقنية للعثور على ستة حقول ضخمة قد تصلح للتعدين. وفي عام 2017، جرى استكشاف تمهيدي بأحد المستودعات برفع كمية ضخمة من الخام 1600 متر من قاع البحر إلى السطح في عملية هي الأولى من نوعها، وبقي معرفة ما إذا كان بالإمكان الاستفادة من الخام على نطاق تجاري.

لكن هذا النوع من النشاط ينطوي على مخاطر بيئية كبرى بسبب عدم معرفة الكثير عن ببيئة أحياء قاع البحر، بحسب كون نوغينت القائم على مشروع لتعدين قاع البحر بهيئة بيو. ورغم عقود من البحث، لم يتم ترسيم أغلب قاع البحار والمحيطات في العالم، ولم تنل البيئات المرتبطة بقاع البحار سوى القليل من البحث.

وبدون معرفة كافية بالأحياء التي تعتمد بيئتها على الفوهات الخامدة، لا يمكن تقدير التبعات البيئية لتعدين مستودعات الكبريتيدات الضخمة بقاع البحر. وحتى لو لم يضر تعدين الفوهات الخامدة بالأنظمة البيئية بالفوهات النشطة القريبة، فقد تكون مواقع التعدين نفسها موطنا لأحياء فريدة من نوعها.

ويقول لستي: “لابد أن المناطق الخامدة تسكنها أحياء هي الأخرى قد تتعرض للضرر. ونفتقر بشدة للدراسات الأساسية للأحياء وتجمعاتها ولا نعرف إلى أي مدى ستؤثر وسائل التعدين المستخدمة ونطاق التعدين وأمده على الأنظمة البيئية للمياه العميقة”.

وتعكف الهيئة الدولية لقاع البحار والمحيطات على وضع قواعد بيئية تلتزم بها المشروعات المقترحة للتعدين في المياه الدولية العميقة. ويعمل نوغينت مستشارا للهيئة في هذا الصدد ويقول إنه لابد من توخي الحذر إزاء عمليات التعدين بالمياه العميقة نظرا لعدم وجود المعلومات الكافية في هذا الأمر. ويقترح نوغينت اتخذا بعض الإجراءات الاحترازية من بينها “منع التعدين في مساحات واسعة في إطار الحقول المقترحة تصل لنسبة 30 إلى 50 بالمئة منها”.

وحين تخرج الهيئة الدولية لقاع البحار بقواعد فلن تنطبق تلك القواعد إلا على المياه الدولية التي تشكل أغلب المحيطات، في حين تضع كل دولة قواعد تنظم العمل في السواحل الخاصة بها.

وقد تنسحب آثار التعدين بالمياه العميقة على مساحات واسعة، إذ أنها ستثير ترسبات تحملها المياه لمئات الكيلومترات. وقد تحوي الترسبات مكونات سامة تقتل الأحياء التي تصلها أو تدفنها، فيما يصعب التكهن بنطاق انتشار الترسبات التي يثيرها التعدين وتحملها المياه نظرا للطبيعة غير المستقرة للتيارات المائية بقاع البحر.

وناهيك عن حركة الترسبات، ستتسبب أعمال التعدين المستمرة في إزعاج الحياة المائية. وتقول كيرستن طومسون، باحثة بيئية بجامعة إكستر: “مجرد إضاءة السفن بسطح المياه ليلا يؤثر على الطيور، ناهيك عما تحدثه من ضوضاء تزعج الثدييات البحرية والأسماك. أما هذا التعدين فسيفتح الباب لأشياء كثيرة لا ندرك عقباها”.

لكن لستي يرى أن عمليات تعدين قاع البحر قد يكون لها فائدة أيضا، لأن ذلك قد يوفر معادن لا يؤدي استخلاصها لانبعاثات كربونية ضخمة، على عكس عمليات التعدين باليابسة. فتركيز النحاس بالخام المستخرج من المناجم الأرضية على سبيل المثال تدنى بنحو الربع خلال عشر سنوات، وكلما تدنى التركيز – أي نسبة النحاس المستخلص من كيلوغرام من الصخر الخام – تطلب استخلاصه طاقة أكثر، وبالتالي انبعاثات كربونية أكثر جراء حرق الوقود.

ويقول لستي: “لكن مستودعات قاع البحر كثيرا ما تكون أغنى بالمعادن من مثيلاتها بالبر، ما يتطلب كما أقل من الخام لإنتاج نفس الكمية من المعدن – أي تعدينا أقل وسحقا وطحنا أقل للصخر الخام، وبالتالي طاقة ووقودا أقل”.

يقول لستي: “حتما سيؤثر التعدين في أعماق البحار على بيئتها الطبيعية، لكن الواضح أن المعادن المستخرجة ستكون أساسية لتقنيات كثيرة تلزم للوفاء بأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة والقضاء على الفقر وحماية الكوكب وضمان الازدهار للجميع”.

وتقول طومسون إنه ليس سهلا الموازنة بين توفير الخامات المطلوبة لتقنيات الطاقة المتجددة من ناحية وحماية أعماق البحار من ناحية أخرى، “فبينما ندرك حاجتنا للتخلص من انبعاثات الكربون فإننا ندرك أيضا أنه ليس بالإمكان استمرار استخدام تلك الموارد بالمعدل الحالي إلى الأبد”.

وتطالب طومسون بالتركيز أكثر على إعادة تدوير المعادن والمواد الأخرى، وتطوير تقنيات جديدة لا تتطلب الكثير من الموارد.

وتهدف استراتيجية اليابان الخاصة بالطاقة إلى اكتشاف مستودعات الكبريتيدات الضخمة بالبحر واستخراج المعادن منها، لكن ذلك يعتمد على سهولة الوصول للمستودع وتكلفة التعدين. كما تركز استراتيجية الطاقة اليابانية على أهمية إعادة استخدام المعادن و”الدفع بقوة باتجاه” تطوير تقنيات جديدة للتدوير.