محمود صانع البيتزا بإيطاليا.. ساعة الإفطار ذروة تنفيذ الطلبيات

14
محمود صانع البيتزا بإيطاليا.. ساعة الإفطار ذروة تنفيذ الطلبيات
محمود صانع البيتزا بإيطاليا.. ساعة الإفطار ذروة تنفيذ الطلبيات

افريقيا برسالصحراء الغربية. حرارة منبعثة من الفرن -الذي يعد محرابا لمحمود حسن (29 سنة)- هي قبلته اليومية في صناعة البيتزا للإيطاليين، وحتى في أوقات رفع الأذان للإفطار الرجل لا يهدأ له بال، فهو في عمل متواصل.

جو حار يلازم هذا الشاب المهاجر المصري طيلة اليوم في العمل المستمر هناك بمحل بيع البيتزا في حي سان سالفاريو بمدينة تورينو، شمال إيطاليا.

“تؤثر حرارة الفرن عليّ أثناء الصيام، لكن ما باليد حيلة، “أكل العيش” يفرض هذا النمط من العمل”، هذا ما يقوله محمود صانع البيتزا، وهو الذي اعتاد على هذا الأمر منذ حوالي 10 سنوات في مطعم إيطالي مصري.

“آه لو لعبت يا زهر” كثير من المهن الحيوية -كالطب والأمن والصحافة.. على سبيل المثال لا الحصر- تجعل صاحبها يزهد في حياته لأداء واجبه المهني كما يفعل محمود الذي يقول “في الوقت الذي يجب أن أكون متحلقا رفقة آخرين على مائدة الإفطار؛ أضطر للاستمرار واقفا أمام الفرن، بعد طول اليوم أمامه.. والله في الغالب أشرب فقط بعض الماء، ثم فيما بعد آخذ فسحة قصيرة، حينما تتاح الفرصة، لآكل ما تيسر من اللبن والبلح. أكيد لا يمكن أن أتناول وجبة الإفطار كباقي الناس”.

وعن الذكريات التي يحتفظ بها محمود خلال صيامه رمضان طيلة مدة غربته إلى غاية اليوم؛ قال للجزيرة نت “كنا نشتغل حوالي 8 أفراد، نعمل وفق نظام المداومة، حيث أجواء العمل حلوة في الشهر الفضيل، كنا نهيئ أطباق وجبة الإفطار مجتمعين”.

الجزيرة نت سألت محمود عن سر حديثه بصيغة الماضي، وبكثير من الحنين، فكانت إجابته أن الأمر يتعلق بزمن مضى، قبل ظهور وباء كورونا، أما بعده فقد “تبدلت الأحوال..”، قائلا هذه العبارة وكأني بالرجل يستدعي قاموس لغته بنبرة شجن من الأغنية الشعبية “آه لو لعبت يا زهر” للمغني المصري أحمد شيبة.

ساعات طويلة وكورونا غير رحيم

يقول محمود إن العمل في محل البيتزا أضحى أقل من السابق بسبب كورونا، و”حوالي %80 من المبيعات ضاعت، كذلك عدد العاملين في المطعم أصبح قليلا جدا، أنا وحدي من تمكن من الحفاظ على العمل، فيما السبعة الباقون فقدوا عملهم، لذلك ينتابني كثير من الحنين للأُنس الذي افتقدته الآن، حيث مردود الشغل يتناسب فقط مع تواجد طباخ واحد، وفق خدمة توصيل الأكل الأكثر استعمالا بسبب فيروس كوفيد-19″.

وفي إيطاليا -كما هو شأن العديد من الدول الأوروبية- زمن الصيام طويل جدا مقارنة مع بلده الأصلي مصر، وهو أمر مرهق لمحمود الذي يقول “هنا نصوم ما يقارب 17 ساعة، فيما هناك في بلادنا فقط 14 ساعة. وهذا الأمر لا بد أن ينتبه إليه الناس، ويحمدوا الله عليه، حيث رزقهم نعمة الصوم في ظروف حياة أحسن من هنا في أوروبا التي تنعدم فيها أجواء رمضان، إضافة إلى طول ساعات النهار والعمل معا”.

محمود، اغتنم لقاءه مع الجزيرة نت، ووجه تحية تضامنية إلى العديد من العمال المسلمين المهاجرين في أوروبا وكل المغتربين ممن يعملون وفق ساعات عمل أكثر من البلاد العربية الإسلامية.

شهادة “ذوي القربى”

محمد جميل -صاحب محل البيتزا- قال للجزيرة نت إنه حاول بين الفينة والأخرى أن يكون مع محمود في المحل لمساعدته، لكن ليس دائما، بسبب ظروف خاصة، وأضاف أن “مشكلة هذه المهنة، أنك تخدم الناس وتقدم لهم الأكل في الوقت الذي تكون فيه محروما من ذلك؛ فطبيعة عملنا هو تقديم وجبات للناس، وإلا سنعطل مصالح الزبائن (العملاء)، وغالبا ما يؤجَّل الإفطار إلى حين آخر، بعد تنفيذ الطلبيات الملتزمين بها، وقد مررت بهذه التجربة مع الإيطاليين منذ سنوات طويلة”.

وقد أصر مالك محل البيتزا على التنويه بكلام لطيف في حق محمود فقال “هو شاب محترم، يشتغل معنا منذ أن وصل إيطاليا، وهو صغير السن. نحترمه ونقدره، ليس فقط بسبب جودة عمله، ولكن لما أبداه من انضباط، حيث كان بالإمكان أن يأخد مسار حياته طريقا آخر، لكنه أظهر بأنه إنسان مكافح ومجتهد وناجح. لقد استحق أن نساعده، فزوجناه، لأنه طيب، ونحن نحبه من الجانب الإنساني والمهني معا، إنه جدا متفانٍ في عمل ليس بالسهل”.

تقدير من أبناء الأرض

طبيعة عمل محمود الصعبة، تراها زبونته فابريتسيا -التي صادفناها بعد أذان صلاة المغرب- “أمرا إيجابيا، ويعبر عن مسؤولية مهنية، تجعل منه لا يقدم ضرورياته الخاصة على عمله”، فيما زبون آخر -وهو جوليو- عبّر عن حال محمود بكثير من التقدير والاحترام، حيث قال “إنه عامل يقدر عمله، وبالتأكيد يستحق التقدير، أليس كذلك؟”.

أما أنطونيو، فتحدث إلينا عن محمود، بينما كان ينتظر طلبيته من بيتزا مارغاريتا، حيث قال إن “عمله جد مركب، لكنه.. (تقاطعه خطيبته جوليا، قائلة يجب أن يكون اختيارا راسخا، وإلا فسيكون صعبا) مثير للإعجاب بمن يؤمن بهكذا عيش، ويلتزم بتفاصيل رمضان”.